الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

حوار مع الكاتب محمد اكعبوني:

من قسوة الريف إلى رحابة الإبداع

 

 

أجرى الحوار  إلياس الخطابي ـ المغرب

 

 

 

  • مرحبا بك الكاتب محمد اكعبوني في هذا الحوار. قبل البدء في الحديث حول ما أبدعته من نصوص. نتوقف قليلا عند الطفولة التي تظل شيئا أساسيا للإنسان وخاصة الفنان، أو المبدع. أنت كيف عشت الطفولة، لا سيما وأنت ابن البادية، وابن الريف، ونحن نعرف أن التقاليد أن الطفل في الريف يعيش طفولة مأساوية بسبب العنف الذي يمارس عليه من طرف الأسرة، وكذلك في المؤسسات، المدرسة، وكذلك في [الكتاب أو المسيد] من طرف الفقيه ؟

 

– مرحبا الصديق العزيز إلياس، قبل كل شيء، شكرا جزيلا على هذه الدعوة المحفزة والمشجعة إلى هذا الحوار الممتع…

أما فيما يتعلق بالبداية أو بتعبير أدق الطفولة، كانت طفولتي في الريف، وهنا كلمة الريف تحتاج إلى توضيح، فالكلمة مشرقية تستعمل في بلدان الشرق لتدل على البوادي أو الأرياف،  ولا تعني نفس الشيء هنا في المغرب، فنحن نقصد بها شمال المغرب، وهذا الشمال يتكون من  مدن  وقرى وبوادي صغيرة، وأنا عشت في البادية، دوار صغير يعيش على الفلاحة والزراعة وقتها، وكانت طفولتي صعبة كتضاريس المنطقة، وكانت طفولة عنيفة نوعا ما، بداية من الأب المتسلط مرور بظروف الفقر والتهميش وصولا إلى بعض المعلمين في المدرسة-كنت ذكرت ذلك في إحدى القصص سابقا_ أما  في المسيد(الكتيب) بكل صراحة كانت لحظات ممتعة جدا، رفقة فقيه إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معان، وكان اسمه السي أحمد، نبيل وكريم وله أخلاق رفيعة، لم يكن يضربني مهما بلغت أخطاءنا وهفواتنا كان مسالما ومحبا، وبالإضافة أنه  كان يتقاسم معنا قوته الذي  كنا نسميه (النوبث) أي الطعام الذي يقدم له بشكل يومي من طرف الساكنة وبالتناوب…

تضاعفت المعاناة أكثر حينما انتقلت من المدرسة الإبتدائية المتواجدة في نفس الدوار إلى الإعدادية المتواجدة في  القرية الجماعية أجدير  التي تبعد بسبع كيلومترات عن الدوار، بالإضافة إلى غياب وسائل النقل لصعوبة الطريق الذي يمر وسط الوادي، كنا نقطعه راجلين، وتشتد المعاناة أكثر في فصل الشتاء، حيث المطر  الغزير، والصقيع والبرد القارس..

ساهمت هذه الظروف القاسية في تقوية شخصيتي وأرغمتني على مقاومة الطبيعية العنيفة في الريف، لقد كان أغلب الأطفال وبالأخص البنات ينقطعون عن الدراسة بمجرد نهاية مرحلة الإبتدائية، فلا أحد قادر على مجارة ذلك الوادي القاهر.

دفعتني هذه الظروف إلى تبني فكرة الإبداع وحمل القلم والورقة بدل المحراث والفأس اللذان كانا من نصيب أغلب شباب المنطقة.

وبعد مرحلة الإعدادية غادرت الدوار إلى مدينة تازة لأدرس الجدع المشترك، وبعدها إلى مدينة مكناس لأكمل باقية سنوات الدراسة ومراحلها، حتى حصلت على الإجازة في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس.

 

  • عشت قليلا في البادية ثم غادرت إلى مكناس وأنت في سن الخامسة عشر أو أقل بقليل. كيف كان أثر الهجرة عليك، خاصة وأن هجرتك أنت وعائلتك كانت كرها وليس حبا ؟. لأن الهجرة حينما لا تكون اختيارا تصير صعبة على النفس البشرية. حيث هذا المهاجر يظل معلقا بمسقط الرأس، ثم ما المكان الذي يسكنك، هل القرية أم أنه يسكنك المكان الجديد الذي تسكنه الآن ؟

 

لم تكن الهجرة مخطط لها أبدا، لكن والدي كان كثير التنقل، انتقلنا كثيرا داخل الدوار وحتى  خارجه، وعشت فترة قصيرة أيضا في تفرسيت وهي قرية كبيرة في إقليم الدريوش.. وكذلك عشت سنة كاملة في مدينة الناظور وهذه القصة لا يعرفها الكثير، بعد نهاية المرحلة الإعدادية، كنا ننتقل نحن الذكور تلقائيا من أجدير إلى أكنول من أجل متابعة الدراسة الثانوية، وأما الإناث ينتقلن مباشرة إلى تازة، في هذه الفترة بالضبط رفضت البرنامج الداخلي للداخلية، النوم باكرا، والدروس الإجبارية مساء، والنوم في غرفة واحدة مع أربعة أشخاص، الروائح الركيهة المنبعثة من المراحض، الإجبار على العديد  من الأمور والإلتزام بها، الطعام السيء، وأنا الذي ألفت الحرية المطلقة في الدوار. كل هذه الأمور جعلتني أغادر الداخلية والثانوية في الشهر الأول، عدت إلى المنزل، ولكن هددني والدي إن لم أعد إلى الدراسة سيطردني من المنزل. وذات صباح وجدت نفسي في مدينة الناظور، قضيت فيها سنة كاملة متنقلا بين عدة أعمال( المقاهي، المطاعم، التجارة…) حتى انتهت السنة عدة من جديد إلى المدرسة بالاستعطاف وفور قبوله انتقلت إلى مدينة تازة وبعدها مكناس.

أثر الهجرة كان قويا لاسيما في السنوات الأولى، لأني لم أستطع التأقلم نهائيا، لاسيما الهجرة كانت مرغمة من طرف والدي الذي لم يكن يفرض له أمر، كانت له السلطة الكاملة في اتخاذ القرارات حتى لو كانت نحو الجحيم…

ولكن كان لهذه الهجرة دورا مهما على الجانب الإبداعي، لأني تعرفت على أشخاص يقدرون الإبداع، وكذلك أكتسبت ثقافة جديدة، وانفتحت على  عقليات مختلفة…

عندي رواية وهي قيد الكتابة عنونتها بوجع الذاكرة، طرحت فيه هذا السؤال بالضبط، أي مكان يسكننا حيث بدأنا أم حيث نحن الآن؟ والجواب ليس بالأمر الهين أبدا، ففي كل الحياة هما معا جزءا من حياتنا، كوجهان للعملة الواحدة لا يمكن الاستغناء عن إحدى طرفيها.

 

وفي الأخير يظل الحنين إلى الأصل قائما دائما، فأرحل أينما شئت، و اعانق من النساء ما شئت لكن رائحة واحدة تزرع في قلبك الأمان والمحبة وهي رائحة أمك.

 

  • تابعت الدراسة في الجامعة بمكناس.. هل يمكن أن نقول أن المرحلة الجامعية هي التي من خلالها تكونت معرفيا ووجدانيا، أم أن صلتك بالكتاب، أو البحث عن المعرفة كان قديما ؟ 

 

-تابعت دراستي الجامعية بمدينة مكناس، جامعة مولاي اسماعيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بكل صدق، الجامعة كانت منعطفا مهما في حياتي وشخصيتي، بفضل هذه المرحلة بالضبط انكبت على القراءة والمطالعة، كنت أحيانا أبقى بالجوع لأشتري بثمن الأكل بعض الكتب التي كانت تباع  أمام الكلية، وفي هذه المرحلة أيضا اكتسبت وعيا معرفيا ونضجا ثقافيا.

في رأيي الجامعة مرحلة مهمة في حياة المبدع لأن الجامعة مرآة المجتمع، وصورة مصغرة لكل المجالات( السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية…)

 

  • كتبت في الشعر، وكذلك في الرواية والقصة. لك مجموعة قصصية معنونة ب[ العودة إلى القرية]. لو تحدثنا قليلا عن هذا العمل من أين أتت فكرته وتمخضت حتى اكتملت الفكرة وتمت كتابته.. هل العمل نوع من الحنين لقريتك، أم أنه نوع من النضال من أجل فك العزلة عن الإنسان القروي، الذي يعاني التهميش وما إليه ؟

 

-الرجل يتزوج لكي لا يموت، وأنا أقول المبدع يكتب لكي لا يموت، الفكرة الأولى التي دفعتني إلى كتابة هذه المجموعة القصصية، هي إحياء مرحلة أجيال من الأطفال الذين لم يسمع بهم أحد، بسبب التهميش والإقصاء، بالإضافة إلى لفت الانتباه إلى منطقة ساهمت بشكل كبير في تحرير البلد من الاستعمار، منقطة أعطت الشيء الكثير ولم تنل في المقابل إلا التهميش والعزلة والإقصاء…وكذلك كتبت بدافع الحنين إلى الطفولة والأحداث، وإلى كل من جمعتني بهم تلك الظروف القاهرة والصعبة.

 

  • لك روايتين. [غروب الشمس]، ثم مجاز ولكن..] هذه الرواية الأخيرة تكشف عن نفسها، أو موضوعها من خلال العنوان. أي هي رواية واقعية حول الشباب الموجزين وهم بدون عمل يموتون شيئا فشيئا. هذا الأمر الذي بكل تأكيد له أثر سلبي على النفوس الشابة التي تضيع بين الأزقة والشوارع. أنت حاولت في هذه الرواية تأريخ لظاهرة اجتماعية خطيرة. هل ترى مثلا أن الأدب قادر على أن يعالج مثل هذه القضايا المتعلقة بما هو اقتصادي وسياسي ؟

 

-نعم روايتان رأتا النور، والثالثة قيد الكتابة، مجاز ولكن… هي رواية اجتماعية وواقعية تتناول قصة طالب هجر من القرية إلى المدينة قصد متابعة دراسته الجامعية، ليفك العزلة على أسرته الفقيرة التي تركها خلفه، لكنه ينصدم بالواقع المر، وتنصهر أحلامه تبعا أمام الظروف الاجتماعية القاهرة، ويخضع لسلطة الواقع ويجد نفسه يحارب من أجل ألا يموت جوعا أويبيت في العراء بينما كان يحلم في انقاذ أسرته من الفقر المدقع…

الأدب حتى وإن لم يكن دواء فعالا لقضية معينة، فهو على الأقل يضع الأصبع على الجرح مباشرة بدون لف أو دوران.

 

  • في روايتك (غروب الشمس)، تبدو وكأنك متشائم جدا. لماذا مثلا [شروق الشمس]. هل أنت من العبثيين الذين لا يأملون شيئا في الحياة، ويعتقدون أن كل شيء لا معنى له في هذا الوجود والعالم بأسره؟

 

-في رواية غروب الشمس، والشمس المقصودة هنا، هي شمس الحب، تتناول الرواية قصة مراهقين وقعا في الحب وهما في القبيلة التي تحكمها قوانين وعادات تمنع هذا الأخير وتجرمه، وانتقلا فيما بعد إلى إكمال دراستهما في المدينة، وهنا بالضبط سيخضعان للتغيير الجدري في القناعات والرغابات والطموحات، الفتى يظل مخلصا للعهد بينما الفتاة تنصهر في عالم المدينة وتكبر طموحاتها التي تتجاوز قدرات الفتى.

وكيف للإنسان أن يتحول من المحافظ إلى إنسان متطاول وثائر على سطلة القبيلة…

وهناك نقطة مهمة هي  كيف تحول الحب من فكرة أفلاطونية خالصة، إلى  واقع مادي وموضوعي.

 

  • كتبت في الشعر أيضا، ولك ديوان شعري بعنوان [ أشعار تحت ضوء القمر]. هل الشعر ساعدك في الكتابة بالأجناس الأخرى؟.. ثم هناك آراء كثيرة تدعي أن الشعر يجب أن يعاش وليس كتابته فحسب. أنت كشاعر ولك تجربة في كتابته، وربما تقرأه باستمرار وتعشقه. هل ترى أن دوره في الواقع أقوى من أي جنس أدبي آخر؟

 

-نعم لي تجربة متواضعة في الشعر، وعلى فكرة كانت أول تجربة في مساري الإبداعي، أذكر قولة لأدونيس يقول فيها ” الشعر كالحب لا يمكن تحديده أو وصفه، لأننا إذا حددناه إنتهى” ولكن مهما كان حبنا لامرأة ما، لابد في وقت من الأوقات أن تأتين تلك الرغبة في امتلاكها والقبض عليها، لا يمكن للحب أن يظل فكرة فقط، وكذلك الشعر، عشته كثيرا وأنا طفل  ومراهق، عشته في تفاصيل القبيلة وفي آثر الفراشات البيضاء التي كنت أمسكها في حقلنا، وفي خرير المياه في الوادي الطويل بجوار منزلنا، عشته في أشجار الصفصاف العالية وأزهار. اللوز الفاتنة. وفي الثلج الذي كان يغطي كل شيء وينثر بياضه في كل ركن من أركان القبيلة… عشت في بلدة لا يمكن ألا تكون فيها شاعرا….وكلنا شعراء، والأمر يختلف في التعبير فقط، هناك من يعبر بالكلمات وهناك من يعبر بالصور وهناك من يعبر بالصمت…

 

  • أنت صانع محتوى أيضا. لك صفحة على الفيسبوك وتنحدث فيها حول أمور متعددة. حدثنا قليلا عن هذه التجربة، ثم أنت ككاتب يكتب الأدب ومثقف وما إليه، ثم يلج هذه المنصات. هل هو نوع من السبيل من أجل القطيعة مع المثقف القديم الملتزم ؟

 

-عندما قرأت عن المدارس الشعرية، وجدت أن المدرسة التقليدية التي تزعمها البارودي  انتهت سريعا لسبب واحد، هو أن الشعراء رفضوا الجديد، أو بتعبير أخر، ظلوا متمسكين بالقديم وهم في الحاضر، لا يمكن للإنسان أن يعيش بمعزل عن بيئته وواقعه المعاش… صانعة المحتوى جزء مهم من الحاضر، وسياهم بشكل فعال في انتشار وتوسع الأدب. يجب علينا أن نستغل  كل الأدوات المتاحة والأمكانيات الممكنة في تطوير  مواهبنا وإبداعاتنا…فكرة المثقف المستقيم أو القديم، تشبه من يريد السفر على الجمل في زمن الطائرة.

والمثقف  الحقيقي حسب أنطونيو غرامشي هو الذي ينخرط في القضايا الاجتماعية للمجتمع الذي يعيش فيه، وقد يكون هذا المثقف فلاحا أو طبيبا أو مهندسا، أو عاملا بسيطا…

 

  • الجميع يعرف أن صناع المحتوى في وسائل التواصل الإجتماعي في الغالب لا ينشرون سوى التفاهة، ويحاولون تكريسها، وذلك لأسباب كثيرة، من أجل الحصول على المال وجمع التفاعلات. أنت من الفئة القليلة التي تنشر معرفة مرحة، ومتعددة يمكن أن تنفع المجتمع. هل ما تقوم به يمكن اعتباره مصارعة مع التفاهة من أجل إسقاطها وإقبارها، أم أنك تقوم بعمل تحبه ولا يهمك ما يروج في التكنولوجيا؟

 

-لكي نكون صادقين، لا يمكن محاربة التفاهة أبدا، فهي كالنار ولا يمكن لنا السيطرة على النار بمزيد من البنزين، إنما ما يحارب التفاهة هو تركها وشأنها، فهي مهما طالت ستموت، تكون مرحلية فقط، وكلما أعرناها الاهتمام  تتضاعف حتى وإن كان هذا الاهتمام هو معارضا لها.

أنشر المحتوى الذي أشعر فيه بذاتي، وغالبا ما أتحدث عن المرأة ووضعها الصعب في بلادنا، وكيف تم تحويلها من ذات عاقلة إلى كائن يسمى بالعورة… كانت جدتي مناضلة ضد المستعمر وضد حتى السلطة الذكورية، علمتني كثيرا ومن بين ما علمتني هو إحترام المرأة ونصرتها.

 

  • هل ترى اليوم أن المثقف عليه أن يستغل هذه الوسائل [وسائل التواصل الإجتماعي] من أجل أن يقول كلمته لمخاطبة الجمهور ؟

 

-نعم وبشدة، عليه أن يستغلها كل الاستغلال.

الأفكار تصل بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولكل شرائح المجتمع، وإذا كان الكتب يقرأه مئة شخص فوسائل التواصل يستعملها  مليون شخص، هذا لا يعني أن نغفل الدور المهم للكتاب.

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!