من الاستعمار القديم إلى الاحتلال الجديد
كان الاستعمار يغزونا بجنوده وطائراته ودباباته وبوارجه فيستنزف ثروات البلاد، لكنه اليوم أصبح يغزونا برجال أعماله فيفرغ خزانة الدولة ويغرق الأجيال القادمة في ديون لا ذنب لهم فيها ولا قِبَلَ لهم بها
كان الاستعمار القديم يكلف المحتل خسائر بشرية معتبرة، ويخلف شهداء وأيتام وثكالى ومعاقين، أما الاحتلال الجديد أضحى يجنب المستعمر كل الخسائر، ويُخَلِّفُ في المقابل أجيالا معطوبة جراء الفقر، والبطالة، والأمية، وضعف الخدمات الصحية، والجريمة المنظمة الموجهة، والهشاشة، والفساد الأخلاقي…
في الاستعمار القديم كنا على علم بمن يحكم البلاد، ومن يستنزف ثروات البلاد، وأين تذهب أموال الدولة والشعب، أما في الاحتلال الجديد، فلا نعرف من يحكم، ولا من يستغل موارد الثروات، ولا أين تذهب هذه الثروات، ويكفينا ذلك السؤال الرسمي الغريب “أين الثروة؟”
في الاستعمار القديم كنا ندفع الفاتورة “كاش”و كان الجيل المستعمَر يؤدي ثمن قابليته للاستعمار على الطاولة ودون تبعات، أما في الاحتلال الجديد فأصبحنا نؤدي مسبقا عبر المديونية السائلة السائبة؛ إذ يكفي أن نُذَكِّر بأن الدَّيْنَ العام في المغرب قد بلغ البليون والربع مليار درهم(1267 مليون درهم) أي ما يناهز 80٪ من الناتج الخام. على ذلك، فالدولة لم تعد تملك سوى 20٪ من ناتجها والذي بدوره سيتقلص رويدا رويدا أمام مشاريع المحتل الجديدة التي بلغت 11 مليار دولار، وأمام تكلفة كأس العالم 2030، وأمام ارتفاع نسب تأخر سداد الديون.
لقد حول الاحتلال الجديد الجيل الحاضر والأجيال القادمة إلى رهائن في يد المؤسسات الدائنة، ووضع سيادة الدولة في يد المؤسسات المالية العالمية، فأنَّى لنا بعد كل هذا أن نتقدم؟ وأنى لنا أن نحقق التنمية؟ وأنى لنا أن نحلم بدولة الرفاه الاجتماعية؟
أيتام نحن في مأدبة اللئام! ولن يُرفَع عنا هذا اليتم إلا بقلب الطاولة، وطرد المحتل وأعوانه، وتخليص الدولة من ربقة الاستعمار القديم والاحتلال الجديد، وتدشين مرحلة استقلال حقيقية نمتلك فيها قرارنا ونتحكم خلالها في ثرواتنا ومقدراتنا، ونخطط إبانها لمستقبل مشرق يضمن حياة كريمة وحرة للأجيال الحاضرة والأجيال القادمة، وهي بالمناسبة معركة تَفْتِلُ في مشروع الأمة لتحرير فلس.طين، وتضعف محور الصهي.ونية بإصعاف حبل المستعمر الممدود إليها.
صحيح أنه بيننا وبين هذا الإنجاز، أي كنس الدولة من مخلفات الاستعمار القديم وتبعات الاحتلال الجديد، مسافات طويلة، لكن يكفينا اليوم أن نؤمن بضرورة تدشين هذه الخطوة، ونبادر إلى تعليق الجرس بدل أن نطرح نفس السؤال من يعلق الجرس
One Response
مقال مطرز تطريزا موضوعيا أستاذ..