من التنديد إلى التطبيل: حين يتحول النقد إلى مديح… ومتى نحاسب المنظومة الصحية؟
إدريس السدراوي: رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان
في سياق يعرف فيه قطاع الصحة العمومية بالمغرب اختلالات بنيوية مزمنة، من نقص في الموارد البشرية، إلى ضعف البنيات التحتية، وتفشي مظاهر الفساد الإداري والرشوة والوساطة، أصبح من المستغرب أن نرى بعض الأصوات المدنية التي كانت إلى وقت قريب تطلق نداءات الاستغاثة من داخل المستشفيات، تنقلب فجأة إلى أبواق تمجيد لمسؤولين، فقط لأنهم أحسنوا “فن الخطابة” أو أبدوا “استعدادًا للاستماع”.
إن المقاربة الحقوقية لا تقف عند عتبة حسن النية أو الخطاب التواصلي، بل تتطلب تقييما ملموسا للنتائج، وربطا فعليا للمسؤولية بالمحاسبة. فأن يظهر مسؤول في قطاع حيوي كالصحة، ويعترف – مشكورًا – بوجود إكراهات مزمنة كقلة الأطباء، ومحدودية الميزانية، وغياب التخصصات، فهذا ليس إنجازًا بل واقع مؤلم يعايشه المواطن كل يوم أمام أبواب المستشفيات.
الأخطر من ذلك أن تُستعمل اللقاءات التواصلية كآلية لإسكات النقد، وتوجيه المجتمع المدني نحو الاحتواء بدل الشراكة الحقيقية. وهذا ما يتعارض صراحة مع مبادئ الحكامة الجيدة، والتدبير الديمقراطي للخدمات العمومية، والمشاركة الفعالة للمجتمع المدني المنصوص عليها في الفصل 12 من الدستور المغربي.
إننا حين نرى مرضى يموتون بصمت في الممرات، وممرضين يشتغلون بأعداد غير كافية، وعائلات تُذل أمام مكاتب الإدارة أو تطلب تدخل “السماسرة” لتسريع عملية علاج، ندرك أن الأزمة أكبر من خطاب أو مبادرة. إن الأمر يستدعي تعبئة وطنية وجبهة مدنية قوية، تؤمن بأن الحق في الصحة ليس امتيازًا بل التزامًا تعاقديًا بين الدولة والمواطنين.
المنظومة الصحية المغربية تحتاج إلى:
- مراجعة شاملة للسياسات العمومية الصحية، قائمة على الإنصاف المجالي والعدالة الاجتماعية؛
- حماية حقيقية للمال العام، وفتح ملفات الفساد في الصفقات والتجهيزات وتعيينات المسؤولين؛
- إشراك فعلي وشفاف للمجتمع المدني، دون تمييع أو انتقائية أو استغلال سياسي أو إداري.
في الختام، نقولها بوضوح: لسنا ضد التواصل، ولا ضد المسؤولين الذين يحاولون الاجتهاد في ظل محدودية الإمكانات، بل ضد تحويل الأزمات إلى فرص للبروباغندا، وضد صمت المجتمع المدني حين يتحول من قوة اقتراح إلى أداة تجميل.
إننا نريد مغربًا يحترم كرامة المواطن في المستشفى، كما يحترمها في المدرسة والمرفق القضائي… نريد دولة تتحدث بلغة الأرقام والمؤشرات لا بلغة الترضيات المؤقتة.