الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

رؤية نحو المستقبل: كيف نبني عالمًا جديدًا؟

 

 

 

بقلم: ذة. نجاة زين الدين

 

 

إن التطلّع إلى مستقبلٍ أفضل يتطلّب منا إعادة تصوّر عميق للواقع الذي نعيشه اليوم.  فبعد التشخيص العميق للوضع الراهن ، نتوقف لنطرح سؤالًا أساسيًا: كيف نبني عالمًا جديدًا؟ عالم تتساوى فيه الفرص، و تتعزز فيه العدالة الاجتماعية، والحرية، والكرامة لجميع البشر، بغضّ النظر عن عرقهم أو دينهم أو موقعهم الجغرافي.

 

لقد حان الوقت لإطلاق حركة شاملة نحو التغيير الحقيقي، نعيد فيها ترتيب أولوياتنا بناءً على المبادئ الإنسانية، ونعيد هيكلة النظام العالمي ليخدم الشعوب لا النخب المسيطرة. في هذا المقال، سأستعرض الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتشكيل عالم أكثر عدالة، وسلامًا، واستدامة. ولعلّك، أيها القارئ، تشاركني الرأي، أو توافقني المقترح، أو تتقدّم بمقترحات أكثر فاعلية ونجاعة. فالمهم هو أن نخلق الفرق ونبادر بطرح حلول، لا أن نكتفي بالانتقاد والبكاء على الأطلال، أو بتجاهل وضع الحال باللامبالاة والاستهتار.

 

  1. العمل على إعادة توزيع القوة

 

في عالمنا المعاصر، نجد أن القوة تتراكم في يد قوى عظمى تهيمن على القرار السياسي، والاقتصادي، والعسكري، وتدير الأمور بأنانية تخدم مصالحها الضيقة، سواء في الاقتصاد العالمي أو السياسات الدولية المنتهجة. لذا، يجب العمل على إعادة توزيع القوة من جديد، بحيث يُمنح الحق للدول النامية وللشعوب المستضعفة بالمشاركة الفاعلة في صناعة القرار العالمي، بدل الاكتفاء بدور المتفرّج وقبول الاستلاب، والاستسلام، والخنوع الماجن في دور الفرجة المائعة و الإنبطاح المهين.

 

حيث يمكننا تحقيق ذلك من خلال:

  • تعزيز الديمقراطية داخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، بحيث يُمنح كل الأعضاء صلاحيات أكبر للمساءلة والمحاسبة، خاصة تجاه الظلم الاجتماعي والتفاوتات الاقتصادية التي تخدم لوبيات الإمبريالية المتوحشة.
  • إعادة بناء النظام السياسي الدولي ليعكس التعدّدية والشراكة الدولية، بدلًا من الهيمنة التي تمارسها دول أو تكتلات رأسمالية، لتصبح الدبلوماسية أداة لحل النزاعات بالحوار، لا عبر الحروب والتهديدات، التي زجت بالعالم إلى خندق التوجّسات المخيفة بسبب الضبابية التي تكتنف الآفاق المستقبلية باللاأمان وانعدام الاستقرار.
  • ضمان المشاركة الشعبية في صناعة القرار العالمي كحق مكفول لكل الشعوب بدون إستثناء، بحيث تكون أصوات هذه الأخيرة مسموعة في جميع أنحاء العالم، و ذلك من خلال آليات ديمقراطية حقيقية كالمؤتمرات الدولية، والاستفتاءات العالمية التي تجمع المجتمع المدني، والأكاديميين، والفاعلين السياسيين للعمل سويا من أجل تغيير النظام الدولي نحو نظام تتأنسن فيه القوانين و التوصيات، بدون إنحياز لأطراف على حساب أخرى.

 

  1. إعادة صياغة الاقتصاد العالمي: نحو نمو مستدام وعادل

 

إن الاقتصاد العالمي، كما نعرفه اليوم، يعاني من الإفراط في الاستهلاك، والاستغلال المجحف للموارد الطبيعية، في ظل التفاوتات الإقتصادية الهائلة بين الأغنياء والفقراء. ولهذا، من الضروري التوجه نحو نمو اقتصادي مستدام يركّز على الرفاه العام، بدل الربح القصير الأمد و المتبدد بفعل الإكراهات الخارجية و التحالفات اللوبية.

 

لذا تتطلب إعادة الهيكلة الاقتصادية ما يلي:

  • إصلاح السياسات الاقتصادية في الدول الكبرى من أجل خدمة العدالة الاجتماعية و تعزيز الاستدامة البيئية، مما يفرض على الدول الغنية تحمّل مسؤولياتها من خلال تقليص الانبعاثات، وتحسين السياسات الضريبية، ومكافحة التهرّب الضريبي والاحتكار، بدلًا من نظام الريع و التسيب الذي ترتع فيه لوبيات الفساد و المافيات الإقتصادية التي لم تكتفي بالإتجار في السلاح و المخدرات، بل حاولت غسل أموال إتجارها بعفونة دماء الأبرياء و أعضائهم المسروقة، بصناعات غدائية و تحويلية و صناعة السيارات.
  • الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل التعليم، والصحة، والبيئة، والبحث العلمي، وتشجيع التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة، قطاعات ستكون مفتاحا للإنتقال إلى إقتصاد مستدام يضمن فرص العمل و يعزز من التنمية البشرية بصورة فعلية و عملية  مما سيساهم في طرح حلول ميدانية بعيدا عن المعالجة المؤقتة و الترقيعية بتلك الحلول البائسة التي أصبحت مرفوضة، بسبب تركيزها على منطق الصدقات، مما ولد نمطا حياتيا إتكاليا مخيفا، سحقت فيه الكرامة الإنسانية، و تدهورت معه بواعث الأمل المشرفة الحقيقية. فخلقت بذلك أجيالا هشة البنيان إنتهازية الرؤية و إتكالية المسلك.
  • دعم الاقتصادات المحلية، خاصة في الدول النامية، عبر التمويل التشاركي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بحيث لا ينبغي أن تظل هذه الإقتصادات رهينة الديون الخارجية أو الإستثمارات الأجنبية التي لا تعود بالنفع على الشعوب بل تخدم فقط النخب السياسية المستفيدة منها.

 

  1. تعليم الأجيال القادمة: الحل الأنسب لتغيير طرق التفكير

 

التعليم هو الركيزة الأساسية لأي مشروع إصلاحي عالمي. فدون إصلاح النظام التعليمي، ستظل التحديات التي نواجهها اليوم قائمة بعللها وتناقضاتها. لذا، يجب أن يركّز التعليم على التفكير النقدي، والقيم الإنسانية، والإبداع. فالتعليم الذي يقتصر على التلقين يبقى أجوفا مبثور الأجزاء و عديم الجدوى، لأنه لا يخلق استقلالية فكرية ولا مشاركة فاعلة في المجتمع بإنتاجات هادفة و بناءة و مستشرفة لمستقبل أرقى و أحسن. 

 

ويشمل إصلاح التعليم:

  • تغيير المناهج الدراسية في العالم أجمع، لتعزيز الوعي الاجتماعي، والعدالة، والاستدامة، لذلك وجب التركيز على مناهج و برامج تضمن حلولا إبداعية لكل المشكلات التي يتخبط فيها العالم اليوم مثل: العدالة الإجتماعية، و التغير المناخي، و الفقر و التقهقر القيمي، و التمييع السلوكي و الجشع و الإستهتار و كل الإنحرافات المشينة التي تعصف بأجيالنا الصاعدة و التي تتربع مصيبة المخدرات بكل أشكالها على عرشها…
  • إنشاء منظمات تعليمية عالمية تضمن التعليم للجميع كحق وطني، سواء في الدول الغنية أو الفقيرة، دون إستثناء و لا تمييز، لهذا يجب أن تكون هناك شراكات عالمية لضمان تمويل التعليم العمومي في المناطق المحرومة و النائية لرد الإعتبار له.
  • تعليم الكبار أيضًا عبر الدورات التدريبية و الأوراش التعليمية، ليتمكن الجميع من مواكبة التطورات العلمية و التكنولوجية الحديثة.

  1. العدالة البيئية: من أجل الحفاظ على كوكب الأرض

 

ينبغي أن يشكل الاهتمام بالبيئة جزءًا أساسيًا من إصلاح النظام العالمي. فالكوكب في خطر حقيقي نتيجة الاستغلال المفرط للموارد، والتلوث، والاحتباس الحراري.

 

ولتحقيق العدالة البيئية يجب:

  • الحد من التلوث البيئي بتبني سياسات بيئية صارمة عالميًا، وتشجيع الطاقات المتجددة.
  • فرض تشريعات عالمية تُلزم الشركات الكبرى بتحمّل مسؤولياتها البيئية، بغية تحقيق التنمية المستدامة المرجوة.
  • توجيه الاستثمارات نحو الزراعة المستدامة، وإدارة المياه، وحماية التنوع البيولوجي، لتكون هذه المجالات محورية في كل مشروع اقتصادي وبيئي إصلاحي.

  1. الثقافة والتضامن العالمي: الوحدة في التنوع

 

في عالم اليوم، أصبحت الثقافة أداة للهيمنة السياسية الإستغلال الإقتصادي بدلًا من أن تكون أداة للتضامن و ليس للتمايز بين الشعوب. حيث يمكن بناء وحدة عالمية تحترم التنوع الثقافي إذا ركزنا على القيم الإنسانية المشتركة التي تجمع بين جميع الأديان، و الجنسيات، و الأعراق.

 

فتعزيز التضامن بين الشعوب يتطلب تفعيل المؤتمرات الدولية التي تجمع المثقفين، و الفنانين، و الناشطين و المفكرين من جميع أنحاء العالم، بهدف مناقشة التحديات المشتركة و إيجاد حلول جماعية عالمية، مع مراعاة الخصوصية التراثية و الثقافية لكل دولة على حدة.

 

كما يجب تشجيع ثقافة الحوار و التبادل الجاد و إحترام خصوصية الإنتماء بدلا من الصراع و السيطرة و البحث الدائم على تذويب الضعيف في قالب القوي في عصر العولمة المتوحشة، لذلك أصبح من الضروري أن نبحث عن حلول مشتركة تراعي التنوع الثقافي  و تحترم الكرامة الإنسانية لكل البشرية.

 

إن بناء عالم جديد يتطلب إعادة تقييم جذرية لأسس النظام العالمي، و وضع مبادئ العدالة، و المساواة، و الإستدامة في قلب السياسات الدولية. فهذا يتطلب إرادة جماعية، و شجاعة سياسية، و تضامن عالمي من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

 

و بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهنا، إلا أن التغيير ممكن إذا تضافرت جهودنا جميعا في سبيل بناء عالم أكثر عدلا، و أكثر سلاما، و أكثر إنسانية، نعم أكثر إنسانية.

 

 

 

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!