الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

موازين… حين يتحول البذخ الفني إلى صفعة مؤلمة في وجه شعب يتوجع

 (الحلقة الثالثة من سلسلة شذرات فكرية)

 

 

 

 

بقلم: نجاة زين الدين – المغرب

 

❝إلى متى سنبقى نساق نحو هاوية الإنكار؟ إلى متى سنبقى نغض الطرف عن فصام مؤسسات الدولة الثقافية و السياسية مع الواقع البائس الذي يعيشه شعب أنهكه الفقر، و أضناه الهامش، و حاصرته الإختيارات اللاشعبية؟❞

 

في قلب العاصمة الرباط، و بين جنبات المنصات التي تعج بالأضواء و الضجيج، يقام مهرجان موازين، ذاك الحدث الذي يسوق  له على أنه واجهة للتنوع و الإنفتاح، بينما هو في جوهره مرآة لفصام مؤلم بين من يخططون له و بين واقع المغاربة المتأزم.

فكيف لبلد يرزح تحت أعباء الديون، يعيش شبابه في الهشاشة، و تئن مستشفياته و مدارسه من العجز، أن يصرف الملايين على عروض راقصة، و أغان بذيئة، و”فنانين” لا علاقة لهم بالفن سوى تلك الألف و اللام؟

 

1- موازين… التمويل العمومي في خدمة التفاهة:

 

بعيدا عن الأرقام الدقيقة التي يجهلها الكثيرون بسبب غياب الشفافية، فإن التقديرات الصحفية و الدولية تشير إلى أن ميزانية مهرجان “موازين” تتراوح ما بين 60 و100 مليار سنتيم سنويا (أي ما يعادل 6 إلى 10 ملايين دولار). تدفع هذه الأموال مباشرة أو عبر شركات و مؤسسات عمومية و شبه عمومية، تحت ستار “الرعاية الثقافية”، في الوقت الذي لا يجد فيه المرضى سريرا في المستشفيات العمومية، و يضطر الطلبة إلى الهجرة أو التسول العلمي في بلدان الغير، لتتم مصادرة حقهم في حضن الوطن بالتهجير القسري لقلة الحيلة المادية و البنيوية…

 

إن كان البعض يبرر دعم هذا المهرجان بدعوى “الإستثمار في السياحة” و”تنشيط الرباط”، و منح المواطن المغربي خاصة مراهقيه مساحة من الحرية، التي قد تخرب مستقبله و ترتيب أولوياته في الحياة، فإن الواقع يكذب كل هذا الإدعاء: فأحياء التهميش تحاصر العاصمة من كل الجهات، و شباب المغرب يفر من بلده عبر “الحرڤة”، أو يختار تعبيرا إحتجاجيا هجينا يتمثل في مظهر “الشارع طوطو”، ذاك الذي لا يعرف إلا السراويل المتدلية و المخدرات الرخيصة و الإيقاعات الهجينة و البذيئة…

 

2- فصل من فصول العبث: “طوطو”: هيت جديد في اللاوعي الجماعي يكتسح عقول المراهقين ليدمرها بسلوكياته الغريبة

 

عندما يغزو آلاف الشباب العاصمة لحضور “حفل فني” لرابور ينشر البذاءة علنا، و يستهزئ باللغة و القيم و الدين، فذلك ليس حدثا عابرا، بل نذير إنهيار قيمي لمجتمع بالكامل:

 

لقد تحول “طوطو” من مغن إلى ظاهرة مرضية، ينطلق من عمق الإحباط الشعبي، لكي يرسخ نموذجا غارقا في الإنحطاط و التفاهة و السفالة، حيث يصبح التعبير بوقاحة و ببداءة الأسلوب عن البؤس فنا، و ترويج المخدرات ثقافة مضادة، و الشتائم إبداعا فإلى أين المسير يا ترى؟؟؟

 

هؤلاء الشباب لم يختاروا هذا النموذج عن عبث، بل لأن منظومة القيم و الأدوار التربوية فشلت فشلا ذريعا، و تم تفريغ المدرسة و الإعلام و الأسرة من مضمونها، لترثهم الشوارع، وتعيد تشكيل وعيهم عبر صخب موازين و رقصات المسخ للفنانات المستوردات من قنوات الإغراء الجاهز و العهر المقيث الذي لا يجيد من الفن سوى تسليع جسد المرأة و طرحه في مزاد البشرية اللعين…حيث العقول و الأجساد معا تعرض و تباع فهلا أونو هلا دويي هلا تيرسيو من يدفع أكثر

 

3- المهرجانات: إستنزاف للميزانية أم إغتيال للوعي؟

 

لا يقف العبث عند مهرجان “موازين”، بل يشمل سلسلة من المهرجانات الأخرى التي تنظم سنويا مثل:

 

. مهرجان كناوة في الصويرة.

. مهرجان الموسيقى الروحية بفاس.

. مهرجان تيميتار في أكادير.

. مهرجان الراي في وجدة

. مهرجان السينما بمراكش.

. مهرجان الضحك في مراكش.

. مهرجان الطرب الأندلسي في تطوان.

 

و غيرها من التظاهرات التي تستهلك سنويا عشرات الملايير من الدراهم من أموال دافعي الضرائب، في ظل غياب رقابة برلمانية أو تدقيق محاسباتي جاد…فإلى أين المسير يا وطني الغالي يا وطني؟؟؟أو لم تكن بنياتنا الصحية و التعليمية و طرقاتنا المهترئة و مرافقها العمومية التي تنازل الزمان في جولات إضافية لتتمكن من الإستمرار في الشبه الحياة اللامأسوف عنها…  

 

و الأذهى من هذا و ذاك، أن هذه المهرجانات، بدل من أن تكون منصات للنقاش الجاد بغية الإرتقاء بالفن، أضحت أسواقا للبهرجة و التقليد و التبعية المطلقة للغرب، دون هوية و لا عمق و لا فكر و لا إنتماء و لا فلترة….

 

4- جيل اليوم… في مواجهة خراب منظم:

 

جيلنا اليوم يعيش ثورة إجتماعية من نوع جديد، ليست تلك التي خرجت في الستينات و السبعينات تصدح بشعر درويش و محمود تيمور، و اغاني فيروز و الشيخ إمام عيسى و ناس الغيوان…الخ، بل هي ثورة التمرد بالصمت المنقوع في ضباب دخان السجائر و الپوفا و الحشيش و الكالا و الجوانات السامة…و بالسخرية الحامضة و بالرقص الغريب، و بالحلقات في الأنف و اللسان،  و بثقافة “الفيديو كليب” و”التيكتوك” و “الهيت الرديء”بالسراويل الممزقة و الهابطة على المؤخرات بوقاحة الكلمات المستعملة و بالتطبيع مع كل الإنحرافات السلوكية لدرجة أن هذا التطبيع شمل التعاطي مع المخدرات و كل الموبقات فغدا إبتزاز الأهل لشرائها أمرا عاديا و تعنيفهم أحيانا أخرى أمرا متكررا مستطابا…فإلى أين المسير يا بلادي؟

 

فهذا الجيل التائه، وجد في مهرجانات المسخ هاته صوتا، لكنه صوت يصرخ في الفراغ، لقد أصبح الغناء المبتذل هو المنفذ الوحيد أمام من لا يملك وطنا عادلا، و لا تعليما منصفا، و لا كرامة  صحية و لا أفقا مهنيا و لا عدالة مجالية أو إجتماعية…

 

5- السؤال الكبير: إلى أين المسير يا وطني؟

 

فأي مغرب نريد؟ و أي مغرب نبني؟ هل نريد جيلا مفككا، هشا، يردد أهازيج “طوطو” و من على شاكلته، أم نريد جيلا مفكرا، مثقفا، مقاوما، يكتب تاريخه بيده؟ هل نحن فعلا أحرارا في إختياراتنا، أم تدار قراراتنا من وراء البحار عبر إملاءات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي؟

 

فكم من مدرسة كان يمكن بناؤها؟ و كم من مستشفى كان يمكن تجهيزه؟ كم من مشروع للشباب كان يمكن دعمه بدل إغراقهم في صخب لا ينتج سوى المزيد من التيه و الإنهيار؟!

 

6- نداء للوطن… صححوا المســــار من فضلكم!!

 

يا أصحاب القرار، كفى!! كفى إنفاقا على التفاهة بإسم الثقافة!! كفى إستثمارا في الرقصات اللبنانية المعلبة و المشاهد الخارجة عن الذوق و الأخلاق!! كفى تبعية و تماه مع مشاريع لا تليق بتاريخنا و لا بكرامتنا.

 

إن المغرب اليوم في حاجة ماسة إلى نهضة قيمية، إلى ثورة تربوية حقيقية، إلى مشروع وطني يعيد الثقة إلى شباب أنهكته الهشاشة، لا مهرجانات تستهلك أموالهم و تحطم وعيهم.

 

فلنعد الإعتبار للوطن… قبل أن نصحو على وطن لا نعرفه…

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!