فكيك في رحلة سنة من الوقفات الاحتجاجية حماية للماء

علال بنور/ الدار البيضاء.

أقدم الائتلاف الوطني لدعم حراك فكيك بتنسيق مع الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديموقراطي والتنسيقية المحلية للترافع حول ماء فكيك وباقي مكونات المجتمع المدني الفكيكي، على تنظيم قافلة في بعدها الحقوقي والاجتماعي التضامني ما بين 14 و16 نونبر 2024، بشعار:” الصمود والوحدة والتضامن من أجل الحقوق والكرامة “.انطلقت القافلة عشية يوم الخميس من نقطتين: الدار البيضاء والرباط لتقطع مسافة 1000 كلم نحو واحة/مدينة فكيك، فكان اللقاء بالتنسيقية المحلية مع جمعية النهضة وباقي الفعاليات المحلية المستقرة والمهاجرة تضامنا ضدا على تعسفات الإدارة الوصية حول قضية توزيع الماء بالواحة.

شملت الرحلة أربع محطات: المحطة الأولى، الوقفة الاحتجاجية من داخل مدرسة النهضة حيث استقبال الرحلة، خاصة أن هذه مدرسة، لها رمزية تاريخية، باعتبارها أول مؤسسة تعليمة ولجها المرحوم محمد عابد الجابري. المحطة الثانية، وقفة تضامنية أمام الباشوية، والمحطة الثالثة، زيارة استطلاعية لأطراف الواحة وقصورها وسواقيها المائية، وفي المحطة الرابعة، توجت الرحلة يوم السبت 16 نونبر مساء بندوة علمية من تنظيم جمعية النهضة في موضوع:” الماء بين السياسات العمومية ومطالب السكان”.

أشكال النضال المبتكرة من طرف الساكنة:

دامت أشكال الاحتجاجات لمدة سنة، ابتكر فيها السكان أساليب الاحتجاج ضدا على الشركة الوطنية المتعددة الخدمات، التي حلت بالواحة متحدية إرادة السكان، التي سعت للتكليف بتوزيع الماء واستخلاص فاتورته. ومن أشكال التضامن التي تعود جدورها إلى ثقافة المنطقة: إنشاء الصندوق المدرسي، تجمع فيه أموال المساهمات من الساكنة وعائلاتهم في المهجر، الغاية منه دعم التمدرس.

نظم السكان تضامنهم بمسيرات، عبر العجلات الهوائية ثم مسيرة الشاحنات والنساء بلباس الحيك الأبيض، الذي له رمزية ثقافية، تعني السلم والأمان والوقار الذي يعلن الكرامة، كما يعني كفن الجثامين، بمعنى إما الحياة أو الموت. تنظم اشكال الاحتجاج يومي الجمعة والثلاثاء، عبر المسيرات والوقفات أمام إدارة الباشوية، برفع لافتات وشعارات سلمية ومطلبية، يلخصها السكان في: «أرزم …أرزم الروبيني لخلاص أوريلي” باللغة الأمازيغية. ” تحية نضالية للساكنة الفيكيكية”.” تحية نضالية للمرأة الفكيكية”. “صامدون… مع النضال نحن عليه سائرون”. ومن الشعارات التي استقبلت بها القافلة التضامنية:” لا صحة لا تنمية”. يا فكيك يا جوهرة خرجو عليك الشفارة “.

صبيحة يوم الجمعة 15 نونبر 2024 نظمت وقفة احتجاجية اصطف النساء جلوسا بالحائك الأبيض على طول الرصيف، وفي المقابل وقف الرجال تاركين مسافة بينهم والنساء، الجميع يردد شعارات، ورفعت لافتات تعبر عن غضب الساكنة. ومن هذه الشعارات: «مياه فكيك ليست للبيع”. “مياه فكيك خط أحمر”.” المياه مياهنا والقرار قرارنا”.” يا فكيك المنسية لا صحة لا تنمية”. ” باش أحنا مواطنين…لا حقوق لا قوانين”. ومن المثير للانتباه، النساء يرددن شعارات بنغمة وصوت واحد في انسجام تام يبعث على الحماس، تبعا لصوت الشاب الضرير في رفع الشعارات عبر الميكروفون.

المشاهد الجغرافية لواحة/مدينة فكيك:

تقع الواحة حدوديا مع الجزائر، بحدود غربية وجنوبية يفصل بينهما سلاسل جبيلة. واثناء قطع المسافة في طريق مستقيم بين بوعرفة وفكيك، انصب اهتمامنا على المجال الممتد، القاحل المحجر الذي يبعث على الخوف وعدم الاطمئنان. قدم لنا رفاقنا من أبناء المنطقة شروحات كانت كافية للتعريف بهذا المجال الذي تقطعه القافلة.

رصدنا أن المجال بدون مشاهد جغرافية، بل هناك مشهد واحد ذو طبيعة صحراوية يثير الاستغراب والاندهاش، يجعل الزائر يطرح العديد من الأسئلة، ويقر أن فكيك تعيش العزلة عن باقي الأقاليم المجاورة، لها مدخل واحد يتمثل في الطريق الرابطة بينها ومدينة بوعرفة، والتي لا تقل نكبة عن فكيك، قدم لنا رفيقينا المرافقان لنا شروحات ذات أهمية. أن المجال الرابط بين المدينتين المنكوبتين غناهما في تربية الأغنام من النوع الجيد مع زراعة الكمون، وشجيرة الدوم، التي كان المعمر يستخرج منها أجود ورق الكتابة. كما تتوافر المنطقة على ثروات باطنية معدنية، تم اكتشافها منذ الحماية الفرنسية، منها: النحاس والمنغنزيوم والحديد وأحواض المحروقات، ووفرة المعادن غير المعلن عنها، بقيت في سرية تامة. لو استغلت هذه الثروات، لكان من الممكن أن تساهم في خلق تنمية محلية وبالتالي خلق فرص الشغل بأوراش حقيقية، قد تساهم في الحد من الهجرة والفقر وتحافظ على الاستقرار والعيش الكريم، يمكن لها كذلك، أن تحول المجال إلى منطقة استقطاب عوض منطقة طرد لليد العاملة.

الوضع الاقتصادي والاجتماعي:

تتمثل نكبة الواحة / المدينة الفكيكية في انعدام المرافق الاجتماعية والاقتصادية والسياحية، بالرغم من مؤهلاتها البشرية. مدينة بدون أوراش بدون مؤسسات التكوين المهني، في أحسن الأحوال وجود مدارس أغلبيتها بنيت بمساهمة من السكان واسرهم المهاجرة، الشيء الذي جعل نسبة التمدرس تشمل الإناث والذكور بنسبة مئة في المئة ومن نماذج المدارس التي بناها السكان، مدرسة النهضة منذ سنة 1946 التي تمدرس فيها الفقيد محمد عابد الجابري وتم ترميمها 1996. مدينة فكيك بدون مستشفى فقط بناية يتيمة بدون أطقم طبية، تفتقد المدينة للأسواق والقساريات والمثيرات السياحية. تتكون فيكيك إداريا من 13 جماعة ترابية، توزع بين جماعتين حضاريتين و11 جماعة قروية.

يقوم اقتصاد الواحة على اقتصاد الندرة، بفلاحة معيشية من خضار وتربية الماشية، وأهم إنتاج الواحة يقف عند التمور، الذي يستفيد منه المسوق أكثر من المنتج/الفلاح. صادفت القافلة إضرابات سواق وعمال شاحنات نقل الرمال من وادي العرجة، القريب من الحدود الجزائرية، فالإضراب الاضطراري للشاحنات له انعكاسات سلبية، تتمثل في ارتفاع البطالة وتوقف أوراش البناء وما يتبعها من خدمات حرفية. في الوقت الذي كان من المفروض على السلطات المحلية، تبحث عن حلول لفك العزلة عن المنطقة، على الأقل تفتح أوراش العمل للحد من ظاهرة العطالة وبالتالي الحد من الهجرة الداخلية، نجدها تهتم بالشركة الوافدة على المنطقة، مع حرمان السكان من تراخيص بناء السكن وحفر الآبار. الشيء الذي زاد من تضخم العطالة ومشاكل الواحة.

الخصوصية المجالية للواحة وساكنتها:

تؤكد الدراسات الميدانية، للواحة خصوصيتها المناخية والجيولوجية والبشرية والفلاحية. كما لسكانها خصوصية ذهنية وتاريخية، تنبني على علاقات أسرية وقرابة دموية. جميع هذه المكونات تشكل وحدة عضوية ثقافية، وكل متعامل مع هذه الثقافة، يلزمه شرط الاطلاع عليها مع احترامها. فأي قرار إداري واقتصادي / اجتماعي دخيل على المنطقة يلزمه استحضار الخصوصية الثقافية. ومن هنا نتساءل: هل السلطات المحلية والمركزية في قراراتها استحضرت هذه الخصوصية؟ اعتقد، أن السلطات المحلية في اتخاذها قرار الترخيص للشركة الوطنية المتعددة الخدمات لاستغلال ماء الواحة، لم تستحضر المقاربة الثقافية للواحة. لماذا لم يتم اشراك الساكنة في اتخاذ القرارات؟

لم تكن الواحة عاقرا، بل انجبت أطرا يستحقون الاستشارة في تدبير شؤون واحتهم. أكيد أن الواحة انجبت رجالا في الثقافة والاستشارة وفي النضال كذلك. رفض القائمون على الشأن المحلي الاعتراف، أن للواحة خصوصية ثقافية. يجب استحضارها، مراعاة أن الساكنة لها موروث السلوك التضامني. فكيك بتاريخها المقاوم في وجه الاستعمار تستحق الاحترام والتكريم وتستحق تنمية شاملة على غرار المدن المغربية الأخرى. حراك الواحة، أعطى دروسا في الصمود والنضال الذي دام سنة كاملة، كما أعطى للمناضلين في باقي المدن المغربية معنى الوفاء والتضامن للدفاع عن الكرامة. فشعار:” أطلق الروبني لخلاص ماكينش”. له أكثر من دلالة، فيه التحدي وإرجاع الحق لأهله، وفيه كذلك، معنى الكرامة والعدالة الاجتماعية.

الخلاصات:

-ما هي المخططات المستقبلية للشركة التي حطت في منطقة واحة فقيرة، مرخص لها من طرف الدولة لاستغلال الموارد المائية؟

-الماء بالواحة ملكية مشتركة له قدسية وتاريخ، فهو بملكيته يعكس السلوك الديموقراطي والتدبير الجماعي والمقاربة التضامنية لسكان الواحة.

-ماذا تمثل 50% كمساهمة من الجماعة الترابية؟ معناه أن السكان هم من سيؤدون الفاتورة غاليا، وبالتالي سترتفع قيمة الضريبة المضافة T. V. A على المستهلك.

-يلزم تطبيق مبدأ المقاربة التشاركية مع قرارات السكان، ولهم حرية إبداء الرأي.

-تجربة فكيك يفترض تعميمها على كل المدن المغربية، للدفاع عن الحق في الماء.

-عند الاستحواذ على ماء الواحة من طرف الشركة، يعني افتقاد الواحة لاخضرارها الذي هو أصل وجودها ككائن حي.

-للواحة موضع متميز بمواردها المائية فهي تقع في العتبة الفاصلة بين المناخ القاحل والمناخ المفرط في القحولة.

-الواحة هي منظومة بيئة من تشييد الطبيعة والانسان معا.

-يعد سكان الواحة شركاء منذ القدم في الماء والأرض والمسجد، ومن الصعوبة بمكان في هذه الثقافة إدخال دخيل لتدبير الماء بين السكان وانشطتهم، خاصة أن الكمية الأكثر استهلاكا من الماء تصرف على الفلاحة، وهي فلاحة معيشية بمشاهدها الزراعية الضيقة المساحة.

-التقسيم الإداري للواحة القائم على المجال القروي والمجال الحضري، لا يليق بواحة فيكيك، مراعاة لخصوصيتها الثقافية.