قراءة في كتاب “القانون الدولي الإنساني: مقدمة شاملة ” للكاتب نيلز ميلتسر
عبدالله الساورة – كاتب مغربي
يستعرض “القانون الدولي الإنساني: مقدمة شاملة ” (نُشر في عام 2016 / 355 صفحة) للكاتب نيلز ميلتسر، تفاصيل القانون الدولي الإنساني (IHL). يوفر الكتاب مقدمة شاملة وسهلة لفهم مبادئ وممارسات القانون الدولي الإنساني، بهدف تثقيف القراء حول القواعد الأساسية التي تنظم النزاعات المسلحة وتحمي الأفراد الذين لا يشاركون أو لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية.
يعتبر الناشط والمحامي السويسري نيلز ميلتسر، من الخبراء الكبار في القانون الدولي، بمعرفته وخبرته الطويلة التي يسردها في هذا الكتاب. تشمل خلفيته كرئيس لحقوق الإنسان في أكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وتوليه منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. بالإضافة إلى إنجازاته الأكاديمية، قدم نيلز ميلتسر مساهمات كبيرة في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من خلال عمله مع مختلف المنظمات الدولية. يعتبر من دعاة حقوق الأفراد المعترضين عن التعذيب وسوء المعاملة، وقام بزيارات عديدة للدول وأعد تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان. تظهر خبرته والتزامه في مجال القانون الدولي الإنساني بشكل واضح في هذا الكتاب، حيث يشرح المفاهيم القانونية المعقدة ويوفر أمثلة واقعية لتوضيح تطبيقاتها.
تبسيط القانون الدولي الإنساني
تتمحور فكرة الكتاب العامة حول تبسيط القانون الدولي الإنساني لجمهور واسع، بما في ذلك الطلاب والممارسين وأي شخص مهتم بفهم الإطار القانوني الذي ينظم النزاعات المسلحة وعلى أهمية القانون الدولي الإنساني في التخفيف من مآسي الحرب والحفاظ على الكرامة الإنسانية. ويجادل بأن القانون الدولي الإنساني، على الرغم من حدوده وتحدياته، يظل أداة حيوية لتعزيز السلام والعدالة في عالم يتزايد تعقيده وترابطه. يقول ميلتسر: “القانون الدولي الإنساني ليس مجرد مجموعة من القواعد القانونية، بل هو تجسيد للقيم الإنسانية والكرامة التي يجب أن تحترم حتى في أكثر الأوقات ظلمة”. يعكس هذا القول الفلسفة الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني وأهمية الحفاظ على الإنسانية في مواجهة الحروب.
يتناول ميلتسر في الكتاب عددًا من القضايا الحرجة والتحديات التي يواجهها القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة. وتشمل هذه التحديات تطور طبيعة الحروب، وظهور الجهات الفاعلة غير الحكومية، وازدياد انتشار النزاعات المسلحة غير المتكافئة. كما يسلط الكاتب الضوء على الصعوبات في تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني التقليدية في هذه السياقات الحديثة ويبحث في التعديلات المحتملة لضمان استمرار فعالية القانون الدولي الإنساني وملاءمته.
لا يمكن المبالغة في أهمية القانون الدولي الإنساني إذ يمثل ركيزة أساسية في النظام القانوني الدولي، ويهدف إلى موازنة الضرورات العسكرية مع الاعتبارات الإنسانية. ويتمثل هدفه الرئيسي في الحد من المعاناة التي تسببها النزاعات المسلحة من خلال حماية الأفراد الذين لا يشاركون أو لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية، مثل المدنيين والجنود الجرحى وأسرى الحرب.
أهمية القانون الدولي الإنساني
يُعد القانون الدولي الإنساني أحد أعمدة النظام القانوني الدولي، حيث يسعى لتحقيق التوازن بين الضرورات العسكرية والاعتبارات الإنسانية. يتمثل هدفه الرئيسي في الحد من معاناة النزاعات المسلحة من خلال حماية الأفراد الذين لا يشاركون أو لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية، مثل المدنيين والجنود الجرحى وأسرى الحرب. من خلال وضع قواعد واضحة وملزمة للأطراف المتنازعة، يسعى القانون الدولي الإنساني إلى منع الأذى غير الضروري وضمان معاملة إنسانية للجميع.
أهمية القانون الدولي الإنساني لا تقتصر على دوره في النزاعات المسلحة فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل تأثيره على تعزيز السلام والعدالة على المستوى العالمي. من خلال فرض قيود على استخدام القوة وحماية الأفراد، يُسهم القانون الدولي الإنساني في بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة وتشجيع التسويات السلمية للنزاعات. إضافة إلى ذلك، يمثل القانون الدولي الإنساني إطارًا أساسيًا يمكن من خلاله محاسبة الأفراد والجماعات على الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب خلال النزاعات المسلحة.
أهم الفصول في الكتاب
يتضمن كتاب ميلتسر عدة فصول رئيسية، كل منها يعالج جانبًا معينًا من جوانب القانون الدولي الإنساني. من بين هذه الفصول، يمكن تسليط الضوء على بعضها باعتبارها الأكثر أهمية وشمولية في تغطية الموضوعات الأساسية:
- مصادر ومبادئ القانون الدولي الإنساني: يتناول هذا الفصل الأسس القانونية والتاريخية للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية والعرف الدولي. يشرح ميلتسر كيفية تطور هذه المصادر على مر الزمن، وكيف أنها تشكل الركائز الأساسية للنظام القانوني الحالي.
- حماية الأشخاص والأشياء: في هذا الفصل، يستعرض ميلتسر القواعد التي تحمي المدنيين والمقاتلين الجرحى والأسرى والممتلكات الثقافية والطبية. يشدد على أهمية الامتثال لهذه القواعد لضمان الحد الأدنى من الإنسانية خلال النزاعات المسلحة.
- سلوك العمليات العدائية: يركز هذا الفصل على القواعد التي تحكم استخدام القوة أثناء النزاعات المسلحة، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والاحتراز. يوضح ميلتسر كيف تهدف هذه المبادئ إلى تقليل الأضرار للمدنيين والممتلكات غير العسكرية، مع السماح بفعالية العمليات العسكرية.
- تنفيذ القانون الدولي الإنساني وتطبيقه: يناقش هذا الفصل الآليات المختلفة لتطبيق القانون الدولي الإنساني على المستوى الوطني والدولي. يسلط الضوء على دور المحاكم الدولية والمنظمات غير الحكومية في رصد الامتثال ومحاسبة الجناة.
أحد الفصول الأكثر إثارة في الكتاب هو الفصل المتعلق بسلوك العمليات العدائية، في هذا الفصل، يتناول ميلتسر القواعد والمبادئ التي تحكم استخدام القوة أثناء النزاعات المسلحة، بما في ذلك مفاهيم التمييز والتناسب والاحتراز. يشرح ميلتسر كيف أن هذه المبادئ تهدف إلى تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين والأشخاص المحميين الآخرين مع السماح بتنفيذ العمليات العسكرية بشكل فعال.
يتناول ميلتسر في هذا الفصل أيضًا التحديات المرتبطة بتطبيق هذه المبادئ في النزاعات المسلحة الحديثة، حيث تكون الحدود بين المقاتلين والمدنيين غير واضحة في كثير من الأحيان، واستخدام التقنيات الحديثة مثل الطائرات بدون طيار والحروب السيبرانية يجعل تطبيق القواعد التقليدية أكثر تعقيدًا. يطرح ميلتسر أسئلة حاسمة حول كيفية تكييف هذه القواعد لضمان استمرار حماية الأفراد في النزاعات المسلحة الحديثة.
الإشكاليات التي يطرحها الكتاب
يتناول ميلتسر في كتابه عدة قضايا حرجة تواجه القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة. من بين هذه القضايا، التطور المستمر في طبيعة الحروب، وظهور الفاعلين غير الدوليين، وزيادة انتشار النزاعات غير المتكافئة. ويشير إلى التحديات التي تواجه تطبيق القواعد التقليدية للقانون الدولي الإنساني في هذه السياقات الحديثة، ويبحث في التعديلات المحتملة لضمان استمرار فعالية القانون الدولي الإنساني وملاءمته. يناقش الكاتب أيضًا الصعوبات المرتبطة بتحديد هوية الأطراف المشاركة في النزاعات، والتقنيات الحديثة مثل الطائرات بدون طيار والحروب السيبرانية، وكيفية تأثيرها على تطبيق القانون الدولي الإنساني.
يُركز الكتاب على المبادئ الأساسية التي تُشكل جوهر القانون الدولي الإنساني، مثل مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين، ومبدأ التناسب في استخدام القوة، ومبدأ الاحتراز لتجنب الأضرار الجانبية غير المبررة. يُبرز الكاتب كيف تسعى هذه المبادئ إلى تحقيق التوازن بين الضرورات العسكرية والاعتبارات الإنسانية، مما يضمن الحد الأدنى من الإنسانية حتى في أكثر الظروف قسوة.
من خلال استعراض تطور القانون الدولي الإنساني عبر التاريخ، يُظهر ميلتسر كيف أن هذا الفرع القانوني لم يكن ثابتًا بل كان يتطور باستمرار لمواكبة التغيرات في طبيعة النزاعات المسلحة. يُشير إلى أهمية التعديلات في المعاهدات الدولية والبروتوكولات الإضافية لتلبية التحديات الجديدة التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة وأساليب القتال غير التقليدية.
واحدة من القضايا الحرجة التي يناقشها ميلتسر هي الصعوبات في تطبيق القانون الدولي الإنساني في النزاعات التي تشارك فيها جهات فاعلة غير دولية، مثل الجماعات المسلحة غير الحكومية. يتناول ميلتسر التحديات القانونية والأخلاقية المرتبطة بمساءلة هذه الجماعات وضمان امتثالها للقواعد الدولية، ويقترح حلولًا عملية لتحسين الامتثال وتعزيز احترام القانون.
بالإضافة إلى ذلك، يناقش ميلتسر دور القانون الدولي الإنساني في حماية الممتلكات الثقافية والطبية خلال النزاعات المسلحة. يُبرز كيف أن هذه القواعد تهدف إلى الحفاظ على تراث الإنسانية وضمان استمرار الخدمات الطبية الحيوية في ظل النزاعات. يُشير إلى الأمثلة العملية التي تُظهر كيف أن الامتثال لهذه القواعد يمكن أن يُسهم في تقليل المعاناة الإنسانية والحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات.
يعرض ميلتسر أيضًا بُعدًا مهمًا للقانون الدولي الإنساني يتمثل في دوره في تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الانتهاكات الجسيمة مثل التعذيب والمعاملة اللاإنسانية. من خلال سرد حالات واقعية ودراسات حالة، يُظهر الكاتب كيف يمكن للقانون الدولي الإنساني أن يكون أداة فعالة لتعزيز العدالة والمساءلة.
في نهاية المطاف، يُعتبر كتاب “القانون الدولي الإنساني: مقدمة شاملة ” مرجعًا لا غنى عنه لفهم الأبعاد المعقدة والتطبيقات العملية للقانون الدولي الإنساني. من خلال تحليل عميق وشامل، يُقدم ميلتسر رؤية متكاملة عن هذا المجال الحيوي، مما يجعله مصدرًا قيمًا للدارسين والممارسين ولكل من يهتم بحقوق الإنسان والسلام الدولي. يعكس الكتاب التزام العميق بنشر المعرفة وتعزيز الفهم للقانون الدولي الإنساني، ويُقدم إسهامًا هامًا في تعزيز العدالة والإنسانية في العالم.
International Humanitarian Law: A Comprehensive Introduction* by Nils Melzer