نداء إلى من يهمه الأمر: من أجل مناظرة وطنية حقيقية:
الحلقة الخامسة من سلسلة إحقاق الحق
بقلم: نجاة زين الدين
أيها السادة المسؤولون، أيها الفاعلون السياسيون، أيها المثقفون و المهتمون بالشأن العام، أيتها الجمعيات المدنية، و يا أيها الشعب المغربي، لقد صار الوضع الوطني الآن أكثر من أي وقت مضى، يفرض علينا مناظرة وطنية جادة بعيدة عن منطق التسطيح و التفاهة الإعلامية الممولة من صندوقهم الدولي و المسيرة بإملاءاته الظالمة والساعية إلى تنويم العقول و توجيه الرأي العام نحو قضايا هامشية بسياسة لهي يا بوملهي، بينما وطننا ينزف في عمقه و يعيش إختناقا إجتماعيا و إقتصاديا و أخلاقيا.
نحن نطالب اليوم بمناظرة مسؤولة، غايتها تنظيم الصفوف و فتح نقاش وطني شفاف حول أولويات البلاد الحقيقية و الرئيسية، لا تلك التي تفرض علينا من فوق: من صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، بمنطق التسويق الإعلامي و”الفرجة السياسية المسففة” بثوب الديمقراطية المزيفة و الكاذبة و التي يسوق لها العالم الإمبريالي بمنابره المنساقة، وراء مخططاته الإستعمارية و التي تستهدف مصادرة حقوق الشعوب في العيش الكريم و في الحق في تقرير المصير.
1) الإشكالية الوطنية الكبرى:
لقد تم ضخ أموال خيالية في مشاريع و إستثمارات عملاقة، و في مقدمتها التحضير لتنظيم كأس العالم، بينما لم يلاحظ المواطن المغربي من كل ذلك شيئا يغير واقعه اليومي:
مدارسنا العمومية تتهاوى، و تسبح في تيار الخصخصة الذي يبتغي الإجهاز على المرفق العمومي و واجباته إزاء الشعب المغربي، الذي إنجرف وراء تيار شعارات الخوصصة المنمقة، تارة بدافع التباهي و السنوبيزم المغلوطة و تارة أخرى توهما أن القطاع الخاص يقدم تعليما أجودا و أكثر قيمة من المدرسة العمومية، هاته الأخيرة، التي تستهدفها كل الآليات الرأسمالية الخطيرة، بغية تحويل مبتغاه و فحوى رسالته السامية و النبيلة: الإرتقاء بفكر الشعب نحو الإبداع و العلم و المعرفة، كما أن مستشفياتنا تعاني من خصاص مهول، و شبابنا يتخبط في ويلات البطالة و التيه و الإنحراف و المخدرات، فمناطقنا المهمشة تعيش في عزلة حقيقية و تضج بالأوساخ و الأزبال المتراكمة عند مداخل كل مدننا و قرانا و بكل أزقتها و أحيائها.
إن صرف المليارات على ملاعب كروية فارغة من أي فائدة مجتمعية يعتبر مقامرة خطيرة بمستقبل الوطن، و سيؤدي لا محالة إلى إنعكاسات إجتماعية قاسية، إذ سيزداد الفقر تفاقما، و الهوة بين الفئات إتساعا، و الفوارق المجالية تعمقا، و يبقى الرهان على التنمية بملاعب كرة القدم، التي إنسحبت من التباري حولها معظم الدول الغربية لما تحمله المغامرة من علامات إستفهام حول قانون ترتيب الأولويات الضرورية و الرئيسية لشعوبها و دولها، و مع ذلك فإننا نجد إسبانيا التي تشاركنا التنظيم لم تستثمر مثلنا نفس المبالغ الخيالية لإنشاء ملاعب جديدة او تقويم المتواجدة، بل فضلت الإستثمار فيما هو أولى و أهم…
2) أي تنمية نريد؟
التنمية الحقيقية لا تقاس بعدد الملاعب أو بشاشات الدعاية، بل تقاس بمدى كرامة المواطن، و بمستوى المدرسة التي تتكفل بتعليم أبناء الشعب كل المهارات الحياتية و تعزيز معارفهم و تفتيق فكرهم، فأين نحن من ذلك و نحن نحتل المرتبة
110 من الترتيب العالمي في التعليم، و بجودة الخدمات الصحية التي تحفظ و تنقذ حياة الناس، و بقدرة و قوة الإقتصاد الوطني على خلق فرص شغل حقيقية و دائمة.
نريد اليوم مخططات إستراتيجية واضحة، تنطلق من:
*) النهوض بالمدرسة العمومية عبر تعميم التعليم الجيد، الحديث، المنصف، و المؤسس على القيم و الهوية المغربية.
*) تقوية الصحة الوطنية ببناء و تجهيز المستشفيات اللائقة و تعميم حضورها بكل الخريطة الوطنية، مع ضمان التغطية الصحية الفعلية لا الورقية للجميع دون إشتراط ذلك بمؤشرات و لا بمعايير غريبة و مريبة .
*) محاربة الفوارق الطبقية و المجالية بضمان عدالة إجتماعية حقيقية، حيث يستفيد سكان القرى و الدواوير على حد سواء بخيرات البلاد مثلما يستفيد منها سكان الحواضر أو أهم مدن المركز التي تحظى بإهتمام و إمتيازات تفضيلي.
*) القطع مع سياسة الكيل بمكيالين في تدبير الشأن الوطني، بإعتماد رؤية موحدة تجعل المغرب وطنا واحدا يسع جميع أبنائه دون محسوبية و لا زبونية و لا إستثناءات تفضيلية أو تمييزية لفئة على حساب فئة: فكلنا مغاربة.
3) صرخة في وجه العبث:
إننا أمام لحظة فارقة؛ فإما أن نتدارك الأمور بتنظيم مناظرة وطنية كبرى تجمع كل الغيورين على الوطن لرسم منهاج تنموي واقعي، و إما أن نستمر في السير الأعمى نحو مشاريع وهمية ستعمق أزماتنا بدل أن تحلها.
ندائي موجه إلى أصحاب القرار:
التاريخ لن يرحم، و الشعب لن يغفر لمن ضيع فرصته في بناء وطن عادل كريم. فالتنمية الحقيقية تبدأ من المدرسة نعم المدرسة و المستشفى نعم المستشفى، و كذلك من عمل قار و سكن كريم و بيئة نظيفة و مواطن مسؤول غير مهجن بكل أنواع التخدير، لا من ملاعب كرة القدم التي لم تطعم أبدا جائعا، و لم تعالج مريضا، و لم تفتح باب أمل أمام شباب يتخبط في اليأس و البطالة و الإنحلال و الإنحراف، لينهي أزمته في كاليطات بزنسة المخدرات التي أصبحت كل الأزقة و الأحياء و جل الأسر المغربية غارقة في قثامتها و بؤسها و همها.
فلنفتح باب النقاش الوطني الواسع، بعيدا عن التضليل الإعلامي و التفاهة، و لنضع معا تصورا إستراتيجيا متكاملا ينطلق من القيم، من العدالة، و من حق الشعب في العيش الكريم. فبدون ذلك، سنسير بوطننا نحو مستقبل غامض، و ستكون كأس العالم – إن نظمت – كأسا من الوهم و المرارة سيتجرعه الشعب المغربي سما و علقما.