يامين جمال…
17 سنة على الانتقال من المغرب لإسبانيا بقرار حاسم وتاريخي
مقالات السبت-9- محمد الشنتوف*.
* باحث في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات.
عندما كان عمرك 17 سنة، ما الذي كنت تفعله في هذه الحياة؟، ما الذي يجعل شخصا يحقق أحلامه في سن مبكرة؟، وٱخر، لا يحقق أي منها طيلة حياته؟ ، هناك قرارات يمكن أن نصنع بها التغيير، هذه القرارات ليست كأي قرار بسيط، يجعلك تختار شرب الشاي بدل القهوة، هذه القرارات، يمكن أن تسرق منك العمر، الوطن، الراحة النفسية، أموالك، وأشياء أخرى.
يامين جمال، لاعب المنتخب الإسباني ذوا الأصول المغربية نموذج لما قيل هنا عن زمن الأحلام والقرارات الحاسمة، في يوم ما قرر والده (37 سنة)، الهجرة من المغرب لإسبانيا، على متن ما يسمى بقوارب المو-ت، قارب منها، اتضح بعد مرور هذه السنوات، أنه لم يكن سوى قارب حياة، المو-ت الحقيقي هو البقاء في أماكن لا نرتاح فيها، لا توفر لنا تلك الاسباب البسيطة للسعادة والنجاح، تشعرنا بللامعنى في كل شيئ، يبقى الوطن وطنا، ومنازلنا منازل، انما نحن نوطن حيث ما وجدت ظروف الحياة الكريمة ونسكن للأحضان التي تستقبلنا بحب، فتصبح الغربة وطنا، ويصبح الغريب حبيبا، ونكتب تلك القصص الجميلة، كقصة الإبن الأمين جمال نصراوي.
بالنسبة للأب، كانت هذه مغامرة العمر، صفقة العمر، صفقة انتقال تاريخية من المغرب لإسبانيا، هل كان يعلم أنها كذلك؟ كان بالإمكان أن يغرق القارب في البحر، لكن الأحلام وصلت إلى بر الأمان، كان بالإمكان أن لا يأتي اللاعب الاسباني المغربي “الأمين جمال”، الذي أصبح أصغر هداف في بطولة عالمية إسمها كأس أمم أوروبا، من إفريقيا ينتقل والدك ذات يوم لأوروبا عبر قوارب الهجرة السرية، لتصبح أنت اليوم بطلا من أبطال أوروبا في عمر الزهور، يا لها من قصة ملهمة، تشجع على الهجرة ؟ أليس كذلك؟، ربما!.
في الحقيقة، أنا لا أشجع على الهجرة التي لا مانع بينها وبين النهايات الحزينة بشكل واضح، ولكن النهايات الحزينة احتمال من الاحتمالات في الحياة برمتها، ولهذا أشجع على الهجرة مع الاحتياطات اللازمة والكمال على الله، مما يعني أن المغامرة أحيانا تكون هي القرار الأنسب، في ظل توفر العديد من المعطيات التي تفيد بأن البقاء لن يكون سوى مضيعة للوقت، بكل وضوح ، هناك مستقبل واضح لا يقبل التغيير للأفضل إذا لم نغامر في الحاضر. يبقى الوطن وطنا، والأسر أسرا، إنما هناك فرق بين من بصنع النجاح ويصنع الفشل، قد تصنع دار الأيتام رجالا يخدمون الوطن أكثر مما يخدمه سكان القصور والقبور.
هناك ماضي يؤكد لنا بعض المعطيات عن من عاش طول حياته وهو يخاف، يخاف من الموت ويخاف من الحياة ومن الجيران، ومن أسرته نظير أمر ما، ويخاف من رب العمل، ويخاف أن بخسر هذا، ولا يكون مع ذاك، يخاف من السياسة، والأحزاب والجمعيات والنقابات، يخاف من كل شيئ، تمر سنوات العمر في لمح البصر، لا يتذكر في حياته أي مغامرة تستحق الذكرى، عاش 50 سنة من الخوف ولا زال يخاف من شيئ ما، في حين، من يغامر، يضع نفسه أمام خياري النصر أو الهزيمة، في الحالتين، له شرف المحاولة، دون القاء نفسه إلى التهلكة، فالمغامرة يجب أن تكون بذكاء ومع توفر بعض أسباب النجاح، فأن تركب قاربا في عرض البحر، وما دام هناك قارب وبحر، فأسباب النجاح متوفرة ويمكنك المغامرة، ليس كل من هاجر، استطاع أن يوفر أسباب النجاح، هناك مغامرون قلائل، وهناك فاشلون في أي مكان، لا ذنب للأماكن والاوطان، كان بإمكان يامين جمال أن يلعب للمنتخب الوطني المغربي لو اختار الوطن أب يامين جمال في وقت من الأوقات وشجع أحلامه، اليوم جاز لنا أن نقول، عيد ميلاد سعبد يامين جمال…17 سنة على الانتقال من المغرب لإسبانيا بقرار حاسم، ويا له من قرار حاسم وتاريخي فعلا، بعد الهجرة، أكيد ما فعله الأب كان كفيلا بتحقيق الامنيات العظيمة، فيا له من أب عظيم، ويا لها من أسرة عظيمة، تجمع إفريقبا بأوروبا، وتجمع المغرب بإفريقيا واوروبا، وتجمع العالم على تقدير ثمرة هذا الجمع الجميل.