الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مَشْهَد من ألف مشهد

 

 

 

القاص المهجري
محمد التطواني

 

وفي ما كانت زوجة أبو هشام تبحث عنه بين زوايا غُرف البيت المظلمة ، وقد مسّها الكبر، مع تغيير طلاقة ملامحها، إندكّ سقف المطبخ على رأسها ، ثم تلتها حجرات أخرى، تعالى بُحاحها وهي تنفض بقايا حَصَيات من على وجهها، لعلها تهتدي إلى مخرج، حتى فتائل المصابيح من حولها فقدت نورها.

 

لامست نافذة َ بيت الخلاء المطل على مسبَك، كان يقضي أبو هشام أوقاته في سبْك قطع نحاسية ، ثم يعرضها للبيع، نادت على ابنها هشام في سن المراهقة، الملقى على كرسي متحرك جثة هامدة ، لحظة توكأت على قطعة سارية، بقيت معلقة تشتكي هي كذلك من الدمار الذي لحقها من انفجار رعْدَةٍ صاروخية، القادمة من تلأبيب، شُلَّت على إثرها كل أعمدة البيت، وتوقفت الكُبود عن وظيفتها، وتبعثرت لغة المناداة بين دخان وصراخ .

 

حينها .. وصلها عن قرب، لغطاً غريباً، تمكنت أنها تعرفه، رغم أنه كان يأتيها من تحت ركامٍ ودخان .

 

نسيت أنها سجينة بين قضبان حديدية، من الصعب اختراقها، لتمديد العون لزوجها أبو هشام، بينما كان صوته يلفظ آخر رمق من حياته.

 

سادتْها تارات الحيرة والعويل،، كل شيئ تبدّد من حولها، و أضحى رمادي اللون، يتخلله لون أحمر ناصع.
تتالت ضربات المدافع و طائرات مسيرة من طرف الجبان الصهيوني كعادته العشوائية ،على اثرها، إمَّحَى الأمس و الحاضر من ذاكرة فاطْمة زوجة أبو هشام، ولم تعد تبالي بما حولها، كأنها تعمدت لزوماً ما لا يُلزم .

 

إستأنست بظلها، لتأمره بأن يناولها جرعة ماء، وإن كان مرّاً، في حين كانت شجرة الصنوبر، أقرب لها من حبل الوريد لتسعفها، لكن شظايا طائرة مسيرة للعدو الجبان الصهيوني ، فحَّمَتْها.

 

فشلت أم هشام حتى في مسح عرق جبينها لما لحقها من تراكم تُخم ، لم تفيدها في شيء، أكثر مما أنهت حياتها، وهي في هذا الحال، حتى قميص زوجها الشهيد الذي كان بقربها بدم أحمر لم يعد يعرف لغتها .

 

ولتكسر شبح الصمت، وخريطة الخَلَدْ، التي حَدَّبت ظهرها، إستلقت على بساط، كان أبو هشام يتخذه مقر استرخاء، ومضت تدندن مثل طفل خذلته أمه :

(وين وين وين
الشعب العربي وين )

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!