الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

الدولة المغربية وأحداث غزة..

مواقف ضد الحق وخارج المنطق

عبد المولى المروري – كندا

حاولت أن أفهم وأستوعب حجم هذه المصالح الاستراتيجية المهمة والخطيرة التي تحرص الدولة المغربية على تحقيقها أو تخشى فقدانها وضياعها، إلى درجة أنْ تمنعها حتى عن إصدار بيان صغير جدا تشجب فيه جريمة اغتيال (إسماعيل هنية) …

فقبل يوم من اغتيال اسماعيل هنية، وخلال خطاب العرش أكد الملك على ضرورة استحضار القضية الفلسطينية التي لا يجب إهمالها بسبب مشاكل المغرب! فكيف تجاهل الموقف الرسمي المغربي جريمة اغتيال قائد سياسي مدني معروف بمعارضته الواضحة لأطروحة انفصاليي البوليساريو، وإيمانه بسيادة وأحقية المغرب على الصحراء المغربية، وكان ضيفا خاصة وعزيزا للمغرب بتعليمات ملكية؟

فمهما كان حجم المصالح التي تتوهم الدولة المغربية تحقيقها أو الحرص عليها، ومهما كانت طبيعة الاختلاف مع من كان ضحية هذا الإجرام، أو مع الدولة التي وقع داخل نطاق سيادتها، ففي نهاية المطاف يبقى ما قامت به عصابة الاحتلال جريمة قتل شخص مدني داخل دولة أخرى ذات سيادة.. وهذا يتنافى مع القوانين الدولية.. وحتى الأعداء والخصوم يتناسون خلافاتهم وخصوماتهم في مثل هذه المواقف والأحداث، ويتقدمون بواجب التعزية مع استنكار (ولو بروتوكولي) لهذه الجريمة! فما سر تجاهل الدولة لحدث خطير جدا هز العالم كله ووضعه على نار تزداد اتساعا والتهابا واستعارا؟ هل الموقف الرسمي للمغرب مع أم ضد هذا الاغتيال؟ المواقف الرمادية والضبابية لا مكان لها في مثل هذه الأحداث.

إن ما تقوم به عصابة الاحتلال ليس حربا عادية قد تسمح باتخاذ موقف الحياد، بل هي جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأعمال إبادة وحشية، تجاوزت تلك التي عرفتها الحرب بين التوتسي والهوتي، أو تلك التي وقعت في إقليم دارفور، أو في بورما، أو ضد مسلمي الروهينغا في إقليم ميانمار، أو حتى تلك المحرقة التي يدعيها اليهود تحت حكم هتلر والنازية.. فلقد تجاوز عدد الشهداء الأربعين ألفا دون احتساب آلاف الجثامين المدفونة تحت الأنقاض، واقترب عدد الأطفال الشهداء من سبعة عشر ألفا، ووصلت القنابل التي ألقاتها عصابة الاحتلال إلى ثمانين ألف طن، وهو رقم يتجاوز خمس قنابل نووية، كل ذلك على بقعة مجهرية من الكرة الأرضية وعلى شعب أعزل.. تجمعنا معه وحدة العرق والدين والتاريخ والإنسانية.. وإذا كان الحياد أمام هذه الجرائم يعتبر موقفا أخلاقيا كارثيا غير مقبول، فما بالك أمام موقف التجاهل، أو أمام استمرار التطبيع مع هؤلاء المجرمين؟

فإذا كان ما تقوم به عصابة الاحتلال يعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بمقتضى قرار المحكمة الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وبمقتضى الشرائع السماوية والإنسانية، وبمقتضى الضمير الإنساني، وبمقتضى الأخوة العربية والإسلامية، فما هو الموقف المناسب الذي يجب أن يتخذه النظام المغربي، هذا الموقف الذي من المفترض أن ينسجم مع تاريخ المغرب في دفاعه عن الأقصى وفلسطين، ويجب أن يمثل الشعب المغربي المحب للقدس وسكانه، ويمثل ملك المغرب بصفته أميرًا للمؤمنين ورئيسَ لجنة القدس؟

أمور كثيرة غير طبيعية وغير منطقية في السياسة الخارجية المغربية.. مواقف مضطربة وغير منسجمة لا مع مواقف المغرب التاريخية، ولا مع موقعه الجيوسياسي، ولا مع مكانته الدينية، ولا مع مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية.. بل ومتصادمة بشكل فج ومطلق مع روح وإرادة الشعب المغربي الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية دينية ووطنية ومركزية.. وقضية مصيرية..

الاضطراب والغرابة حتى وإن بدأت وبدت واضحة مع توقيع الاتفاق الثلاثي تحت مسمى اتفاقية أبراهام بذريعة الحصول على اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، إلا أن جنوح الدولة المغربية عن المسار المنسجم مع تاريخ المغرب وروحه وشعبه ظهر فجا وسمجا بعدما رفضت التصديق على عقوبات اقتصادية على عصابة الاحتلال إلى جانب خمس دول عربية أخرى في القمة العربية الإسلامية الأخيرة، إضافة إلى السماح لسفينة صهيونية الرسو بميناء آسفي، والأكثر فظاعة من كل ذلك هو السماح لسفينته مرة أخرى الرسو بميناء طنجة قصد التزود بالوقود والمؤن بعدما شاهد العالم وشهد على حرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها عصابة الاحتلال ضد شعب عربي مسلم أعزل!! وكل هذه القرارات والإجراءات تزيد من عمق الهوة بين الدولة المغربية ومحيطها الإقليمي، وبين النظام المغربي وشعبه..

الآن المنطقة مقبلة على حرب إقليمية مفتوحة، تسببت فيها العصابة الإجرامية وحدها، لا علاقة لها بأحداث 7 أكتوبر كما يروج الصهاينة وبعض المتصهينين في العالم ومن ضمنهم المتصهينين المغاربة، فما وقع في ذلك اليوم المشهود ما هو إلا نتيجة طبيعية لسنوات الاحتلال والعنصرية وغصب الأراضي وتهجير السكان وتقتيلهم وحصارهم.. فمن الطبيعي أنه ذات يوم «عادي» كانت المنطقة ستعرف حربا مفتوحة على كل شيء..

جريمة اغتيال اسماعيل هنية في طهران هو إعلان حرب إقليمية شاملة، فقد أججت هذه الجريمة البشعة الوضع أكثر وأكثر، ورفعت من منسوب التوتر والغليان، والرد الإيراني مسألة تخطيط ووقت، بعد أن رفعت الراية الحمراء ودقت طبول الحرب.. وها هي البوارج الأمريكية تحتل المتوسط والبحر الأحمر، وأبدت ألمانيا وبريطانيا استعداداتهما لحماية عصابة الاحتلال إلى جانب أمريكا.. وها هي الاتصالات الروسية الإيرانية أخذت أبعاد التنسيق العسكري، والرقمان المزعجان لأمريكا والغرب، الصين وكوريا الشمالية لن يقفا موقف المتفرج في حليف مستهدف من قبل القوى الغربية… فالمنطقة العربية والعالم الآن يقف على فوهة بركان هائج.. إذا لم يتم احتواء الأزمة بشكل سريع وذلك بالضغط على عصابة الاحتلال بتقديم تنازلات تكتيكية على أرض غزة إرضاء لإيران وصونا لماء وجهها.. والاكتفاء برد عسكري رمزي ومحدود..

وأمام كل هذا الوضع الضخم والرهيب يبدو المغرب أمامه مجرد لاعب صغير أمام عمالقة السلاح وأباطرة الحرب.. ومن العيب أن يكون مجرد محطة عبور صغيرة للبوارج الأمريكية، ومجرد قاعدة عسكرية خلفية يتم من خلالها دعم عصابة الاحتلال التي تبيد أهلنا في غزة!!

هذا الواقع المعقد الذي يتشكل بشكل سريع، ويزداد احتقانا وتوترا واشتعالا، ويتجه نحو المزيد من الوضوح والتمايز على مستوى التحالفات والاصطفافات التي تزداد توسعا وتأهبا، يفرض السؤال التالي نفسه، أين ستضع الدولة المغربية نفسها ضمن هذا الواقع؟ وما هو الموقع الذي ستختاره؟ هل إلى جانب المجرم، أم إلى جانب الضحية؟ هل إلى جانب المشروع الصهيوأمريكي، أم إلى جانب الأقصى المحتل والقضية العربية الاسلامية؟ هذا سؤال خطير ومصيري، لابد أن تجد له الدولة جوابا ينسجم مع دينها وعروبتها وتاريخها، ويحمي كيانها واستقرارها واستمرارها.. فلا يوجد نظام سياسي على وجه الأرض يستطيع أن يدعي القوة المطلقة والاستقرار الأبدي أمام أوضاع وأحداث لها القدرة على قلب كل شيء في لحظة زمنية مفاجئة وسريعة، لأنها قد تكون قاتلة ومدمرة عندما تتوفر شروطها.. فلا يصمد أي نظام سياسي متصادم مع روح شعبه ومصيره وهمومه وأهدافه مدة طويلة أمام طوفان الأحداث المتقلبة والملتهبة والمرعبة التي قد يتسبب فيها ذلك التصادم..

الأحداث والتطورات القادمة لن ترحم أي نظام سياسي وقَّع على صك الخيانة والخذلان والتآمر، ولا أي نظام سياسي ساهم من قريب أو بعيد، بالصمت أو بالإشادة في هذه المحرقة وحرب الإبادة التي لم يُعرف لها مثيل في العصر الحديث.. لذلك فالنظام المغربي الآن في وضع حرج للغاية إذا استمر داخل  هذا الاضطراب في مواقفه، وهذا الميل الصامت أحيانا، والواضح أحيانا أخرى لفائدة العصابة الإجرامية..

فأن تدير الدولة المغربية ظهرها للشعب الفلسطيني في لحظة إنسانية رهيبة، يعيش فيها تحت جرائم وحشية فظيعة، وفي فترة مضطربة إقليميا وعالميا أمر في منتهى الخطورة والغرابة.. أمر يستعصي على الفهم والتأويل.. ليس لأن ذلك يتعارض مع مكانة وموقع المغرب وعلاقته بالقضية الفلسطينية فحسب، بل لأن ذلك يشكل خطورة محققة وبليغة على كيان الدولة.. فمتى تدرك الدولة المغربية هذه الحقيقة؟

ومهما حاول المتصهينون المغاربة تبرير مواقف الدولة المغربية المتعارضة مع قيمها الدينية وانتمائها العربي وعمقها التاريخي حول ما يقع الآن على أرض فلسطين، ومهما حاولوا شيطنة المقاومة، ومهما حاولوا تزييف التاريخ والحقائق والأحداث الحالية والماضية.. ومهما حاولوا التماس الأعذار الواهية لعصابة الاحتلال بسبب موقعة 7 أكتوبر.. فكل ذلك ليس بمقدوره التغطية على الجرائم الوحشية والفظيعة التي ترتكبها العصابة الإجرامية في حق الأطفال والنساء والشيوخ العزل، ولن تجنب الاحتلال الإدانة العالمية والمتابعات الجنائية والعزلة الدولية.. ولن تحميه من الزوال الحتمي والمؤكد.. لذلك، فبدل أن يوغل هؤلاء في صهيونيتهم، ويجدوا أنفسهم قريبا في قمامات ومزابل التاريخ، عليهم أن يعودوا سريعا إلى الحق والمنطق والصواب، والاصطفاف إلى جانب أهلنا في غزة، وإلى جانب الإنسانية والعدالة، إلى جانب الشعب المغربي وقيمه وتاريخه.. فالتاريخ لن يرحمهم، وسرعة الأحداث لن تنتظرهم، ودماء وأرواح الأطفال الأبرياء لن تسامحهم..

يجب الإقرار أن الدولة المغربية حاليا في حالة اصطدام عنيف مع عروبتها وإسلامها وتاريخها وقيمها وشعبها.. وضع لا يتناسب ولا ينسجم مع طبيعة الدولة المغربية العريقة في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية منذ نشأتها مع إدريس الأول ومرورا بجميع الدول المتعاقبة على حكم المغرب.. فهل هناك بنية صهيونية سرية داخل الدولة لها من القوة والنفوذ بالشكل الذي يجعلها تضغط في اتجاه خروج المغرب عن طبيعته ودوره الحقيقي؟ لأنه من العسير فهم ما يقوم به المغرب حاليا اتجاه مع يقع في غزة!!

الحل هو خروج المغرب من اتفاقيات أبراهام ونزوله سريعا من قطار التطبيع، لأن ذلك أصبح واجبا أخلاقيا وضرورة سياسية وحاجة أمنية، لأن قطار التطبيع السريع الذي تقوده أمريكا بعجرفة وتهور يأخذ العالم إلى الدمار، ويأخذ راكبيه إلى الزوال، والهاوية هي محطته النهائية والحتمية، لا شك ولا ريب في ذلك!! فاعتبروا يا أولي الألباب!


Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!