الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

السياسة في المغرب: مسار للارتقاء الشخصي أم وسيلة لخدمة العموم؟

 

 

 

بقلم :زينب الجعنين باحثة في سوسيولوجيا التربية

 

 

تشكل السياسة في أي بلد مرآة تعكس وعي مجتمعه، ودرجة نضج نخبه، ومدى التفاعل بين المواطن والدولة. وفي المغرب، عرف المسار السياسي تحولات هامة منذ الاستقلال، مرورا بسنوات الرصاص، وصولا إلى دستور 2011 الذي منح آفاقًا جديدة للمشاركة الديمقراطية وتعزيز دور المؤسسات. غير أن الواقع العملي كشف أن الممارسة السياسية، بدل أن تكون وسيلة لخدمة الصالح العام، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى وسيلة للارتقاء الشخصي والوصول إلى الامتيازات.

 

من الملاحظ أن المشهد السياسي المغربي بات يعرف تزايدا في عدد المترشحين للانتخابات، ليس بدافع الإيمان بالمبادئ أو الرغبة في التغيير، بل بدافع الطموح الشخصي والمصلحة الذاتية. فعدد كبير من السياسيين يعتبرون العمل الحزبي سُلّمًا نحو المناصب، وفرصة للتموقع الاجتماعي والاقتصادي. لقد أصبحت المقاعد البرلمانية والمجالس المنتخبة تُدرّ منافع مادية ورمزية، ما جعل السياسة مهنة مربحة بدل أن تكون رسالة وطنية.

 

ويتجلى هذا التحول في ضعف الأداء البرلماني وغياب المبادرة التشريعية الجادة، مقابل ارتفاع نسب الغياب في الجلسات، وتكرار الوجوه ذاتها في مختلف الاستحقاقات. كما أن تدبير الشأن المحلي غالبًا ما يُستغل لتوزيع الريع الانتخابي، وتوطيد النفوذ العائلي أو القبلي، عوض تحقيق التنمية وخدمة المواطنين.

 

إن فشل كثير من المنتخبين في تقديم بدائل حقيقية، وفي تبني سياسات عمومية تنبع من حاجيات المجتمع، زعزع ثقة المواطن في المؤسسات، وأضعف المشاركة السياسية. فحين يُنظر إلى السياسة كوسيلة للاغتناء السريع أو لكسب الحصانة، فإن المفهوم الديمقراطي يُفرغ من محتواه، ويتحول إلى مجرد واجهة شكلية.

 

ولا يخفى أن بعض الأحزاب تتحمّل جزءًا من المسؤولية، إذ تغيب عنها الديمقراطية الداخلية، ولا تعتمد على الكفاءة أو التأطير، بل على الولاء والمحاباة. كما أن بعض الأحزاب تفتح أبوابها أمام الانتهازيين وأصحاب المال، مما يساهم في تسليع السياسة وتحويلها إلى مجال للمضاربة، بدل أن تكون ساحة للنقاش العمومي والتخطيط الاستراتيجي.

 

من جهة أخرى، فإن الدولة بدورها مطالبة بتعزيز المراقبة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والقطع مع الإفلات من العقاب، حتى تستعيد السياسة مصداقيتها. فالإفلات من المحاسبة هو ما يشجع العديد من المنتخبين على استغلال مواقعهم لتحقيق منافع خاصة، دون خوف من تبعات قانونية أو أخلاقية.

 

إن أزمة السياسة في المغرب ليست وليدة اليوم، لكنها تفاقمت مع مرور الوقت بفعل تراكم الفشل، وغياب الرؤية، وضعف التأطير السياسي والتربوي. ولا يمكن إنكار أن هناك كفاءات صادقة اختارت العمل السياسي بدافع وطني خالص، لكنها تجد نفسها محاصرة في مناخ لا يُكافئ النزاهة، بل يُشجّع على التملق والتسلق.

 

وفي ظل هذا الوضع، فإن إعادة الاعتبار للسياسة يمر عبر تجديد النخب، وإصلاح المنظومة الحزبية، وتكريس مبدأ الشفافية والمحاسبة. فالمواطن المغربي اليوم لم يعد يقبل بالخطابات الجوفاء، بل يطالب بنتائج ملموسة، ويقيس الأداء السياسي بمدى تأثيره على حياته اليومية.

 

في الختام، تبقى السياسة في المغرب بين خيارين: إما أن تظل طريقًا للارتقاء الخصي، والتربح على حساب المصلحة العامة، أو أن تتحول إلى أداة حقيقية للإصلاح والتنمية والمشاركة المواطنة. والمسؤولية في هذا التحول تقع على عاتق الجميع: الدولة، الأحزاب، والمجتمع المدني.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!