تأثير التقنيات الرقمية على الحكامة الإلكترونية: تحليل شامل

عبدالله الساورة * كاتب مغربي

تعتبر الورقة البحثية “تأثير التقنيات الرقمية على الحكامة الإلكترونية: تحليل شامل”  للكاتب  (Dadabada Pradeep Kumar)، (دادابادا براديب كومار)  والمنشورة في  كتاب ” نقل ونشر وتبني تقنيات الجيل التالي الرقمية “* (2023) لمجموعة من المؤلفين سوجيت ك. شارما، يوغيش ك. دويفيدي، بيمارايا متري، بانيتا لال، أماني البنا،  (الصفحات367- 378 ) مرجعا مهما في فهم كيفية تحول التقنيات الرقمية  في مشهد الحكامة الإلكترونية. وتتناول المقالة المفاهيم الأساسية، وتدرس دراسات حالة واقعية، وتوضح الفوائد والتحديات المتمثلة في دمج التقنيات الرقمية في  أعمال الحكومة. ويبرز هذا التحليل الشامل كيف تعزز التقنيات الرقمية من الوصولية و الشفافية والكفاءة وتعالج بعمق مسألة الفجوة الرقمية ومخاوف خصوصية البيانات في أعمال الحكومة.

كتب الباحث (دادابادا براديب كومار)، العديد من الكتب والدراسات والمقالات حول الموضوع التقنيات الرقمية، وهو باحث ومؤلف معروف في مجال الحكامة الإلكترونية، مما ساهم بشكل كبير في الفهم الأكاديمي والعملي الحكامة الإلكترونية. عمله معترف به على نطاق واسع بتحليلاته العميقة وبرؤىته العملية.

يهدف الكاتب من خلال مقالته، تقديم تحليل شامل لتأثير التقنيات الرقمية على الحكامة الإلكترونية، ويسلط الضوء على فوائد وتحديات الحكامة الإلكترونية، ويقدم توصيات عملية لصناع السياسات والممارسين. ويسعى إلى توجيه الحكومات نحو مستقبل تكون فيه التكنولوجيا محفزًا للاستجابة والشمولية والكفاءة.

 مفهوم الحكامة الالكترونية  والفجوة الرقمية

تبدأ المقالة البحثية “تأثير التقنيات الرقمية على الحكامة الإلكترونية: تحليل شامل “، بتعريف مفهوم الحكامة الإلكترونية وأهميتها في المجتمع الحديث. وأن” الحكامة الإلكترونية ليست مجرد تكنولوجيا؛ إنها تغيير في الطريقة التي تتفاعل بها الحكومات مع المواطنين وتقديم الخدمات”. ويشير أن الحكامة الإلكترونية تعمل على استخدام الأدوات والمنصات الرقمية لتحسين التفاعلات بين الحكومة والمواطنين، وتسريع العمليات الإدارية، وتعزيز فعالية الحكومة، بهدف إلى تعزيز النظم الفعالية و الشفافة والشمولية والتجاوب الأمثل والضامن والدقيق من خلال التقنيات الرقمية. ويشير الكاتب إلى أن “النجاح في تبني الحكامة الإلكترونية يعتمد على تبني نهج شامل يستند إلى الشفافية والكفاءة والشمولية. إن تحقيق هذه المبادرات يتطلب التزامًا قويًا من الحكومات واستثمارات مستمرة في البنية التحتية الرقمية وبناء القدرات.”

 وتطرح المقالة إحدى القضايا الرئيسية ومسألة هي الفجوة الرقمية، وتشير أن الفجوة الرقمية بين الذين لديهم إمكانية وصول إلى التقنيات الرقمية والذين لا يملكونها،  وتعتبر أن “معالجة الفجوة الرقمية أمر أساسي لضمان استفادة جميع المواطنين من مزايا الحكامة الإلكترونية “. وهذا ما يؤدي  إلى هذه الفجوة من تفاوتات في المشاركة والاستفادة من مبادرات الحكامة الإلكترونية. ويجادل الكاتب بأن معالجة الفجوة الرقمية أمر ضروري لضمان استفادة جميع المواطنين من مزايا الحكامة الإلكترونية.

وتناقش المقالة قضية هامة أخرى هي خصوصية وأمان البيانات، وما يثير استخدامها على المنصات الرقمية من لدن الحكومة من مخاوف بشأن حماية المعلومات الحساسة وخطر الهجمات الإلكترونية والتحصل عليها. ويؤطرها الكاتب من باب أن “خصوصية وأمان البيانات هما من الشواغل الرئيسية في العصر الرقمي، ويجب اتخاذ تدابير قوية لحماية المعلومات الحساسة”.و يدعو الكاتب في هذا الصدد إلى اتخاذ تدابير قوية لحماية خصوصية البيانات وضمان أمان الأنظمة الرقمية.

فوائد الحكومة الإلكترونية

تنقسم المقالة إلى ستة محاور، يركز كل منها على جوانب مختلفة من الحكامة الإلكترونية. يوفر المحور الأول مقدمة عن الحكومة الإلكترونية وتطورها مع مرور الوقت. يناقش التحول من أساليب الحكومة التقليدية إلى الحكومة الرقمية والعوامل التي تدفع بها نحو التحول. ويعتقد أن “تعدد الشراكات بين القطاعين العام والخاص أساسية لتطوير وتنفيذ حلول حكامة رقمية فعالة ومستدامة “.

ويستعرض المحور الثاني مختلف التقنيات الرقمية المستخدمة في الحكامة الإلكترونية، مثل التطبيقات المحمولة و الذكاء الاصطناعي (AI) والبلوك تشين وإنترنت الأشياء (IoT). ويشرح الكاتب كيفية دمج هذه التقنيات في إطار الحكامة لتحسين تقديم الخدمات وإشراك المواطنين باعتبارها “من الضروري أن تكون السياسات المتعلقة بالحكامة الإلكترونية شاملة ومراعية لاحتياجات جميع المواطنين، بما في ذلك الفئات المحرومة.”

 ويستعرض المحور الثالث خمس دراسات حالة واقعية لتنفيذات ناجحة للحكامة الإلكترونية. وتسلط هذه الدراسات الضوء على فوائد وتحديات تبني التقنيات الرقمية في سياقات مختلفة. ويقدم الكاتب تحليلات مفصلة لكل دراسة حالة، مستخلصة دروسًا وأفضل الممارسات التي يمكن تطبيقها في مبادرات الحكامة الإلكترونية الأخرى.  وأن”التحول الرقمي في الحكامة يتطلب رؤية شاملة واستراتيجية واضحة تستند إلى احتياجات المواطنين والتحديات المجتمعية”. ويضيف أنه “قد تكون التقنيات الرقمية محفزًا للتغيير الإيجابي، ولكن يجب أن يتم تنفيذها بطريقة تضمن الإنصاف والشمولية لجميع أفراد المجتمع”.

ويتناول المحور الرابع فوائد الحكامة الإلكترونية، مثل زيادة الكفاءة والشفافية والمساءلة. ويعرف أن “الشفافية في الحكامة ليست مجرد عرض للمعلومات، بل هي القدرة على تفسير هذه المعلومات وتمكين المواطنين من المشاركة الفعالة في صنع القرار”. ويجادل الكاتب بأن التقنيات الرقمية يمكنها تبسيط العمليات الإدارية وتقليل التكاليف وتحسين جودة الخدمات العامة. بالإضافة إلى ذلك، تمكن الحكامة الإلكترونية من تعزيز الشفافية من خلال توفير الوصول الفوري إلى المعلومات وتمكين التتبع الأفضل للأنشطة الحكومية باعتبار “التقنيات الرقمية ليست مجرد أدوات لتحسين الكفاءة، بل هي وسيلة لتمكين المواطنين وتعزيز الشفافية والمساءلة في الحكامة”. وتضيف أن”التحول الرقمي في الحكامة يتطلب رؤية شاملة واستراتيجية واضحة تستند إلى احتياجات المواطنين والتحديات المجتمعية”.

ويعالج المحور الخامس التحديات والعقبات أمام الحكامة الإلكترونية و تشمل هذه التحديات التقنية، مقاومة التغيير وضرورة بناء القدرات. وتعتبر أن “التحديات التقنية مثل مقاومة التغيير ونقص القدرات يجب معالجتها من خلال التعليم والتدريب المستمر لتجهيز المسؤولين بالمهارات اللازمة للتكيف مع البيئة الرقمية “.ويؤكد الكاتب  على أهمية معالجة هذه التحديات لضمان نجاح تنفيذ مبادرات الحكامة الإلكترونية.

 ويناقش المحورالسادس مسارات المستقبل الحكامة الإلكترونية، و يقصى الكاتب الاتجاهات والتقنيات الناشئة التي من المرجح أن تشكل مستقبل الحكامة الإلكترونية. وأن ” تشكل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة لتحليل المعلومات واتخاذ قرارات مبنية على الأدلة، مما يسهم في تحسين جودة الخدمات العامة “. كما تقدم توصيات لصناع السياسات العمومية والممارسين حول كيفية استغلال التقنيات الرقمية لإنشاء نظم الحكومة أكثر تجاوبًا وشمولية.

دراسة حالة :

أحد المحاور الأكثر أهمية في الكتاب هو الفصل الثالث، يتناول دراسة الحالة الواقعية لتطبيقات الحكامة الإلكترونية الناجحة. ويوفر هذا المحور رؤى قيمة حول التطبيقات العملية للحكامة الإلكترونية والعوامل التي تساهم في نجاحها. وتقدم التحليلات المفصلة لكل دراسة حالة ثروة من المعرفة لأي شخص مهتم بتنفيذ مبادرات الحكامة حكومة الإلكترونية. وحسب الكاتب أن ” الحكامة الإلكترونية تتطلب التفكير في إعادة تصميم العمليات الإدارية بما يتناسب مع الأدوات الرقمية لتحسين كفاءة الخدمات العامة”.

في هذا المحور، يستعرض الكاتب خمسة أمثلة عملية من مختلف دول العالم، وتوضح كيف أسهمت التقنيات الرقمية في تحسين الحكامة وتعزيز الشفافية والكفاءة. من خلال هذه دراسة هذه الحالات يقدم الكاتب تحليلًا عميقًا للفوائد والتحديات المرتبطة بتبني الحكامة الإلكترونية، مستخلصا دروسًا قيمة يمكن تطبيقها في سياقات مختلفة. وأن تتطلب ” الحكامة الإلكترونية التفكير في إعادة تصميم العمليات الإدارية بما يتناسب مع الأدوات الرقمية لتحسين كفاءة الخدمات العامة”.

إحدى دراسات الحالة التي تناولها الكاتب هي تجربة إستونيا في مجال الحكامة الإلكترونية،حيث يستعرض الكاتب كيف نجحت إستونيا في بناء بنية تحتية رقمية قوية أسهمت في تحسين تقديم الخدمات العامة وتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين. وتشير سميث إلى أن “الشفافية والكفاءة في النظام الرقمي الإستوني قد أدهشت العالم وأسهمت في تحقيق تحول جذري في كيفية تفاعل الحكومة مع مواطنيها.”

تناول الكاتب دراسة حالة أخرى، وهي تجربة كوريا الجنوبية في مجال المشتريات الإلكترونية. ويوضح الكاتبة كيف أن نظام (كونبيس)،(KONEPS)في كوريا الجنوبية أسهم في تبسيط عمليات المشتريات وتعزيز الشفافية والمنافسة. وحسب آنا سميث “لقد أثبت نظام KONEPS في كوريا الجنوبية كيف يمكن للتقنيات الرقمية أن تسهم في تحقيق تحسينات كبيرة في الكفاءة والشفافية، مما يعزز من ثقة المواطنين في النظام الحكومي”.

كما تناول الكاتب تجربة الهند في تطبيق نظام”آدهار” ، (Aadhar) للتعريف الشخصي. يستعرض الكاتب كيف أسهم نظام (Aadhar) في تحسين تقديم الخدمات الاجتماعية وتقليل الفساد من خلال توفير هوية رقمية موثوقة للمواطنين. يشير الكاتب إلى أن ” يمثل نظام (Aadhar) في الهند مثالًا بارزًا على كيفية استخدام التقنيات الرقمية لتحقيق الشمولية والشفافية في تقديم الخدمات العامة.” و نظام “آدهار” (Aadhar) في الهند هو نظام هوية بيومترية تم تطويره من قبل هيئة الهوية الفريدة للهند (UIDAI). ويهدف هذا النظام إلى توفير هوية فريدة لكل مقيم في الهند من خلال إصدار رقم تعريف مكون من 12 خانة. ويتم الحصول على هذا الرقم بناءً على بيانات بيومترية مثل بصمات الأصابع و مسح قزحية العين وصورة الوجه بالإضافة إلى معلومات شخصية حساسة.

بالإضافة إلى ذلك، استعرض الكاتب تجربة المملكة المتحدة في تطبيق نظام البيانات المفتوحة. ويوضح الكاتب كيف أسهم نظام البيانات المفتوحة في تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال توفير الوصول الفوري إلى المعلومات العامة.وحسب الكاتب فنظام “البيانات المفتوحة في المملكة المتحدة قد مكنت المواطنين من المشاركة الفعالة في صنع القرار ومساءلة الحكومة، مما يعزز من الثقة والشفافية في النظام الحكومي.”

أخيرًا، تناول الكاتب تجربة الولايات المتحدة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الحكومية. يستعرض الكاتب كيف أسهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين اتخاذ القرار وتقديم الخدمات العامة.  فنظام”تقنيات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة قد أسهمت في تحقيق تحسينات كبيرة في الكفاءة ودقة اتخاذ القرار، مما يعزز من جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.”

تقدم  دراسة هذه الحالات صورة شاملة للفوائد والتحديات المرتبطة بتبني الحكامة الإلكترونية. ومن خلال استعراض هذه الأمثلة، يسلط الكاتب الضوء على العوامل الرئيسية التي تسهم في نجاح هذه المبادرات، مثل البنية التحتية الرقمية القوية، والدعم السياسي، والتزام الحكومة بالشفافية والمساءلة.

بصفة عامة، يوفر المحور الثالث من مقالة (دادابادا براديب كومار) رؤى قيمة حول التطبيقات العملية للحكامة الإلكترونية. وأن”التعلم المستمر والتكيف مع التقنيات الجديدة ضروري لضمان نجاح مبادرات الحكامة الإلكترونية واستدامتها “. ومن خلال تحليل دراسات هذه الحالات، يقدم الكاتب دروسًا قيمة عن الممارسات التي يمكن أن تساعد في توجيه الحكومات نحو تحقيق نجاح مستدام في تطبيق الحكامة الإلكترونية وعلى الرؤى العميقة والأفكار الرئيسية التي يمكن أن توجه الحكومات نحو تحقيق التحول الرقمي بنجاح. وأن “نجاح تنفيذ الحكامة الإلكترونية يتطلب حلولًا تقنية بالإضافة إلى بناء القدرات وإدارة التغيير”.

      يعد تأثير التقنيات الرقمية على الحكامة الإلكترونية، قراءة أساسية لأي شخص مهتم بفهم التأثير التحولي للتقنيات الرقمية على أعمال الحكومات. وتقدم المقالة نظرة عامة شاملة على القضايا الرئيسية و الفوائد والتحديات في الحكامة الإلكترونية، مدعومة بدراسات حالة واقعية وتوصيات عملية، إنه مورد أساسي قيم لصناع السياسات العمومية والممارسين، والباحثين على حد سواء.

” Transfer, Diffusion and Adoption of Next-Generation Digital Technologies “*

By Sujeet K. Sharma, Yogesh K. Dwivedi, Bhimaraya Metri, Banita Lal, Amany Elbanna /2023

The Impact of Digital Technologies on E-Governance: A Comprehensive ” Analysis” by Dadabada Pradeep Kumar

* نشرت هذه الورقة البحثية في المؤتمر الدولي (TDIT)( Transfer and Diffusion of IT) والذي عقد في ناجبور، بالهند، في الفترة من 15 إلى 16 ديسمبر 2023.