ما بعد الربيع العربي
البدالي صافي الدين/المغرب
بعد أفول شمس الربيع العربي، هناك من تأسف على رحيله، لأنه لم يحقق المبتغى السياسي، وهناك من قال يا ليته ما كان، لأنه خلف لنا نظاما في مصر أكثر صهيونية من بني صهيون و خلف لنا في تونس، مهد شرارة الربيع العربي، نظاما أكثر ديكتاتورية واستبدادا من نظام بن علي وخلف لنا في ليبيا جماعات إرهابية تسرق خيرات الشعب وثرواته الطبيعية من غاز و بترول و تتاجر في الأرواح والأنفس و تتاجر في البشر و خلف لنا في المغرب دستورا جامدا بلا روح و توالي حكومات أكثر تسلطا و قمعا و فسادا من الحكومات السابقة، و جاء بالتنظيم الإرهابي” داعش” لتدمير الشعب السوري والشعب العراقي و خلف حرب اليمن والحروب الداخلية في السودان.
لما جاء هذا الربيع ظن الجميع بأن الأمة العربية والإسلامية سوف تتخلص من أنظمة استبدادية و عميلة الامبريالية و الصهيونية و خادمة الماسونية، ظن الجميع أن الشعوب العربية قد صحت من غفلتها و أنها لم تعد تخاف القمع و لا الاغتيالات. و كان الربيع العربي قد اتخذ أشكالا نضالية مختلفة حسب كل بلد و حسب طبيعة نظامه السياسي الحاكم. لكنه كان يفتقر إلى قاطرة/قيادية، منسجمة ومتماسكة، موحدة و وحدوية من حيث المنطلقات و الأهداف، وهي القاطرة التي كان من المفروض أن تقود المعارك حتى التخلص من كل فلول الفساد و الأوليغارشية و الاستعمار الجديد و رموز الاستبداد و التبعية.
في غياب هذه القاطرة طفت على السطح الانتهازية السياسية والدينية مدعمة من طرف الأنظمة الحاكمة و بحماية الأنظمة الإمبريالية، التي لا مصلحة لها في بلوغ الربيع العربي أهدافه النبيلة في الدول التي اندلعت فيها انتفاضات ضد الأنظمة في كل من تونس و مصر و ليبيا و المغرب و سوريا و السودان و اليمن و غيرها. و انتهى الربيع العربي و حركاته بحلول أنظمة سياسية أكثر انفرادية و أكثر استبدادا بوجوه مختلفة، لا ديمقراطية، و لا إنسانية ولا وطنية . فعم اليأس و البؤس السياسي و التفرقة و الفتن. و نشطت الحركات المعادية للتغيير من نقابات و أحزاب و جمعيات تدعي أنها “مجتمع مدني” من إنشاء و إخراج الأنظمة القديمة / الجديدة في البلدان العربية، بلدان الربيع العربي، ليجعلوا من الشعوب شعوبا يلتئمون حول راقصة أو حول مغني متخلف فنيا وأخلاقيا و يفجرون غضبهم أو بهجتهم في مباريات كرة القدم و ينتسبون إلى التقدمية قولا وليس فعلاً، و ظهر أناس يركبون براءة الدين ليسرقوا و ينهبوا و يبنون المساجد طمعا في المغفرة و هم غارقون في الذنوب حتى النخاع. و في المعارك النضالية يتحرك الجبناء، خدام الأنظمة الحاكمة، و هم يحاولون إقناع الناس بأن لا فائدة من المعارك النضالية، يريدون أن يجعلوا من الشعوب شعوبا مغلوبة على أمرها، خانعا و راكعة بمحض إرادتها. ولما استأنفت المقاومة الفلسطينية تصديها للكيان الصهيوني المستعمر انطلاقا من غزة بزعامة حماس وجدت الشعوب العربية نفسها أمام أنظمة عربية متخاذلة و داعمة للكيان الصهيوني في المجازر التي يرتكبها ضد الفلسطينيين و حرب الإبادة بقتل النساء والأطفال. و لم تنفع مع الجرائم المرتكبة من لدن الكيان الصهيوني المظاهرات العارمة التي تنظمها الجماهير الشعبية في العالم العربي مساندة المقاومة الفلسطيني، ضدا على أنظمتهم الخنوعة التي تنتظر القضاء على المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها من طرف الكيان الصهيوني الذي أصبح يخوض حرب الإبادة بمباركة هذه الأنظمة العربية الجبانة . إنها حرب إبادة بالوكالة .
فالمقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها و الشعب الفلسطيني حركوا شعوب العالم كلها بفعل التضحية و الصمود و الدفاع عن الحق في الوجود و الحق في دولة فلسطينية عاصمتها القدس . وجعلوا شعوب العالم تكتشف الحقيقة النازية للكيان الصهيوني و حقيقة وحشيته . لقد تحول تجاهل شعوب العالم بما فيها شعوب الدول الإمبريالية بزعامة أمريكا إلى تعاطف مطلق مع الشعب الفلسطيني و بالمقابل تم اكتشاف مدى تعاطف أنظمة غربية و عربية مع الكيان الصهيوني . إنها مفارقة غريبة يعرفها العصر الحالي صنعتها المقاومة الفلسطينية في هذا القرن.