السرد والرواية: تحليل سرد القصص السينمائية

عبدالله  الساورة – كاتب  مغربي

يتعمق  الكاتب  وارن باكلاند في كتابه “السرد والرواية: تحليل سرد القصص السينمائية” ( تم نشره في 15 نوفمبر 2020) في الآليات البنائية للسرد والرواية داخل عالم السينما. يُعَد هذا الكتاب إسهاماً مهماً في مجال دراسات الأفلام، حيث يقدم تحليلاً دقيقًا لكيفية نسج القصص في نسيج التجربة السينمائية. يتناول الكتاب التفاعل المعقد بين تقنيات السرد وتنفيذها على الشاشة الفصية.

جوهر السرد في السينما

يبدأ باكلاند بتعريف السرد كسلسلة من الأحداث المنظمة بترتيب معين لتشكيل قصة متماسكة. في عالم الأفلام، تعد الرواية هي العملية التي يتم بها نقل هذه القصة إلى الجمهور. ويشمل ذلك مجموعة من العناصر البصرية والسمعية، بما في ذلك الحوار والمؤثرات الصوتية والموسيقى والصور. العلاقة بين السرد والرواية جوهرية، حيث تحدد كيفية إدراك الجمهور للقصة وتفسيرها.

أحد الأطر النظرية المركزية التي يستخدمها الكاتب هو التمييز بين القصة  والحبكة. تشير القصة إلى المادة الخام للأحداث كما تحدث بترتيب زمني، بينما الحبكة هي الطريقة التي يتم بها تنظيم هذه الأحداث وتقديمها للمشاهد. هذا التمييز ضروري لفهم كيفية تلاعب صناع الأفلام بالزمن والمكان والمنظور الابداعي لإنشاء سرد مشوق.

يطبق باكلاند هذه المفاهيم من خلال تحليلات مفصلة لعدة أفلام أيقونية،على سبيل المثال، في

Pulp Fiction” ” (1994) للمخرج كوينتن تارانتينو، يظهر الهيكل الزمني غير الخطي كيف يمكن لصناع الأفلام تجاوز تقاليد السرد التقليدية لإنشاء قصة أكثر ديناميكية وتشويقًا. يقوم فيلم تارانتينو بإعادة ترتيب الأحداث الزمنية، مما يجبر الجمهور على تجميع الزمن، مما يعزز تفاعلهم مع السرد الفيلمي بشكل أعمق.

في فيلم ” خيبة الأمل ” ،Inception” ” (2010) للمخرج كريستوفر نولان، يستكشف الكاتب طبقات السرد المعقدة وتسلسلات الأحلام في الفيلم. يستخدم نولان الحكايات المتداخلة داخل الأحلام لطمس الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال، مما يدفع الجمهور لتمييز بين مستويات السرد المختلفة. يشكل هيكل الفيلم مثالاً ممتازًا على كيفية تعزيز السرد المعقد لعمق وتفاعل القصة.

العلاقة بين السينما والأدب

يتناول باكلاند أيضًا العلاقة بين السينما والأدب، مستعرضًا كيفية تكييف الأفلام للتقنيات الأدبية في هذا الوسيط البصري. يتطلب التكييف ترجمة السرد المكتوب إلى سرد سينمائي وأشكاله المختلفة، غالبًا مع تغييرات كبيرة لتتناسب مع أوضاع السرد المختلفة. على سبيل المثال، The Great Gatsby” ” (2003) للمخرج باز لورمان، يعد تكييفًا لرواية ف. سكوت فيتزجيرالد باستخدام العناصر البصرية والسمعية الحية لالتقاط جوهر العمل الأدبي. يستخدم الفيلم السرد الصوتي والصور المبالغ فيها لنقل موضوعات الرواية ونبرتها.

تحليل سرد القصص السينمائية

يوفر باكلاند منهجية شاملة لتحليل سرد القصص السينمائية، و يركز على أهمية تقنيات السرد المختلفة مثل: الجانب الأول فهم المنظور الذي تُروى منه القصة أمر حاسم، على سبيل المثال، ” المواطن كين ” (1941) للمخرج أورسون ويلز، يستخدم وجهات نظر متعددة لعرض جوانب مختلفة من حياة البطل، مما يخلق دراسة متعددة الأبعاد للشخصية. أما الجانب  الثاني فحص كيفية تنظيم الحبكة، بما في ذلك استخدام الفلاش باك والفلاش فورورد والتسلسلات غير الخطية في فيلم ” لحظة ” Memento” ” (2000) للمخرج كريستوفر نولان، يستخدم ترتيبًا زمنيًا عكسيًا، مما يجبر الجمهور على تجميع القصة بترتيب عكسي، ليعكس فقدان الذاكرة لدى البطل.

يتم تحليل استخدام العناصر التي توجد داخل عالم القصة مقابل تلك التي تكون خارجها، مثل الموسيقى الخلفية. في فيلم ” العراب ” The Godfather” ” (1972) للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، يعزز الموسيقى للتوتر الدرامي والتأثير العاطفي للمشاهد الرئيسية.

فكرة أخرى هي التلاعب الزمني عبر  التحقيق في كيفية لعب صناع الأفلام بالزمن، مثل الحركة البطيئة، والتسريع الزمني، والحلقات الزمنية. Eternal Sunshine of the Spotless Mind” ” (2004) للمخرج مايكل غوندري، يستخدم الذكريات المجزأة والتلاعب الزمني لاستكشاف تعقيدات العلاقات والذاكرة.

و تساهم الرسالة العامة  في تحديد الرموز والموضوعات المتكررة للفيلم، مثل “” Blade Runner ”  (1982) للمخرج ريدلي سكوت، يستخدم الرموز البصرية والعناصر الموضوعية لاستكشاف أسئلة الهوية والإنسانية والذكاء الاصطناعي.

يساهم عمل باكلاند على السرد والرواية بشكل كبير في دراسات الأفلام من خلال تقديم إطار صارم لتحليل التعقيدات السردية للسينما. يبرز تحليل الكاتب أهمية فهم التفاعل بين هيكل السرد، والسرد البصري، وإدراك الجمهور. ويعزز هذا النهج ليس فقط الدراسة الأكاديمية للأفلام بل أيضًا التقدير والانخراط النقدي للجمهور العام مع الأعمال السينمائية.

يقدم كتاب “السرد والرواية: تحليل سرد القصص السينمائية” استكشافًا عميقًا لكيفية بناء صناع الأفلام للقصص ونقلها. من خلال الرؤى النظرية والأمثلة العملية، يظهر الكاتب التعقيد والفن في الرواية السينمائية. يعد هذا الكتاب موردًا لا يقدر بثمن للباحثين في مجال الأفلام والنقاد وعشاق السينما الذين يسعون لتعميق فهمهم لآليات السرد التي تشغل سحر السينما.

Narrative and Narration: Analyzing Cinematic Storytelling” by Warren Buckland, published on November 15, 2020