مواقف الدولة المغربية مما يقع في غزة
متى وكيف تأخذ طريقها الصحيح؟
عبد المولى المروري – كندا
مواقف الدولة المغربية حول ما يقع في غزة أمر يثير الاستغراب والرعب، هذه المواقف الغريبة لا يمكن وصفها أو الحكم عليها بأنها غير مقبولة فقط، الأمر يتجاوز ذلك بكثير.. مواقف غير طبيعية وغير عادية وغير منطقية، لا تنسجم لا مع الأخلاق، لا مع الضمير، لا مع الدين، ولا مع الإنسانية.. أمر عجيب فعلا! أمر يثير الاستغراب والاشمئزاز..
ففي الوقت الذي يُجوع فيه أهل غزة وتَمنع عنهم العصابة الإجرامية والمستوطنون المساعدات الغذائية والطبية بإتلافها وتدميرها أمام مرأى ومسمع من العالم، نجد الدولة المغربية ترفض فرض عقوبات اقتصادية على عصابة الاحتلال، وفي الوقت الذي تفجر فيه هذه العصابة البيوت والمدارس والمستشفيات على رؤوس الأبرياء وتسارع في إبادة شعب أعزل، تفتح الدولة المغربية لها موانئها قصد التزود بالوقود والمؤن أمام رفض جارتنا الأوربية إسبانيا لذلك، وفي الوقت الذي تشاهد الدولة كل هذه المجازر في حق الأطفال والنساء والمرضى … ويقوم العالم بإدانتها وشجبها، تلتزم الدولة المغربية الصمت والحياد، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأن هذه المجازر لا توجد إلا في خيال العالم، ولا وجود لها على أرض الواقع… وفي الوقت الذي تعلن فيه العصابة الإجرامية رفضها المطلق والنهائي لحل الدولتين مع إصرارها على إبادة وتهجير أهل غزة، ما تزال الدولة المغربية تحلم بوهم حل الدولتين هذا!! وفي الوقت الذي يصرح زعماء العصابة بتصريحات متطرفة تدعو إلى القتل والإبادة والتهجير والتجويع، نجد الدولة المغربية تساوي بين المجرم الذي يقترف كل هذه الجرائم الوحشية والبشعة والضحية الذي لا يطلب إلا حقه في العيش والاستقلال والبقاء على أرضه!! أمر محير فعلا!!
وها هي جريمة مدرسة التابعين قد هزت العالم كله اليوم، واستنكرها كل ذي قلب أبيٍّ وضمير حي، ثم نجد الدولة المغربية غائبة غياب الموتى.. وشاردة عما يقع هناك، وكأنها في غيبوبة أخلاقية وإنسانية طويلة الأمد.. الأمر الذي يدفع كل مكلوم ومهموم بما يقع في غزة من إبادة وجرائم وحشية وتقتيل همجي، وبما يقع في المغرب من تجاهل وتغافل ونكران وجحود.. إلى التساؤل المحير؛ هل فقدت الدولة المغربية قرارها السياسي؟ أم خسرت ضميرها؟ أم فقد بوصلتها وتاهت عن طريقها؟ أم خرجت عن قيمها؟ أم ضحت بتاريخها وأخلاقها لفائدة العصابة الإجرامية؟
لا أدري ما الذي حصل لهذه الدولة على مستوى قراراتها واختياراتها؟ هل ما تقوم به تجاه القضية (الآن) بإرادتها الحرة أم بغير إرادتها؟ هل تلك اختياراتها الحرة وقراراتها المستقلة؟ أم إن ذلك مفروض عليها من جهات ما قد تكون داخلية أو خارجية؟ لأن هذه المواقف لا يقبلها العقل ولا تحتملها النفس!!
فالطريقة التي تتعامل بها الدولة مع ما يقع في غزة في منتهى الرعب والغرابة والخطورة.. طريقة غير طبيعة وغير عادية، تستعصي على الفهم والتحليل.. هل قررت دولتنا الاصطفاف العلني إلى جانب العصابة الإجرامية؟ هل قررت إعطاء ظهرها إلى شعب عربي مسلم؟ من العسير تصديق ذلك!! ولكن واقع الحال هو ما نرى تجاهل وإعراض وغموض وأحيانا حماية غير مباشرة عندما عارضت الدولة فرض عقوبات على الكيان في القمة العربية الإسلامية الأخيرة، ودعم غير مباشر عندما فتحت لسفنه موانئها.. مواقف تدمي قلوبنا، بقدر ما يدمي قلوبنا ما يتعرض له أهلنا في غزة.. مواقف لا تشرف هذا الوطن، ولا تتناسب مع مكانة المغرب وتاريخه العريق والحافل بالنصرة والأمجاد..
لقد راكمت الدولة المغربية أخطاء كثيرة وغريبة في تعاطيها مع القضية الفلسطينية، قبل يوم 7 أكتوبر وأثناءه وبعده، وإلى حدود مجزرة مدرسة التابعين الأخيرة، فهناك أمر ما غير طبيعي يؤثر على السياسة المغربية ويوجهها الوجهة الخاطئة.. ويحملها على قطار مصادم لهوية وقيم المغرب ونضالاته التاريخية.. ويضعها في مسار يؤدي حتما إلى الهاوية.. فإذا لم يتدارك ربابنة هذه الدولة الأمر والنزول السريع من قطار الصهينة والتطبيع والإجرام، وركوب بدل ذلك قطار الوطنية الحقة، قطار المغرب الأصيل بتاريخه وقيمه وعروبته وإسلامه.. فإن الهاوية لا قدر الله ستكون محطته الأخيرة والمرتقبة..
لذلك، فقد أصبح لزاما على الشعب المغربي أن يتحمل مسؤوليته التاريخية والإنسانية من أجل الضغط على الدول المغربية بكل الوسائل السلمية والقانونية وحثها على النزول السريع من قطار التطبيع المشؤوم، والاصطفاف إلى جانب الشعب المغربي والفلسطيني في غزة، يجب تأسيس جبهة عريضة تحت شعار: الإنهاء الفوري للتطبيع وكل اتفاقياته.. حتى يسترجع المغرب دولة وشعبا مكانته الطبيعية ضمن محور التضامن اللامشروط مع الشعب الفلسطيني حتى التحرير وطرد الاحتلال.. على العلماء والمثقفين وكل النخب السياسية والحقوقية والمدنية قيادة وتأطير هذه الجبهة الشعبية، وأن تتحمل مسؤوليتها من أجل الضغط على الدولة لوضع حد لهذه السياسة المجانية للمنطق والأخلاق والدين والإنسانية..