قراءة في دلالات وتوقيت إعفاء والي فاس ومراكش .
مصطفى المنوزي/المعرب
خلال أيام قليلة، سيتضح مدى صحة الأنباء المتداولة حول صدور قرار ملكي بإعفاء والي جهة فاس-مكناس ووالي جهة مراكش-آسفي، على خلفية ما وُصف بعدم الالتزام الكامل بالتوجيهات الملكية الخاصة بترتيبات عيد الأضحى. قد يبدو القرار للوهلة الأولى إجراءً روتينياً ضمن آليات المحاسبة الإدارية، إلا أن تزامن الإعفاءين، مع خصوصية التوقيت والمكان، يحملان دلالات تتجاوز السطح الظاهر للأحداث.
بين العيد والدولة الرمزية:
عيد الأضحى في المغرب ليس مناسبة دينية فحسب، بل هو حدث ذو حمولة سيادية ترتبط مباشرة بمؤسسة إمارة المؤمنين، حيث يبرز الملك كضامن للشعيرة في أبعادها المتعددة: الدينية والاجتماعية والسياسية. لذا، فإن أي تقصير في هذا السياق لا يُفسر كإخفاق إداري بحت، بل يُقرأ كمساس غير مباشر بالزمن الرمزي للدولة.
الحديث عن أن الإعفاء جاء نتيجة سوء تدبير فقط هو تفسير يخفي أكثر مما يظهر. فالمؤكد أن الحزم الملكي لم يكن رد فعل على الإهمال وحده، بل أيضاً على تحوّل الاجتهاد الميداني إلى ما يشبه منافسة للسلطة المركزية، حيث حول بعض المسؤولين التعليمات الملكية إلى ساحة للاستعراض الإداري، بدلاً من الالتزام بها. وهذا ما لا يتوافق مع منطق الحكم القائم على التراتبية والرمزية.
فاس ومراكش… جغرافية الرسالة:
ليس من قبيل الصدفة أن يكون الإعفاء مستهدفاً مدينتي فاس ومراكش. فالعاصمتان التاريخيتان للمغرب، بما تحملانه من عمق سياسي وروحي، ليستا مجرد وحدتين إداريتين، بل تمثلان ركيزتين لرمزية السيادة المغربية. لذا، فإن إعفاء والييهما في لحظة دينية حساسة يحمل رسالة متعددة الطبقات: ليست موجهة للأشخاص فحسب، بل للأمكنة والذاكرة والترتيب الرمزي للسلطة.
إعادة ضبط الحقل الترابي:
هنا يبرز سؤال جوهري: هل نحن أمام إجراء إداري عابر، أم أمام خطوة مدروسة لإرسال إشارات رمزية تعيد تعريف العلاقة بين المركز والجهات؟
الأرجح أن الأمر ينتمي إلى الاستراتيجية الأوسع للدولة، حيث تُستخدم قرارات التعيين والإعفاء كأدوات اتصال سياسي. فالدولة لا تعاقب فقط، بل تُعيد توجيه الحقل الترابي وتذكّر بحدود السلطة، من خلال لغة صامتة لكنها دقيقة.
لغة الإعفاءات السياسية:
الإعفاءان – إذا ما تأكدتا – ليسا حدثين منعزلين، بل هما جزء من خطاب الدولة الرمزي. فعندما يُعفى والٍ، فإن ما يتم إقصاؤه ليس شخصاً فقط، بل قراءة خاطئة للتعليمات، وربما محاولة لخلق مركزية موازية تهدد احتكار الدولة للرمز والسيادة.
في المغرب، لا تُعلن الدولة حدودها صراحة، لكنها تفرضها بلغة الإجراءات، خاصة في اللحظات التي يمتزج فيها الدين بالسياسة، والتراث بالإدارة.
وبينما ننتظر التأكيد الرسمي (الذي غالباً ما يأتي عبر ” الراديو ” بعد التعيين بالظهير، كما أشار الشهيد الحسين المنوزي في برنامج “صوت التحرير”)، يبقى السؤال قائماً: إلى أي حد ستستطيع “أصولية الدولة” الصمود أمام إكراهات التحديث السلطوي، في ظل ارتباط الحكم المغربي بالسرديتين الدينية والأمنية معاً؟