“من أشد خطرًا؟ الصحفي حميد المهداوي أم مغتصب طفلة؟ مقارنة تفضح ميزان العدالة”
بقلم ادريس السدراوي
في منعطف حرج من مسار حرية التعبير وحقوق الإنسان بالمغرب، نُجدد تضامننا الكامل مع الصحفي حميد المهداوي، الذي حُكم عليه مؤخرًا بـ سنة ونصف حبسًا نافذًا وتعويض ثقيل قدره 150 مليون سنتيم لفائدة وزير العدل، فقط لأنه عبّر عن رأيه وانتقد مسؤولًا حكوميًا، في ممارسة سليمة لحرية التعبير كما يكفلها الدستور والمواثيق الدولية.
هذه القضية لم تعد مجرد ملف قضائي، بل تحوّلت إلى رمز لانزلاق خطير في العلاقة بين السلطة والصحافة، حيث يُستخدم القضاء كأداة للردع، بدل أن يكون مؤسسة لحماية الحقوق والحريات.
وما يزيد هذا الانزلاق وضوحًا هو ما وقع في نفس الفترة الزمنية تقريبًا، حين صدر حكم في قضية اغتصاب طفلة تبلغ من العمر 14 سنة، حيث أدين الجاني – الذي يتجاوز 30 سنة – بـ خمس سنوات فقط، قبل أن يُخفف الحكم إلى سنتين حبسًا نافذًا، رغم فداحة الفعل وجُرمه الأخلاقي والإنساني.
وفي القلب من هذه المأساة، يقف والد الضحية، عامل فلاحي بسيط من منطقة المناصرة بإقليم القنيطرة، لا يحمل فقط ألم اغتصاب ابنته، بل يحمل أيضًا مرارة الحكم المخفف، وشعورًا عميقًا بالحكرة والخذلان، بينما تُعاني طفلته من وضع نفسي خطير ومستقبل مكسور.
كيف نفهم أن يُحاكم صحفي بالسجن والغرامة الثقيلة، فقط لأنه قال كلمة، بينما يُحاكم مغتصب قاصر بتساهل لافت؟
ما الرسالة التي تبعثها العدالة حين تساوي بين من يُفكر ويُعبّر، ومن يهتك أعراض الأطفال؟
هل بات الصحفي أخطر من المجرم؟ وهل أصبح الرأي جريمة والدفاع عن الحقيقة عملًا يُعاقب عليه بالسجن؟
إننا نوجه نداءً صريحًا إلى الجسم الصحفي والحقوقي الوطني والدولي، من أجل:
- الدفاع عن حرية الصحافة وكرامة الصحفيين،
- رفض تسييس القضاء أو توجيهه ضد المعارضين،
- والمطالبة بعدالة منصفة، لا تميز بين صاحب السلطة والمواطن البسيط، ولا بين من يُزعج ومن يُخيف.
نُذكر الدولة المغربية بالتزاماتها الدولية، وعلى رأسها:
- المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
- اتفاقية حقوق الطفل
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
ورغم كل التراجعات، يبقى الأمل مُمكنًا…
لأننا نؤمن أن الوطن لا يُبنى على الصمت، بل على النقد المسؤول،
وأن الصحافة ليست عدوًا، بل ركيزة للرقابة والمساءلة،
وأن العدالة الحقيقية هي تلك التي تُشعر الجميع بالمساواة، مهما كانت مواقعهم.
فلنجعل من هذه اللحظة القاسية فرصة للمراجعة والتصحيح، لا للانتقام والتصفية،
ولنُحَوِّل الألم إلى طاقة إصلاح، والغضب إلى دعوة لتجديد الثقة في مؤسساتنا.
لا يزال في هذا الوطن شرفاء يُناضلون… وصوت الحق لا يُخمد.