الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

“على عتبة المغرب الحديث” للطبيب الفرنسي فريدريك وايس غربر Frederic Weisgerber

 

 

ذ. علال بنور/المغرب 

 

 

عرف مغرب القرن التاسع عشر كتابات أجنبية، توزعت بين التاريخية والجغرافية والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا ورحلات وصفية وتقارير سياسية وعسكرية وصحفية. وفي هذا الصدد قسم الفقيد الأستاذ إبراهيم بوطالب التأليف التاريخي الاستعماري إلى ثلاث مراحل:

 

-المرحلة الأولى ما بين 1830- 1880، اتسمت باستكشاف النظم الاجتماعية والسياسية، هيمنت فيها كتابات ضباط الاستخبارات.

 

-المرحلة الثانية ما بين 1880- 1912، تميزت الكتابات في أغلبها بالطابع الاستخباراتي، وضعت لها أهداف تخص دراسة مسحية لكل جغرافية المغرب بشكل دقيق.

 

-المرحلة الثالثة ما بين 1912- 1955، فيها اتجه البحث نحو قطاع وظيفي، منظم مؤسساتيا لتبرير مشروعية الاستعمار، بمعنى ربط السلطة بالمعرفة.

 

في ظل هذا التقسيم، اختلفت الممارسة الكتابية حول المغرب بين التخصص بدافع معرفي وتقارير بدوافع سياسية محض، كتبوا عن تاريخ المغرب ليبينوا للرأي العام الدولي والفرنسي خاصة، أن المغرب بلد متخلف يحتاج لإصلاح وضعه الداخلي. زعموا أنه غارق في الفوضى والتمردات أفقيا وعموديا ضد السلطة المركزية، ومن أجل الكشف عن مواطن الضعف التي تمهد الطريق للاستيلاء عليه أو لتبرير احتلاله. لذلك يندرج – كتاب ” على عتبة المغرب الحديث” لمؤلفه الطبيب الفرنسي Frederic Weis gerber، الصادر سنة 1947 في طبعته الأولى بالرباط – ضمن هذا التصور، الذي يدخل في إطار نوع الكتابات التقريرية التي تناولت وضعية المغرب أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين (1895 / 1912 م).

 

– تقديم ووصف محتويات الكتاب الذي اعتمدناه في صيغته الفرنسية:

 

يحتوي الكتاب على ثلاثة أجزاء، كل جزء ينقسم إلى الفصول.

 

– الجزء الأول تحت عنوان “احتضار النظام القديم” يضم ثمانية فصول، يتناولها بوصف الأوضاع العامة بالمغرب، منطلقا من مدينة الدار البيضاء التي اعتبرها مدينة عصرية. كما تحدث عن البنية الإدارية التي تتداخل فيها السلطات مع سيادة ظاهرة الارتشاء، وبذلك عمم الوضعية على كل المغرب، الذي قسمه إلى بلاد المخزن حيث سيادة سلطة السلطان، وبلاد السيبة حيث الفوضى. أما من حيث التركيبة الاجتماعية، فإنه ركز على ما سماه بالمعاملة اللاإنسانية، بانتشار أسواق النخاسة.

 

تحدث عن “المحلة السلطانية ” في زمن السلطان عبد العزيز، التي كانت تقوم بردع القبائل، مقدما لها وصفا دقيقا، مشيرا فيه إلى التعريف بحاشية السلطان، مركزا على الحاجب (أحمد بن موسى) وعلاقة المخزن بالشعب ثم علاقة السلطان بالجيش، الذي يحتاج إلى إصلاحات، والتي تستدعي تدخل فرنسا لإعادة بنائه. كما لفت انتباهه إلى المعاملة السيئة التي يعامل بها الأسرى الذين يساقون مسلسلين تحت سياط الحراس. ختم الجزء الأول بالقول: لا زال المغرب مجهولا رغم ما قدمته الكتابات الأجنبية من معطيات حوله، ويضيف، أن المغرب لا يتوافر على معالم مدنية وبنية تحتية، كما أن المغاربة لا يحسنون التعامل مع المسيحيين. ويختم كلامه بنعت المغاربة، بأقبح الصفات.

 

– الجزء الثاني تحت عنوان “من الغروب الى الفجر”، يضم عشرة فصول، تغطي فترة حكم الحاجب (أحمد بن موسى) من سنة 1900 إلى فترة توقيع الحماية سنة 1912. يعتبر الكاتب، أن هذه الفترة تشكل مرحلة انتقالية ما بين احتضار المغرب وبداية تقدمه مع فترة الحماية، تميز فيها الوضع العام، بالفتن وتعدد حركات التمرد، خاصة مع ثورة الجيلالي الزرهون المعروف ب(بوحمارة) وثورة (الريسوني) ثم ثورات إخوة السلطان عبد العزيز، خاصة ثورة المولى عبد الحفيظ، الذي سينجح في الوصول إلى السلطة بعد مؤتمر الخزيرات سنة 1906.  في ظل الصراع حول الحكم وتعدد الثورات، أفرغ بيت المال لأسباب منها: عدم استقرار النظام الضرائبي وسوء التدبير المالي، الذي فتح الباب للمعاهدات الدولية لمنح القروض، للإصلاحات التي انفردت بها فرنسا.

 

تطرق الكاتب إلى الاكتساح، الذي قامت به قوات الاحتلال للشاوية والردود العنيفة التي قادها الشاويون. ثم انتقل للحديث عن الإصلاحات، مبالغا في وصفها. حيث أكد، أن المغاربة استحسنون الإصلاحات في تعاطف مع المعمرين. ثم انتقل للحديث عن الصراع الداخلي بين الأخوين عبد العزيز وعبد الحفيظ، الذي انتهى بتولي هذا الأخير السلطة. كما أنهى هذا الفصل بالحديث عن ذكرياته الشخصية، كمراسل لجريدة Le Temps   وطبيب ومستكشف جغرافي.

 

-الجزء الثالث تحت عنوان “فجر الحماية”، يحتوي هذا الجزء على ستة فصول، تغطي الفترة الممتدة من التوسع العسكري الذي انطلق من الدار البيضاء ووجدة في نفس الزمن التاريخي إلى توقيع الحماية 1912  حققت فرنسا في هذه الفترة، إنجازات عسكرية وإدارية، تم فيها إخماد الانتفاضات والفتن ببلاد السيبة، منها ثورة (أحمد الهيبة) وثورة القائد (عيسى بن عمر العبدي)، بفضل حكمة الجنرال ليوطي، الذي يعتبره الكاتب، صاحب تنفيذ مشروع الاحتلال، بمساعدة بعض القواد الكبار ومساندة أصدقائه من المغاربة، الذين كانوا يزودونه بأخبار تحركات القبائل، وفي ختام هذا الجزء ينوه بشخصية الجنرال ليوطي.

 

– قراءة وتحليل للمؤلف:

 

اعتمد الكاتب في انجاز مؤلفه على عدة مصادر في استقصاء الخبر منها: تدوين المعاينة والرواية الشفاهية وأخبار الصحف واحتكاكه بالسكان بحكم مهمته كطبيب، واهتمامه بتسجيل معاينته المباشرة لما يجري من أحداث عن قرب. نظرا لقربه من المخزن، رصد عناصر القوة والضعف في بنيته التي استرعت انتباهه، فقدم لها وصفا دقيقا. تطرق إلى عزلة السلطان عبد العزيز في القصر، في حين أن تسيير دواليب المخزن، كانت بيد الحاجب (أحمد بن موسى)، الذي كان حازما ومتتبعا لدقائق الأشياء، يراقب مهام الموظفين الكبار الحاضرين دوما في المحلات. مؤكدا أن الحاجب لم يكن يتمتع بأي قسط من الراحة، رغم أنه كان يعاني من التهاب الكلية.

 

كان الكاتب يدون بانتظام مقالات لجريدة Le Temps، باعتباره مراسلا لها بالمغرب. تضمنت المقالات التي هي في الأصل تقارير، معطيات مفصلة عن المغرب من داخل الإدارة والجيش والقبائل، ومعطيات تخص الأوربيين المتواجدين بالمغرب، خاصة الفرنسيين. كما تضمنت التقارير، معطيات جغرافية، اعتمادا على تنقلاته عبر جهات المغرب، من مدن وجبال وسهول. فكان احتكاكه بالسكان من خلال تنقلاته كطبيب، سمحت له بجمع معطيات اثنولوجيا وسوسيولوجيا وجغرافية، خاصة المسالك والطرق. فركز اهتمامه مجاليا على المناطق المجهولة للأوربيين، موضحا أن الرابط بينها، عبارة عن مسالك غير معبدة، مع انعدام القناطر، باستثناء وجود ثلاث منها، على كل من وادي سبو ووادي أم الربيع بقصبة تادلة ووادي تانسيفت قرب مراكش. كان من نتائج جولاته الجغرافية، إنجاز خرائط قدمها خدمة للجيش الفرنسي المستعد لعملية الاحتلال.

 

من خلال نشاطه السياسي، كان من مهامه تقديم خدمات للرأي الفرنسي وساسته، للاهتمام بالمشروع الاستعماري للمغرب. ومن أجل ذلك، سخر كل إمكانياته لتسهيل عملية الاستعمار في ظروف سلسة وفي نفس الوقت لمواجهة كل معارضة من جانب الحزب الشيوعي الفرنسي، كما كان من المفاوضين الكبار، عندما كلفه الجنرال ليوطي ليفاوض مع القائد (عيسى بن عمر العبدي).

 

في جمعه للأخبار، اعتمد كذلك، على المقالات والدراسات التي أنجزها الأجانب بمختلف تخصصاتهم حول المغرب، كما اعتمد على ما تنشره الصحف الفرنسية من أخبار عن المغرب، التي اهتمت كثيرا بالمسالة المغربية من قبيل La Dépêche – La vigie marocaine وغيرها من الصحف. اعتمد في الرواية الشفاهية لجمع المعلومة عن أصدقائه من المغاربة، كالمخبرين والقواد وتصريحات المخزن والديبلوماسية الأجنبية بالمغرب. ومن التصريحات التي وردت في الكتاب، تصريح السلطان عبد الحفيظ يقول: «يمكنكم أن تقولوا لقراء Le Temps   بأنني اعترف بالجميل للحكومة الفرنسية وللمقيم العام، على ما قاموا به من أجلي ومن أجل بلدي … فبدون المساعدة الفرنسية كان المغرب قد ضاع” ص:302.

 

حقيقة، يصعب تصنيف الكاتب ضمن تخصص معين، لأن المهم عنده، أن يقدم للحكومة الفرنسية مساهمة في تسهيل مشروع الاحتلال. وللعودة إلى تصنيف الكاتب، يمكن أن نضعه ضمن المجموعة السوسيولوجيا الاستعمارية الذين اعتمدوا على الأبحاث الميدانية، بخلفية أيديولوجية توجه منهجية البحث.  ركز الكاتب، عند تحليله للأوضاع العامة بالمغرب على ثلاث وضعيات: الوضعية الإدارية /السياسية والوضعية العسكرية والوضعية الاقتصادية / الاجتماعية.

 

-الوضعية الأولى: يكشف عن التركيبة المخزنية المركزية المكونة من عدة أجهزة اثناء حكم السلطان عبد العزيز، تحدث عن الحاجب (أحمد بنموسى) ووصايته على السلطان عبد العزيز، كما تحدث عن تصفياته لأعدائه بالقتل والسجن وإبعاد البعض منهم عن الوظيفة المخزنية، بل جردهم من ممتلكاتهم. في المقابل أسند الوظائف المخزنية العليا لمقربيه، كما أعطى وصفا للحاجب بقامته القصيرة وبشرته السوداء وجهله لأوربا. كان الكاتب يعرف بشكل دقيق القبائل المغربية والزوايا.

 

ورد في متن الكتاب، أن السلطان عبد العزيز، كان مبعدا عن ممارسة السلطة في عزلة مع الخليلات بعيدا عما يجري من أحداث داخلية وخارجية. عند وصول السلطان عبد الحفيظ إلى الحكم، يقر الكاتب أنه كان يقدم النصح للسلطان لكي يحسن من معاملته عند استقبال الديبلوماسية الأجنبية بالمغرب.

 

لم يخرج الكاتب عن سابقيه في طرح فكرة تقسيم المغرب إلى بلاد السيبة وبلاد المخزن، الذي أقره الجنرال ليوطي والذي بدوره استمده من الدراسات السوسيولوجيا السابقة عن فترة الحماية. اعتبر امتداد مجال قبائل المخزن، على ربع مساحة المغرب التي يسكنها نصف سكانه، على رأس كل قبيلة قائد مخزني شغله الشاغل هو ابتزاز السكان، بتحصيل الضرائب وجمع الهدايا والمصادرة لبعثها إلى السلطان.

 

وفي حديثه عن قبائل السيبة، حدد عدة عناصر تميزها عن قبائل المخزن منها: الاعتراف فقط بالسلطة الدينية للسلطان – تعتمد في التنظيم الداخلي على قانون عرفي – تعيش حالة صراع بين فروعها القبلية، وأحيانا أخرى الصراع مع الزوايا – اعتبر قبائل السيبة وقبائل الأمازيغ يتساويان في اسلامهم السطحي- في المناسبات الدينية تتسابق قبائل السيبة في تقديم الهدايا للسلطان تبركا منه، وفي حروبه ضد القبائل تقدم له الدعم. كما يقر الكاتب أن المغرب لم يعرف دولة مركزية بالمعنى الأوربي.

 

-الوضعية الثانية المتعلقة بالجانب العسكري المخزي، أعطاه الكاتب أهمية قصوى في مؤلفه، لغاية تهيئ المشروع الاستعماري، موضحا نقط الضعف والقوة في التركيبة العسكرية المخزنية، ونظرا لأهميته، أفرد له فصلا في مؤلفه تحت عنوان “الجيش الشريف”. ميز فيه بين جيش الكيش والعسكر المخزني على مستوى الوظيفة والامتياز والانتماء القبلي. معتبرا أن وظيفة الجيش أداة لإخماد الثورات وحماية النظام وجمع الضرائب. ويشير الكاتب، أن القوة العسكرية، تتحول أثناء السلم والاستقرار إلى أداة نهب وسرقة، يسلبون القوافل ويتاجرون في النساء والأطفال في أسواق النخاسة. كما سمحت له معاينة وضعية الجيش، بتسجيل نقط ضعفه التي قدمها لوزارة الحربية الفرنسية ومن هذه النقط: عدم الانسجام وسيادة التعصب بين عناصره – تضارب المصالح – التنافس حول القيادة – عدد المتطوعين يفوق عدد النظاميين – سيادة طابع الأمية والتخلف – عدم وجود قيادة واحد موحدة. من خلال هذه الوضعية، أسدى المؤلف خدمة للمخابرات العسكرية الفرنسية قبل الإقدام المباشر على احتلال المغرب، وفي مستوى آخر نجد المؤلف، ينقص من دور الحرف، مانحا أهمية للتجارة الأوربية بالمدن المغربية، وفي نفس المحور، قدم معطيات متحدثا فيها عن ضعف ميزانية المخزن التي تفسر بكثرة القروض من أوربا.

 

– الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، اختزل الكاتب، الأزمة المالية في أزمة الضرائب التي تنوعت بين الدينية وغير الدينية، التي يسميها ب “اللاشعبية”، معتبرا أياها، تتميز بالقسوة والمغالاة في واجبها، بالرغم من الإصلاحات التي تعرضت لها، فإنها بقيت في خدمة المخزن، تجاوزا للمشاكل، جمعت الضرائب في ضريبة واحدة عرفت بضريبة “الترتيب “، غير أن الكاتب لم يعر اهتماما قويا لهذا الموضوع، باعتبار، أن سياسة القروض لها علاقة بفرض الضرائب المخزنية على الشعب. كما تجاهل الكاتب قضية تهريب العملات الذهبية إلى فرنسا، وفرض تعويضات على المخزن عند اعتداء القبائل على الأجانب.

 

ساهمت سياسة القروض والضرائب في توتر العلاقات بين المخزن والقبائل، ومن جهة أخرى قوت روابط العلاقات سياسيا وتنظيميا بين المغرب وفرنسا خاصة. لذلك أغرقت أوربا المغرب بالقروض خاصة من فرنسا وانجلترا. في سنة 1903 أقرضت فرنسا المغرب 8,7 مليون فرنكا فرنسيا، وفي نفس السنة اقرضته اسبانا 8,7 مليون دورو. أما سنة 1910، توصل المغرب في عهد السلطان عبد الحفيظ بقرض من فرنسا بقيمة 163 مليون فرنكا فرنسيا. وهكذا توالت القروض على المغرب بهدف تقييده لإخضاعه للسياسة الإمبريالية. كانت الدول الأوربية المانحة للقروض، خاصة فرنسا وانجلترا واسبانيا تسعى من وراء ذلك، إلى ارتفاع قوة استغلال المغرب لخيراته، وفي نفس الوقت، كانت القروض الأوربية تمنح بفوائد وتؤخذ أخرى لتسديد الفوائد السابقة.  مثلا منحت فرنسا للمخزن ما بين 1905/1906 قرضا لشراء الأسلحة من الشركة الفرنسية Cruz.

 

أما على المستوى الاجتماعي، ربطه الكاتب بالوضع السياسي المهلهل. ولم يخرج عن قاعدة ما قدمته الكتابات الاستعمارية السابقة عن العلاقة المتوترة بين السكان والسلطة المخزنية، ناعتا السكان الأمازيغ بالجبليين الريفيين، معتمدا في تقسيمهم على المجال الجبلي، واصفا إياهم بثقافة المحافظة، معتبرا أنهم يرفضون الاندماج مع العرب، كما كانوا يرفضون سلطة وإدارة المخزن، معترفين فقط بسلطة السلطان الروحية، كما هو الشأن بالنسبة لقبائل السيبة. أما العرب فقدمهم على أساس أحفاد العرب الوافدين إلى المغرب، منذ عهد الغزوات الإسلامية (كذا). انتشروا بالسهول معتبرا الفتح غزوا، وتلك هي الرؤية التي دافعت عنها الكتابات الاستعمارية.

 

قسم اليهود الوافدون على المغرب إلى قسمين: يهود مشارقة ويهود اندلسيون، حافظوا على هويتهم. واصفا إياهم، يعيشون في عزلة وتضامن بينهم في أحياء تدعى (ملاحات) وسط الأزبال والروائح الكريهة، منها تنطلق الأمراض والأوبئة، كالطاعون والكوليرا والتيفوس والجذري. يشتغلون بالأنشطة النظيفة المقبولة اجتماعيا، ويتعرضون لمضايقات من طرف السكان خاصة الأطفال، كان لبعضهم مكانة اجتماعية بمقربهم من السلطة.

 

تحدث عن الزنوج بالمدن، كعمال في البيوت عند أكابر العائلات، كما تحدث عن أسواق النخاسة، غير أنه لم يستفض في الكلام عنها كثيرا، ثم انتقل للحديث عن التركيبة الاجتماعية بالمدن التي قسمها إلى ثلاث طبقات (كذا)، الطبقة الأرستوقراطية المحلية، تعيش حياة استعلاء في التعامل مع الأوربيين، لكنها بدت للكاتب، أنها مهيأة للتعامل معهم، خاصة المستقرين بالمدن. أما الطبقة الثانية، وهي البورجوازية الصاعدة، ارتبطت مصالحها بمصالح الأوربيين أكثرمن الطبقة الأولى، باعتبارها أكثر انفتاحا من الأرستوقراطية. أما الطبقة الثالث، فسماها بالبروليتارية، تتكون من المهاجرين من سكان الجبال والسهول تحت ضغط وتعسفات القواد وعامل الفقر، وهي طبقة تسعى في أمل التغيير من وضعيتها الاجتماعية. كما أهتم الكاتب بوصف سلوكيات السكان فيما بينهم ومع الآخر، بسيادة ظاهرة الرشاوى ومضايقة المغاربة للأجانب بالشتم والبزق، القائمة على الإهانة، بعدة مدن منها: أزمور وسلا وآسفي. كما أعطى الكاتب إشارات في كيفية استقبال الأوربيين وبطريقة مختلفة بين بلاد المخزن وبلاد السيبة، ففي هذه الأخيرة، كان الأوربيون يتعرضون لعمليات السرقة والإهانة والقتل.

 

عموما، يغلب على المؤلف طابع السرد والوصف، يبدو من خلال التمعن في مضامينه، كان موجها بخلفية أيديولوجية، تحتوي على (الرسالة الحضارية للإمبريالية نحو العالم المتخلف) (وحاملا لرسالة الرجل الأبيض). ومع ذلك، بغض النظر عن كون كتاب “على عتبة المغرب الحديث” يندرج ضمن الكتابات الاستعمارية، فإنه غني بالأحداث والوقائع والمعطيات، لا يمكن بأي حال من الأحوال نكرانها، كما أننا لا نعتبره مصنفا تاريخيا بقدر ما هو عمل إخباري وتقارير صحفية. بالرغم من أن الكاتب وظف بعض عناصر من المنهج التاريخي، خاصة على مستوى التوثيق في تنوع مصادره، يبقى هذا العمل، له أهميته للباحث التاريخي والقارئ المهتم، نظرا لأسلوبه البسيط في تناول الاخبار بطابعها السردي والوصفي. وفي مستوى آخر، كان الكاتب مؤطرا بخلفية أيديولوجية أثرت سلبا على عمله، مما جعله يسقط في تناقضات، نظرا لطابع الذاتية وغياب الرؤية العلمية. كما غاب عن الكتاب الفكر النقدي للمعطيات، ومن الطبيعي أن يكون كذلك، لأن الكاتب يصنف ضمن (البعثات العلمية الفرنسية بالمغرب) الذين سخرتهم الحكومة الفرنسية آنذاك لتسهيل عملية الغزو الاستعماري بطرق سلسة.  ويظهر في إحدى فقرات الكتاب، أنه مدافع عن الشعب المغربي، متمنيا له ولبلده عدالة ومستوى عيش رفيع وحرية في ظل الوجود الفرنسي بالمغرب.

 

كيفما كان الحال، يمكن أن نعتبر الكتاب وثيقة ترصد جزءا من تاريخ المغرب، مثله مثل الدراسات التي انجزتها البعثات العلمية الفرنسية، من قادة الجيش والسياسيون ورجال دين باستثناء المتخصصون. لذلك في اعتقادي، لا يمكن إدراج هذا المؤلف ضمن الدراسات الاستعمارية المتخصصة، فإذا كان الكتاب قد غطى مرحلة ما بين 1895 / 1912 أي المرحلة العزيزية والحفيظية، وهي مرحلة الصراعات حول السلطة، ينبغي التعامل معه بحذر، لكونه يتضمن جوانب أيديولوجية بمنهج يقوم على أحكام قيمة ومحاولة بناء نظرية تعميمية، معتمدة على مواقف مسبقة. كما أن قارئ الكتاب لا يجب أن ينساق نحو أيديولوجية وطنية صماء، تؤمن بأن المجتمع المغربي، كان منسجما، لكي لا نسقط في الأيديولوجية المضادة.

 

لذلك يلزم التعامل مع الكتابات الكولونيالية في القرن التاسع عشر بموضوعية، لا يمكن رفضها كلية ولا قبولها كلية، باعتبار كتابات هذه المرحلة، لا تخلو من قيمة علمية، خاصة أن المرحلة تميزت بضعف الكتابات المصدرية المغربية. فعند إحصائنا للكتابات الاجتماعية لهذه المرحلة، نجد أن عدد الكتابات الأجنبية حول مغرب القرن 19م تفوق بكثير ما كتبه الإخباريون المغاربة.

 

العديد من الدراسات، اعتبرت كتاب ” على عتبة المغرب الحديث” من أكثر الكتابات الاستعمارية الأقرب إلى المشروع الاستعماري الفرنسي، نظرا لما قدمه من خدمات للحاميات العسكرية الفرنسية، معتبرا لا مخرج للفوضى المزدوجة بين المجتمع والمخزن وما بين مكونات المجتمع، إلا بالاستعمار.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!