مرفوض كل ما يصدر عن مؤسسات دستورية مغشوشة
البدالي صافي الدين/المغرب
إن الدول التي تجتهد للخروج من دائرة البؤس الاجتماعي والتخلف الاقتصادي اتخذت لنفسها الديمقراطية الحقة كسبيل لإرساء أسس ومبادئ الأخلاق السياسية و تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، و جعلت من القضاء مؤسسة العدل و المساواة، كمؤسسة قوية و مستقلة لممارسة العدالة الحقيقية في المتابعات و في الأحكام. و إن وجد بالمؤسسات التشريعية منتخبون تحوم حولهم شبهة التزوير أو النصب أو الرشوة أو جريمة مالية، فإنها تقوم بحل هذه المؤسسات لأنها أصبحت مغشوشة و تنتصر للغش و التزوير، لذلك فإن حلها أصبح هو الحل الأنسب بالنسبة للشعب وإجراء انتخابات سابقة لأوانها. إلا أنه في بلادنا و بكل أسف، في كل مرحلة انتخابية تشريعية تسعى الدولة إلى تكريس كل أشكال التزوير و الغش من أجل إفراز منتخبين جماعيين أو برلمانيين بالغرفتين الأولى و الثانية يكونون تحت الطلب الحكومي و محكومون بتصريف سياستها التي تخدم المصالح الخاصة و تتخذ من هذه المؤسسات الدستورية مجالات للريع و قضاء المصالح الشخصية والبحث عن حياة البريستيج من خلال مظاهر الإسراف في الإنفاق على أنفسهم و على دويهم و تبديد المال العام و تجاهل القضايا الأساسية التي تساعد على تقدم البلاد من خلال برامج تنموية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية.
فمنذ فجر الاستقلال الشكلي تحاول الدولة أن تتجنب التنزيل الحقيقي للديمقراطية حتى تظل متحكمة في المشهد السياسي و حتى لا تتمكن المعارضة من اليسار و الأحزاب التقدمية من تحقيق أغلبية في كل الانتخابات. حيث في كل مرحلة انتخابية تؤسس حزبا جديدا لمحاربة امتداد الأحزاب الوطنية و التقدمية و محاربة الامتداد اليساري، بدءا من تأسيس حزب الحركة الشعبية لأحرضان سنة 1959 ثم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (FDIC) ل” رضا اكديرة” بتاريخ 20 مارس 1963، إلى التجمع الوطني للأحرار بقيادة أحمد عصمان إلى الاتحاد الدستوري بقيادة المعطي بوعبيد الى حزب الأصالة المعاصرة. و كل حزب جديد يتغذى من أغلبية المنخرطين التي كانت في الأحزاب السابقة في إطار ترتيب جديد للمشهد السياسي و التحكم فيه.
لقد ظلت الانتخابات في المغرب مسرحا للتزوير المباشر وغير المباشر و اللعب على تقسيم و إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية لفائدة الأحزاب أو الأشخاص المرغوب فيهم للحصول على مقعد برلماني أو مستشار جماعي. و في الغالب ما تكون الأغلبية محسومة بالنسبة لمجلس النواب أو مجلس المستشارين أو بالنسبة للجماعات الترابية الإقليمية و الجهوية و بالنسبة للغرف المهنية .
و إنه من الطبيعي أن نجد من بين البرلمانيين و من بين مستشارين جماعيين من تحوم حولهم شبهة التزوير و نهب المال العام و النصب الاحتيال ، لأن ذلك ما علمتهم إياهم أحزابهم التي تأسست لملئ المقاعد و الاستفادة الريعية و توظيف الأقرباء و الأحباب و الأبناء والحفدة. ويستغلون شبه الفراغ القضائي و بطؤ في مساطر المتابعة و استغلال مراكز النفوذ للإفلات من العقاب. وإذا ما أخذنا كنموذج مرحلة انتخابات 2021، فإن الدور الذي قامت به الجمعية المغربية حماية المال العام على المستوى الوطني و الجهوي من خلال تقديم شكايات ضد جماعات محلية و إقليمية و جهوية لدى الوكلاء العامين بمحاكم الاستئناف بالمملكة حول الفساد ونهب المال العام و التزوير، وأيضا ما كشفت عنه تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية من شبهات طالت مالية الجماعات والمجالس الإقليمية أو الجهوية و كذلك استغلال النفوذ من أجل نهب أراضي الدولة أو أراضي الجموع أو الأراضي السلالية، أو ما كشفت عنه شكايات عدد من المستشارين الجماعيين في المعارضة حول الاختلالات المالية و التزوير في إسناد الصفقات و حجم النفقات غير المبررة.
ولذلك كانت الحصيلة جد مؤسفة كما يعلمها الجميع في هذه المرحلة التشريعية ( 8 شتنبر 2021 ) ، وهي مرحلة عرفت تشوها للمؤسسات التشريعية من برلمان و مجلس المستشارين و جماعات ترابية محلية و إقليمية و جهوية حيث هناك متابعة 10 رؤساء مجالس عمالات وأقاليم أمام محاكم جرائم الأموال ، و محاكمة واعتقال رئيس مجلس إقليمي و وجود 30 برلمانيا رهن الاعتقال، و هناك 44 برلمانيا متابعين أمام محاكم جرائم الأموال ، و وجود 20 رئيس جماعة رهن الاعتقال، و وجود 100 رئيس جماعة ومنتخبين متابعين أمام محاكم جرائم الاموال، و هناك 30 رئيس جماعة مهددين بالعزل طبقا للمادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات، خلال سنة 2024 فقط. هذا بالإضافة إلى عدد من البرلمانيين و رؤساء جماعات الذين لا زالت ملفاتهم تستفيد من قلة الأطر القضائية و من تعقيدات مساطر البحث و التحري في ملفاتهم المطروحة على محاكم جرائم الأموال بالمملكة.
إن هذه المظاهر التي أصبحت تشوه المؤسسات الدستورية و تفقدها مصداقيتها على المستوى الوطني والدولي، أصبحت تتطلب التعجيل بحلها وإجراء انتخابات سابقة لأوانها مع وضع مساطر صارمة عند الترشيح و تفعيل مبدأ المساءلة و المحاسبة و ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.