الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

الإسلام والعربية من مقومات الهوية المغربية

 

 

غريب محمد/المغرب 

 

 

” الانسان قضية”.. هكذا حدد غسان كنفاني المفهوم التاريخي للهوية في مواجهة المفهوم القبلي والعرقي الذي تقوم عليه الأيديولوجية الصهيونية.. وهو بذلك يعتبرأن الحكم على الناس يجب أن يكون وفق المبادئ التي يحملونها والقضايا التي يدافعون عنها وليس بناء على اعتبارات الدم والعرق التي تقوم عليها ثقافة التعصب والعنصرية.

 

واليوم وبعد 52سنة على اغتيال غسان كنفاني الذي دحض مفهوم الهوية في المشروع الصهيوني المبني على العرق والدم، لا زال النضال على الواجهة الثقافية بين ثقافة التحرر الوطني وثقافة الاستعلاء والعنصرية مفتوحا على كل الاحتمالات، خاصة في ظل التراجع الذي تعيشه حركة التحرر الوطني  والاختراق الذي حققته الدعاية الصهيونية في مختلف البلدان العربية والإسلامية. إن الصراع على هذه الواجهة لا يقل أهمية عن الصراع العسكري الذي تخوضه اليوم المقاومة الفلسطينية، بل إن هذا النضال أصبح اليوم من المهام الأساسية التي يجب أن تحظى باهتمام المثقفين والباحثين الملتزمين بالقضايا التي تهم مستقبل الشعوب والدول العربية -الإسلامية. ان الجديد اليوم في هذا الصراع هو أن الصهيونية استطاعت ان تخترق كل المجتمعات العربية -الإسلامية وأصبح لديها وكلاء يروجون لأيديولوجية الدم والعرق دون خجل. إنهم يستغلون واقع الجهل والتخلف وغياب الثقافة التاريخية لدى الغالبية العظمى من الناس لنشر الشعبويةوالعدمية والسعي إلى أن يعودوا بنا إلى مراحل مظلمة عاشتها البشرية حيث كان يتم الفصل بين الناس على أساس الدين أو اللون أو الدم وربما غدا على معايير أخرى مثل لون العيون والشعر وعرض الجباه.. الخ.

 

وحتى لا نبقى في إطار العموميات سوف نعرض لحالة مغربية ظهرت مؤخرا وانتشرت بسرعة غريبة في وسائل الاعلام حيث بدأ المغاربة بعد كل هذا التاريخ الطويل يكتشفون فجأة أنهم ليسوا عرب وبأنهم أمازيغ وأن العنصر العربي غير موجود بصفة كلية. وهكذا وفي هذا السياق المتسم بعدم الاستقرار وبالرهانات الجيوسياسية الكبرى التي تعرفها منطقتنا تختار مثلا السيدة سميرة سيتايل سفيرة المغرب بفرنسا هذا الوقت بالضبط لتخبرنا بأننا أمازيغ ولسنا عرب. هل يريدون فصلنا عن محيطنا الجيوستراتيجي لكي ينسى المغاربة القضية الفلسطينية وكل ما يربطنا بالشرق؟ هل يسعون إلى إدماجنا في حلف سياسي غربي نعرف جيدا مخططاته المعادية للشعوب العربية -الإسلامية وخلفياته الاستعمارية؟ أو أنهم اكتشفوا فجأة أن الدم الذي يجري في عروقنا لا علاقة له بالعروبة والإسلام؟

 

إن ما يعطي المشروعية لهذه الأسئلة هو أن الأمر لا يتعلق بتصريحات معزولة عن بعضها بل أن هناك حملة إعلامية ممنهجة تهدف إلى نشر ثقافة الدم والعرق والانغلاق على الذات. هناك مثلا تصريحات أحد الدكاترة الذي ظهر فجأة على الواجهة الإعلامية ويتم تقديمه على أنه مؤرخ، إنه المدعو عبد الخالق كلاب. هذا الدكتور العظيم الذي يتميز بلغته الضحلة وأسلوبه السوقي الذي يزيد من تفاهة وسطحية خطابه.. ولولا خطورة ما يتفوه به لما استحق أن نعرض لما يروج له من سموم. فلنستمع لما قال خلال استجواب أجرته معه الإعلامية ماجدة الكيلاني التي كانت على ما يبدو غير مدركة لخطورة ما يتفوه به ضيفها ولم تكلف نفسها حتى أن تناقشه في بعض الترهات من قبيل أن ابن خلدون ليس مؤرخا بل هو فقط من الرواة ولم يكتب سوى ” الحجايات” (هكذا وبدون خجل).

 

عن سؤال “هل نحن فعلا عرب؟ ” يجيب صاحبنا وبكل خفة – وهذه أول مرة أسمع بمؤرخ يعتمد على الدراسات الجينية -أنه بناء على الدراسات الجينية فإن “الحضور الجيني العربي لا يتجاوز0.08 في المائة.. ” وبناء على هذه النسبة يقرر مباشرة هذا العبقري أنه ” لا علاقة لنا بالعرب كعرق“. ثم بعد هذا الاكتشاف العظيم ينتقل صاحبنا مباشرة إلى موضوع الهوية التي يختزلها وبنفس الخفة والسرعة في كلمة واحدة وهي “المشترك”. وعندما سألته الإذاعية عن المقصود بالمشترك هل هو اللغة أو الدين أجاب بأن اللغة ليست مشترك والدين ليس مشترك لأنهما لا يشكلان الهوية.. وأن المشترك هو “اللباس والغناء والأطباق” لأن هذه الأخيرة موجودة عندنا نحن فقط. إذن المشترك حسب هذا المنطق هو ما يميزنا عن “الأخر” وليس ما يجمعنا معه أي بتعبير أوضح السيد يدعو إلى الانغلاق ويبحث عن أي عناصر مهما كانت تافهة لكي يركب منها هوية صافية يتميز بها عن “الأخر” المختلف حسب زعمه حتى ولو اشتركنا معه في الدين واللغة والتاريخ المشترك والمصير المشترك. هكذا إذن تصبح رقصة “أحواش” أهم من الدين الإسلامي في تشكيل هوية المغاربة.

 

السؤال الكبير الذي يفرض نفسه علينا جميعا هو كيف وصلنا إلى هذا الحضيض؟ وكيف أصبحت وسائل الاعلام مفتوحة في وجه التفاهة والسطحية؟ وكيف غاب الفكر النقدي وأصبح الناس يستهلكون كل شيء من الأغذية الفاسدة حتى الأفكار الأكثر تطرفا وتخلفا؟ إننا إذن مضطرين في ظل هذا الواقع إلى العودة للتأكيد على حقائق قال فيها العلم كلمته وتجاوزها العقل متقدما نحو قضايا جديدة تتعلق بمستقبل البشرية جمعاء تاركا خلفه مخلفات الماضي السلبية التي كانت سببا في العديد من الكوارث.

 

إذن وارتباطا بحكاية الدم والعرق والدراسات الجينية التي جعلت صاحبنا يقرر بأن العنصر العربي غير موجود تماما في بلادنا، فإن أول سؤال يجب طرحه هو متى أجريت هذه الدراسات؟ ومن هي الجهة التي أشرفت عليها؟ وأين نشرت نتائجها؟ ومن هم السكان الذين أجريت عليهم هذه الدراسات؟

 

أولا في المغرب التحليل الجيني ولو على عينة فرد واحد ممنوع قانونيا ولا يمكن إجراء هذا التحليل إلا للضرورة القصوى وبأمر من القاضي. وكل ما يتم نشره عن جينات المغاربة يفتقد للمصداقية العلمية.

 

ثانيا بعد أن تم الإعلان سنة 2003 عن أول خريطة لتسلسل الجينوم البشري وبعد أن تم نشر خريطة أكثر اكتمالا للجينوم البشري سنة 2013 ظهرت العديد من الشركات الأمريكية التي تقترح على زبنائها مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 100 و300 دولار تحليلا يكشف عن أصولهم الأثنية. هذه العروض لها بطبيعة الحال طابع تجاري وتفتقد للمصداقية العلمية كما يؤكد ذلك كل علماء الوراثة. إن المبدأ الذي تقوم عليه هذه التحليلات هو أن هذه الشركات تكون لديها قاعدة بيانات مبنية على تصريحات جماعات سكانية معينة وعندما يتقدم شخص معين يرغب في معرفة أصوله الاثنية تقوم هذه الشركات بمقارنة الخصائص الجينية لهذا الشخص مع الخصائص الجينية الموجودة في قاعدة البيانات التي توجد لديها. وبعد هذه العملية يتم إجراء حسابات إحصائية لتقرر أن الشخص مثلا من أصل أفريقي بنسبة 60 في المئة.

 

ثالثا وزيادة على الطابع التجاري لهذه التحليلات وكون قاعدة بياناتها مبنية على ما يتم التصريح به من طرف مجموعة سكانية معينة فإن هذه الشركات تبني حساباتها على شرط أخر وهو أن تكون المجموعة السكانية مقيمة في منطقة لم تخضع لموجات هجروية خلال الأجيال الأخيرة من حياتها مما يجعل من العملية كلها مبنية على اعتبارات تجارية ومبنية على تصريحات وافتراضات وتقديرات ولا تتمتع بالتالي بأي مصداقية علمية. كما أن احتمال توظيف هذه التحليلات من أجل إضفاء المصداقية على توجهات عنصرية تبقى أمرا واردا كما هو حاصل في حالة صاحبنا الذي يسعى هو وأمثاله من غلاة الأمازيغية إلى تقزيم وتفقير هوية المغاربة واختصارها في البعد الوراثي على الرغم من تناقض هذا الفهم العنصري مع حقائق العلم والتاريخ.

 

إن اختصار الهوية في “المشترك” واختزال هذا المشترك في الرقص والغناء والطبخ هوإذن دعوة صريحة للانغلاق الهوياتي لأن الهوية هي معطى تاريخي يتكون ويتغير باستمرار.. وهي تتكون من عناصر ومتغيرات متعددة ليست كلها بنفس الأهمية، بل إن أهمية كل عنصر ترتبط بالسياق التاريخي والمجتمعي المعاش. فمثلا أن تكون لشخص بشرة سوداء في نيجيريا فهذا أمر لن يكون له تأثير كبير على هذا الشخص ولكن إذا كان هذا الشخص مقيما في أمريكا فإن لون بشرته يمكن أن يقلب حياته رأسا على عقب. هذا على مستوى الأفراد ونفس المنطق يسري على حياة المجتمعات. الدين مثلا يلعب دورا أساسيا في تشكيل شخصية الناس ووعيهم واللغة كذلك تعتبر هي أداة التفكير في كل مجتمع وقد انتبه الى هذا الأمر من يرغبون في قتل ملكة التفكير عند الناس.. فقد سبق لزعيم الدعاية النازية “جوزيف غوبل ” أن قال في هذا السياق: «إننا لا نريد إقناع الناس بأفكارنا ولكننا نريد إضعاف رصيدهم اللغوي حتى لا يكونوا قادرين على التعبير إلا على أفكارنا “. وهذا بالضبط ما يسعى اليه أصحاب حكاية “نحن لسنا عرب”، لأن المستهدف هو اللغة العربية وبعدها سيأتي الدور على الدين الإسلامي، ليفقد المغاربة أهم عناصر هويتهم ويسهل بالتالي اقتيادهم خدمة لأهداف ومخططات القوى الاستعمارية.

 

إن صاحبنا يعتبر أن الدين ليس مكونا من مكونات الهوية لأن المغرب يتميز بوجود مسيحيين ويهود ولادينيين. والسؤال الذي كان على الصحفية أن تطرحه على هذا العبقري هو ماهي نسبة اليهود والمسيحيين المغاربة في بلادنا خاصة وأن حساباته المتعلقة بالجينوم العربي جد دقيقة والأكيد أن لديه أرقام أخرى دقيقة عن اللادينيين المغاربة. لكن يبدو أن السيدة ماجدة الكيلاني مهتمة أكثر بأرقام أخرى تتعلق بعدد المشاهدات و”اللايكات” التي سوف تجمعها لهذا فهي تساير هذا المؤرخ العظيم في هواه ولم تكلف نفسها على الأقل أن تذكره بديباجة الدستور المغربي التي جاء فيها: “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.

 

من جهتنا نرى أنه لا داعي للتعليق على هذه الفقرة من ديباجة الدستور المغربي، ولأننا نحترم ذكاء القارئ ندعوه فقط لملاحظة ترتيب مكونات الهوية المغربية وكيف تم وضع الفواصل في النص لأن لذلك دلالاته. ونعود لنذكر صاحبنا بأن الإسلام يشكل عنصرا هاما في ثقافتنا كمغاربة ويعتبر عاملا أساسيا في تشكيل شخصياتنا مهما كانت توجهاتنا الفكرية والسياسية. أما حكاية المسيحيين واليهود واللادينيين المغاربة فهي لن تغير من هذا الواقع شيئا.

 

وفي هذا الصدد نرى أن نستشهد أيضا برأي عالم الأنثروبولوجيا المغربي عبد الله حمودي الذي تتميز كتاباته وأبحاثه الأكاديمية بالعمق والموضوعية. لقد قال خلال ندوة نظمت مؤخرا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك بالدار البيضاء بأن” هناك من يدعي أن المغاربة حتى الذين لا يعتبرون أنفسهم أمازيغ هم بالضرورة كذلك لا شعوريا، أي أنهم أمازيغ بدون أن يدركوا ذلك (…) وهذه مسألة خطيرة لأنه يمكن أن تصل يوما إلى تبني أفكارمحاكم التفتيش”.

 

إذن وكما أكدنا على ذلك في بداية هذا المقال إن خطورة هذا الخطاب هي التي دفعتنا إلى الكتابة لأنه لا يجب الاستهانة بدعوات العودة إلى القبيلة والعشيرة لأن ما نراه من تمزق في مجتمعات كانت إلى عهد قريب نموذجا في التعايش والتسامح يدعو جميع المثقفين والباحثين إلى التصدي لكل ما يهدد وحدة شعبنا وما يهدد بفصلنا عن قضايا أمتنا العربية –الإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تختصر الصراع القائم بين القوى الاستعمارية وحركة التحرر الوطني في كل مكان.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات