الربح والخسارة.. في قضية وهبي والمهداوي
عبد المولى المروري – كندا
حدث الساعة هو «الخصومة» التي تدور رحاها بين الصحفي حميد المهداوي ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، والتي بعد أن شغلت الرأي العام المغربي لشهور خلت، استقر بها المقام في المحكمة بعدما وضع الوزير شكاية في مواجهة الصحفي. وقد قضت المحكمة بإدانة الصحفي بسنة ونصف حبسًا نافذًا، و150 مليون سنتيمًا لفائدة الوزير.
هنا، وبما أن الخصومة أصبحت ذات طبيعة قضائية بعد أن كانت إعلامية، وبعد أن قال القضاء كلمته، فلا بد أن نقرأ نتائج هذه الخصومة في إطار الربح والخسارة، ماديًا ومعنويًا وإعلاميًا.
1/ فعلى المستوى الشخصي:
أ – هل ربح وهبي قضيته ضد المهداوي أم خسرها؟
قد يبدو للوهلة الأولى أنه ربح القضية؛ حصل على حكم بالإدانة ضد المهداوي، وسنة ونصف عقوبة حبسية نافذة، وغرامة مالية قدرها مليون وخمسمائة ألف درهم جبرًا للضرر الذي لحق بـ«كرامته».
هل كان وهبي على علم بالحكم قبل النطق به؟ لا أحد يدري، ومن الصعب التكهن بذلك، وإن كان غير مستبعد.
لقد طالب وهبي بمليار سنتيم تعويضًا عن الضرر، ولا يختلف اثنان عاقلان على أن هذا مبلغ سريالي وغير عقلاني، وهو المبلغ نفسه الذي طالب به أخنوش في مواجهة بوعشرين قبل سبع سنوات. انتهت قضيتهما بملف لا نشاهد مثله إلا في أفلام هوليود.
كانت القضية التي رفعها أخنوش ضد بوعشرين في ملف تهريب توقيع صندوق التنمية القروية مقدمة بسيطة لما سيأتي بعدها من أهوال حقوقية صدمت الجسم الحقوقي وطنيًا ودوليًا. جعلت الجميع يسخر من هذه الملفات #الجديدة (التي عُرفت بحموضة جنسية) التي اعتمدت في السنوات الأخيرة للتضييق على الأصوات الحرة مثل سليمان الريسوني وعمر الراضي ومحمد زيان.
في قضية المهداوي، قد يبدو الأمر مرعبًا إذا كان ما وقع مقدمة لما سيأتي بعده (لا قدر الله). فالوضع الحقوقي في المغرب ما يزال تحت رحمة جهات فقدت الاتصال بالمجتمع والوطن، وربطت الاتصال بجهات أخرى لا يهمها لا المجتمع ولا الوطن.
. هل حقق وهبي مبتغاه من خلال هذا الحكم؟
مليار سنتيم التي طالب بها وهبي ليست هي 150 مليون سنتيم التي حكمت بها المحكمة. حيث يبدو أن الفرق بين الرقمين فرق فلكي! أي إن وهبي لم يصل إلى الرقم الذي كان يحلم به. فهل فعلاً كان يحلم بأن تحكم له المحكمة بمليار سنتيم؟
إذا كان يُعتبر طلب مثل هذا المبلغ دليلاً على قلة الحياء، ومن أخطر درجات قلة الفطنة، كما كان الحال في قضية أخنوش مع بوعشرين (حيث طالب أخنوش هو الآخر بمليار سنتيم ضد بوعشرين)، فإن توقع الحكم بهذا المبلغ هو منتهى الجنون المطلق المقترن بالسماجة. لأن الأمر يتجاوز مجرد جبر ضرر الضحية المفترض (الذي هو وهبي) إلى درجة إلحاق أضعاف الضرر بالمشتكى به؛ المهداوي (الضحية الفعلي في نازلة الحال). مليار سنتيم!! هل هذا تهور أم جنون؟ أم كلاهما معًا؟
المشكلة الأولى عند وهبي، أنه قيّم كرامته بأكثر من مليار سنتيم. وبصرف النظر عن طبيعة الحكم الصادر عن المحكمة، فإن هذه الأخيرة لم تقيّم هذه الكرامة إلا بـ150 مليون سنتيم، وخفضت طلبه الفلكي من مليار سنتيم إلى ما يعادل 15% من قيمة الطلب. بمعنى أن قيمة كرامة وهبي في نظر المحكمة تساوي فقط 15% من قيمة المبلغ الذي طالب به! لذلك هوت المحكمة بكرامته بست مرات! (أعتذر إذا كان هناك خطأ في الحساب، لأني لا أجيد عملية تحويل الكرامة إلى أرقام!).
المشكلة الثانية عند وهبي أنه أعطى لكرامته ثمنًا محددًا برقم معلوم، ومهما حاول الرفع من هذا الرقم أو تضخيمه، ففي نهاية الأمر ستبقى كرامته مجرد شيء له ثمن مادي يُحدد برقم يخضع للزيادة والنقصان حسب تقييم من عُرضت عليه الكرامة للنظر فيها وتحديد قيمتها.
الحال أن الكرامة الحقيقية بالنسبة لأصحاب الكرامة لا تقدر بثمن. لذلك، فإن من تهمهم كرامتهم حقًا قد يبذلون من أجلها أموالهم وأرواحهم وحرياتهم، لا أن يحددوا لها ثمنًا. وإذا تعرضت كرامتهم لأي امتهان فإنهم يطالبون بدرهم رمزي صونًا لكرامتهم من التشييء والتثمين. أو في حالات أخرى يخصصون المبلغ المطلوب لفائدة أعمال خيرية أو اجتماعية كتعبير حضاري عن أن الأمر لا علاقة له بالمال.
هذا هو دليل ضعف إدراك وهبي، عندما قام بتحديد ثمن لكرامته. وبالتالي خسر كرامته التي حاول صونها، وعرّضها للسخرية والاستخفاف أكثر وأكثر. لأن الكرامة لا تُصان بالمال، بل بالأخلاق النبيلة والمواقف الشجاعة والآراء السديدة.
وكنتيجة نهائية، فمن المحتمل أن وهبي ربح القضية من الناحية القضائية، خاصة في الشق المتعلق بالإدانة، ولكنه في الواقع خسر مرتين في هذه النازلة أمام محكمة الرأي العام؛ الأولى عندما لجأ إلى القضاء، والثانية عندما أعطى لكرامته ثمنًا محددًا. وهي خسارة تنضاف إلى أخريات سابقات.
ب – أما عن المهداوي (يتبع في المقال القادم)