الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

إمبريالية الخراب: كيف تفتك أمريكا و إسرائيل بالعالم بالتقسيط؟

(الحلقة الثانية من سلسلة شذرات فكرية)

 

 

 

بقلم: نجاة زين الدين 

 

 

منذ سقوط جدار برلين و بداية “النظام العالمي الجديد”، دخلت البشرية نفقا طويلا من الهيمنة المطلقة التي مارستها الإمبريالية الأمريكية بدعم إستراتيجي من الصهيونية الإسرائيلية، تحت شعارات زائفة مثل: “نشر الديمقراطية”، “مكافحة الإرهاب”، و”الحفاظ على الأمن العالمي”، لكن خلف هذه الأقنعة، كانت هناك خطط جهنمية توضع لإعادة رسم خارطة العالم و تثبيت دعائم الهيمنة المطلقة على الشعوب و الثروات، عبر نشر الفوضى، و صناعة الحروب، و تسويق الخوف، و إستباحة السيادة الوطنية لدول بأكملها.

 

1- كرونولوجيا الهيمنة: من العراق إلى غزة مرورا بإرهاب مصطنع:

 

ففي مستهل تسعينيات القرن الماضي، دشنت الإمبريالية الأمريكية فصول هيمنتها المطلقة بضرب العراق، مدعية كذبا إمتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، فكانت حرب الخليج الأولى بداية لزمن جديد، تم فيه توظيف مجلس الأمن “للشرعية الدولية” لخدمة مصالح الإمبراطورية العسكرية الأمريكية التي ما فتيئت منذ ذلك الحين أو بالتحديد منذ ضرب ناجازاكي و هيروشيما في 1945م بالقنبلة النووية، تستعرض عضلاتها على عموم شعوب العالم.

العيد نفس الكرة سنة 2003، حين دمرت العراق مرة أخرى، و أدخلته في فوضى عارمة، مهدت لولادة تنظيمات إرهابية عابرة للحدود و القارات، جرى تضخيمها و تغذيتها إعلاميا، بل و تم تمويلها خلسة عبر حلفاء عرب متواطئين و موالين لها، شاركوا في هندسة هذه الخدعة الجماعية، تحت مسمى “محاربة الإرهاب”.

و هنا أتساءل عن أي إرهابة نتحدث، إذا ما تعلق بذات المولود الذي تموله نفس الأيادي التي تدعي مكافحته؟

أليس من العار أن تستباح دماء الشعوب بحجة محاربة “وحوش” هم من صنعوها؟

أليست إسرائيل، هي الأخرى، نموذجا لتجسيد هذه المهزلة الدولية، بدعم غير مشروط من حليفتها أمريكا، حتى غدت دولة فوق القانون، ترتكب الإبادة جهارا نهارا في غزة منذ أكتوبر 2023، دون أي رادع أخلاقي أو قانوني في أكبر جريمة ضد الإنسانية و أبشع إبادة جماعية؟ بالرغم من حجم التنديدات الجماهيرية بكل البقاع العالمية، بالله عليكم من الإرهابي هنا؟فقط أجيـــبـــوني؟ 

 

2- الرهان على الحرب الأبدية: الأسواق، السلاح، و اللهث وراء السيطرة على العالم:

 

ما تسعى إليه أمريكا و إسرائيل اليوم ليس فقط الهيمنة، بل ترسيخ “الحرب كحالة دائمة”، بهدف:

 

  • إنعاش صناعات السلاح: فكل قنبلة ترمى، و كل صاروخ يطلق، هو استثمار مربح لمجمع الصناعات الحربية الأمريكية، و رقم برصيد أبناكها المركزية…
  • خلق أسواق جديدة: عبر تدمير الدول و فرض إعادة إعمارها بشروط مهينة و مذلة و مبتزة، كما حصل في العراق و أفغانستان و ليبيا و لا ندري على من الدور القادم من الأيام، طالما أنهما يقضمان الخريطة العالمية بالتقسيط كفاكهة تسيل لعابهما الفومبيري الذي تعود على التغذي بدماء البشرية التي تسفك بسبب حماقات و أنانيات المتلاعبين بمستقبل كل البشرية…
  • منع صعود المنافسين: خاصة الصين، القوة التي تقض مضجع واشنطن، و معها أي تحالف آسيوي أو روسي يهدد بتغيير موازين القوى…

 

فلهذا السبب، تشهد الساحة الدولية تصعيدا متعمدا، تمثل أخيرا في الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، التي تدخلت فيها أمريكا رسميا بتصريحاتها و تهديداتها في أبريل 2025، ليتحول يوم الأحد الماضي إلى أمر فعلي في لحظة تهور أمني و دبلوماسي، يقودها رئيس أمريكي: التاجر الذي يتعامل مع شعوب العالم بمنطق المصالح الربحية أكثر من منطق القائد الذي يستوجب أن يتحلى بالحكمة و التأني، لأنه هنا يوزع “صكوك الغفران” لكل من أعلن الولاء لجنونه السياسي، و يعلن سخطه على كل من خالفه الرأي و تمرد عن بطشه المرضي…

 

3- من غزة إلى طهران: الإنسان حطب الحروب و وقود الدبابات و الطائرات:

 

منذ أكثر من عامين، تعيش غزة أبشع صور الإبادة الجماعية، قتل فيها الأطفال و النساء و المرضى، و هجر سكانها قسرا وظلما، و قطع عنها الكهرباء و منعت من الماء و الطعام.

كل ذلك على مرأى و مسمع من “العالم الحر”، دون أن يرف له جفن.

أما اليوم، فتنتقل رحى الحرب إلى جبهة جديدة، بين إسرائيل و إيران، و ما أدراك ما إيران  و بدل أن تلعب القوى العظمى دور الإطفائي، إختارت أمريكا مجددا  و كعادتها أن تلعب دور “سائق الجرافة الأعمى ببطشه” لتهدم ما تبقى من توازن عالمي هش البنيان و سفيه البناء بسبب من يقودون تدبيره بقراراتهم الجائرة.

 

4- لكن إلى أين نسير؟ و ما هي تداعيات هذه المهزلة الدولية على دول العالم؟ و خاصة القارة الإفريقية: المغرب نموذجا؟

 

التداعيات المتوقعة: حروب غير مباشرة و عزلة دولية:

 

*  إفريقيا كحديقة خلفية للنهب و التجارب:

 

– إستمرار إستنزاف الموارد الطبيعية بالقوة أو بالإنقلابات.

– إذكاء الصراعات العرقية و الطائفية و الإثنية لخلق بيئة إستثمارات فوضوية.

 

* المغرب في مرمى الضغوط الجيوسياسية:

 

الضغط عليه لإتباع محاور معينة في الصراع العالمي (خاصة ضد الصين) ب:

 

. تهديد إستقراره الإقتصادي إن قرر الخروج من فلك الهيمنة الغربية.

. إستغلال ملف الصحراء كورقة إبتزاز دائمة.

 

 إستنزاف الرأي العام العالمي:

 

تحويل الإنسان إلى مجرد “خبر عاجل”، و تقليص وعيه إلى تفاعل لحظي مع صور المجازر، دون تعمق أو فعل مقاوم.

 

5- تشخيص موطن الداء: الرأسمالية المتوحشة:

 

ففي عمق المشهد النازف الآن بكل من غزة و إ يران و أوكرانيا و روسيا تكمن مرامي الرأسمالية المتوحشة، التي لا تبقي على خطوط الإنسانية،  و تعربد بكل الخارطة العالمية بتحكمها بقواعد تسييرها كوحش إقتصادي غاصب بمنطق الأنا الصاخب و المنفرد بالقرار:

 

– إربح و لو دمرت الشعوب، و لا تترك دولة تنهض دون أن تربح منها أو تركعها.

– هذه الرأسمالية نام فيها الضمير،  فتحولت الديمقراطية إلى قناع، تستبدل فيه صناديق الإقتراع بصناديق الذخيرة.

 

6- توصيات للخروج من الحصار الأخلاقي و الجيوسياسي ب:

 

– بناء تحالف دولي إنساني جديد: يضم دول الجنوب المتضررة من السياسات الإمبريالية، و يطالب بإصلاح شامل لمجلس الأمن.

– إعادة إحياء الضمير العالمي: عبر الثقافة و الفن و المجتمع المدني الفاعل و المتفاعل، و خلق مقاومة فكرية تستعيد الإنسان من قبضة الوحش الإعلامي الغربي.

– الإنفتاح على تعدد الأقطاب: لتفادي الهيمنة الأحادية، و تقوية علاقات الدول النامية مع الصين، روسيا، و الهند، بعيدا عن إملاءات الغرب.

– تطوير إستقلالية القرار العربي و الإفريقي: سياسيا، إقتصاديا، و ثقافيا، برفض التبعية العمياء، و فتح نقاش جاد حول مشروع النهضة السيادية لعموم هذه الشعوب.

– مناشدة الشعوب قبل الحكومات: لأن وعي الجماهير هو السلاح الحقيقي لتحطيم منظومة الإستغلال و الإستعباد.

 

 هل من أمل في إيقاف نزيف الحروب لتنتصر الإنسانية فينا و لنا؟

 

نعم، بشرط أن نستعيد وعينا، و نؤمن أن العالم لا يبنى على الحرب، بل على الكرامة، و التعاون، و التعددية و إحترام الإختلاف…و أن ندرك بأن الإنسان، في كل بقاع الأرض، لا يستحق أن يستعمل كوقود في محرقة خطط لها بجشع أبكم و بضمير أصم…

فلنتكلم، فلنكتب، فلنصرخ، لأن الصمت شراكة في الجريمة،

و لنرب أبناءنا على أن لا هيبة لقوة إذا تعرت من الأخلاق، و القيم

و لا وزن لدولة إذا إغتالت الحق باسم “القانون” الموضوع دون تقدير للبشرية، لهذا نقول: 

يكفينا يكفينا يكفينا من الحروب…أمريكا أمريكا عدوة الشعوب…

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!