الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

قراءة في كتاب ” جرح الذاكرة “للأديبة مالكة حبرشيد.

 

 

محمد بوحاشي/المغرب

 

 

عنوان القراءة: البيان المفصل الفصيح عن الظلم الطافح.

 

مدخل: يتالف كتاب جرح الذاكرة للأديبة مالكة حبرشيد من 137 صفحة يتنامى وينبني بفصول غير معنونة لكنها تحمل عنوانها في ذاتها بالتيمة المحورية التي تتضمنها واسلوب معالجتها….الا ان هناك تقاطعات كثيرة بين هذه الفصول قائمة على محورين: طبيعة الموضوعات والظواهر وشكل مقاربتها الذي يضعها تحت المجهر. الموضوعات والمشكلات يتم تفصيلها بشكل دقيق وبرؤية نقدية عميقة. فما هي اهم هذه الموضوعات وتعالقاتها وزاوية النظر والتحليل الذي انصب عليها؟وما ونوعية الكتابة ؟هل هي سيرة ذاتية،سيرة غيرية أم رواية؟

 

تجنيس الكتاب “جرح الذاكرة “:

 

يتأرجح رأي الأستاذ سي محمد شخمان الذي قدم للكتاب بين كونه رواية وسيرة ذاتية،إلا أنني أرى أن “جرح الذاكرة ” كتاب ينطوي على كل المؤهلات والمواصفات التي تجعل منه رواية، خاصة إذا نظرنا اليه من زاوية الرواية التجريبية التي يلتقي ويتكامل فيها الواقعي والتخييلي،التقريري المباشر والسرد الفني الغير المباشر، وأن المحكي فيها تجاوز ما هو ذاتي إلى ماهو عام وشمولي…من مدينة بذاتها إلى المجتمع والوطن بكامله. المكان والزمان كلاهما فضاء عام. تعددت فيه الشخوص والفاعلون والمنفعلون وتنوعت الظمائر في سياقات يحكمها التشابه والاختلاف داخل ثقافة مشتركة تمثل هوية ومسارات وتاريخ المجتمع المغربي في مراحل متلاحقة يتم تشريحها وتفكيك أليات اشتغالها(الثقافة ) تبعا للتمثلات السائدة فيها وربط النتائج باسبابها تبعا للخلفيات الواعية واللاواعية المتحكمة فيها. فجاءت هذه الرواية مطبوعة بطابع سوسيولوجي سانكروني، السطح والظاهر فيه متحرك، والعمق والباطن ثابت. ان تعدد زوايا النظر للمشكلات المطروحة وحضور التخييل والتصوير والتناص والشعرية والانزياحات والغرائبي والعجائبي….عوامل انضيافية اهلت “جرح الذاكرة “ان يلتحق بالروايات الواقعية الجديدة القائمة على التجريب حيث السرد فيها يتداخل فيه المرجعي والتخييلي،النثري والشعري ويتضافر في تكوينه التاريخ،السوسيولوجيا السيكولوجيا والانتروبولوجيا…والكتاب رواية تاريخية بامتياز يعد مرجعا اساسيا للقراء المتعاقبين في الزمان والمكان.

 

 قراءة العتبات: العنوان واللوحة الفنية.

 

– أولا العنوان:”جرح الذاكرة” :لاشك أن الجرح يقع فيما هو مادي لذلك فهو هنا منزاخ عن معناه الأول المباشر نوع معنى لا يلغيه كله. معنى مفاده أن ما تجمع في كيان الذات من معاناة ترك في ذاكرتها اثرا لا يمحى والما قد ينتج عنه وعي شقي وخاصة إذا كانت الأسباب والدواعي مستمرة ومسترسلة. ولعله جرح عام ؛جرح مجتمعي. والحق في القول أن هذا الجرح العام مستصعب الشفاء وينبغي أن يستمر فكريا حتى لا ننسى فتضيع منا البوصلة ومفاتيح فهم الواقع ماضيا وحاضرا ومستقبلا .ذلك أن الضمير الجمعي كامن في ذاكرة المجتمع…

 

– ثانيا :اللوحة الفنية: المتضمنة لصورة فتاة وشجرة يابسة مقطوعة إلا من غصن يابس وجذورها عارية تتداخل مع البنت او هي رمز لها وخلفيةثلاثية يعلوها البياض والاصفرار والبني المتزاحم مع الأسود …كل هذه الالوان والمكونات تجلي سحنة البنت في حالة حزن وانكسار وتمزق. حسيرة متأسية تشبه الشجرة في يبوستها…ارهقتها الأسقام والعلل منخطفة مشدوهة تسكنها الحيرة. شاحبة شحوب ايامها وزمانها. يحاصرها اليأس والإقصاء فهي حية _ميتة..البصر منها تائه والعقل ساه منهك غارقة في الحزن والأسى والإحباط وضياع الكرامة. تتساءل:من تسبب فى الغرق ولماذا وهل من منقذ من الضياع؟.

 

=الظلم والتدمير والعدل والتعمير :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند

 

بحر من الظلم والمعاناة والجهل والظلم والقهر والتسلط والعنف المادي والرمزي والفقر والاستغفال والاستغلال والرعب والاستلاب والتشيؤ..وحصة الأنثى هي الاكبر!.”ينتابني الرعب كلما رأيت امنا الغولة وهي تمد ذراعيها لاختطافي،تفتح فمها لابتلاعي….” (ص11)…هذه طلائع سفر “جرح الذاكرة “،جرح بألوان السواد والتحكم وهدر الكرامة والكينونة…والافضع والانكى أن يتخد الدين والشريعة ذريعة لهذا التسلط والقهر النابع من سلطات شتى جذورها ضاربة في عمق الثقافة والتاريخ. فأين المفر؟ومن يخلص من هذا التواطئ المتعمد واللاشعوري ؟.
“الظلم إذا دام دمر والعدل إذا استمر عمر “يقول ابن رشد. فالظلم مخرب العمران(المجتمع ) يرى ابن خلدون.
سفر “جرح الذاكرة “تعرية لجذور الظلم والقبح، هجاء وتشريح لهما……

 

القبيلة،المدينة والغنيمة:

 

“متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا “؟!.
لا فرق بين المدينة والقبيلة إلا في المظهر أما في التصرفات والمعاملات فهما معا مكان يحكمه نظام احادي هو نظام البيع والشراء ،الإنسان فيه بضاعة وسلعة والمرأة غنيمة وموضوع للفعل والاحتقار “لم اكن استقر في مكان كمن به مس…. وأنا أراها تبكي بحرقة في ركن الغرفة …لا أحد انتبه إلى أن الحمى التي اصابتني كانت بسبب هذا الموضوع….جدتي وحدها رحمها الله كانت تصرخ: هي مازالت صغيرة….زوجوا الكبيرة أولا” (ص31و32).
هل عنف الذكورة والعنف العام المستشري في دواليب الحياة هو ماجعلها(اخت المتزوجة )تتقمص الذكورة…..فما الذي يحكم العلاقة بين الذكر والانثى والرجل والمرأة؟
“تتغير القوانين على الورق ويظل الواقع على حاله “( ص 37).
المدينة والقبيلة صنوان المراة فيهما شيئ وموضوع وغنيمة. اجتمع فيهما الفقر والجهل،تناسلت الأوهام والسلط ورسخت المرجعيات الإجترارية وتكلست الذهنيات…
هاهنا نستحضر مقولة جون بول سارتر:”الجحيم هم الأخرون “!

 

-قافية العين والاذن وقافية النص:
الواقع العنيد وشعرية النص الفريد.
من أين يستقي هذا النص الفريد شعريته؟

 

استطاع هذا النص بلغته الجميلة والشجاعة وشاعريته وشعريته أن ينصت إلى الواقع بذكاء وان يمعن النظر والتامل فيه بحساسية شخصية رهيفة طافحة شاعريتها ومتدفقة شعريتها أن يسلك الطريق الصعب في نقده العميق والفصيح فعرى الاقنعة وشرح مظاهر القبح بدراية ومهارة ما جعل “جرح الذاكرة “نصا فريدا ومتفردا على المستوى الجمالى حينما اسس جماليته بتفكيك موضوع غير جميل:القبح فصار يتحاذى مع أمهات الروايات مثل رواية” الطاعون “لالبير كامو ورواية “تلك الرائحة “لصنع الله ابراهيم. ورواية “الوقائع الغريبة في في اختفاء سعد ابي النحس المتشائل “لاميل حبيبي ورواية “الخبز الحافي” لمحمد شكري وغيرها.

 

شعرية القبح وتفكيكه من منظور جمالي واخلاقي وانساني والمسرود الشعري الذي يغمر النص …هذه وعناصر أخرى كثيرة لا يتسع هذا المقال لادراجها كلها منحته رونقا وألقا وجعلته كثير الاغراء والاستقطاب.

 

“جرح الذاكرة ” دفاع قوي عن المجتمع والأفراد، والكرامة التي لا تباع ولا تشترى،عن انسانية الإنسان…هو أيضا مرافعة ضد الظلم المدمر، يعلي من شان الإنسان ويستنهض هممه.

يقول الفيلسوف الألماني امانويل كانط:”اعمل دائما متخذا الانسانية في ذاتك وفي غيرك كغاية وليس كوسيلة

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات