التعبير بلاشيء
ثريا الطاهري الورطاسي
كلمة “الشيء” يشمل معناها الموجود والمعدوم، ويُمثل غالبا بالقيمة “صفر ” . ولاشيء هو عبارة مختصرة، نلجأ اليها عندما تلتهمنا المواجع و تتلاشى خيوط البوح أو تنعدم ، وعندها يمتلئ القلب بهذا الكل ، فنعجز عن التعبير عما بدواخلنا لأن خروج الكلمات حينها يكون علينا عصيا ، كما أن تفسيرها يبقى موجعا ومؤلما ، وغالبا ما لا يُفهم وجعنا . وعندما نُسأل فانا نكتفي قائلين : ” لاشيء ” لأن كل شيء يمر، ومع ذلك يبقى الامر غير منسي ، وربما حتى إلى الأبد . رغم ان هذا المسمى ب ” لاشيء” يظل ساكنا في دواخلنا ومقلقا لراحتنا وسكوننا .
فعندما نجرح أو نهان من اي كان ، فان الامنا تكون أقوى بكثير من أي بوح أوحتى صراخ ، ومعها يبقى القلب ينزف بالأوجاع الجارحة ، وقد نُسأل : مابكم ؟ ماذا جرى ؟ فيكون جوابنا بتلك الكلمة السحرية ” لاشيء ” ، وتبقى اجاباتنا في جوهرها مجرد أفعال غالبا تمنعها الرغبة في التعبير الصريح والبوح الشافي ، وعندئد نكتفي ب ” لاشيء ” أو قول “والو ” حتى لانخسر الاخرين ، ولو أنهم على تعبير الفيلسوف الوجودي سارتر هم جهنم .فيبقى التعامل هنا بطبعنا وانطلاقا منه ، وليس بطبعهم مهما تعددت تصرفاتهم أو تنوعت علما أن هذا ليس ضعفا بالمرة ، فالقوة ليست دائما فيما نجيب به أو نقوله ، بل هي في الكثير من الاحيان تكمن فيما نصمت عنه، وفيما نتجاهله عن قصد أو غير قصد .
فعندما نكون في أمس الحاجة إلى شيء ما ونُسأل : هل أنتم في حاجة لشيء ما ؟ ونجيب ب “لاشيء” حرصا على عزة النفس ، سيما وان الحال يحكي بما لايقال . وعموما يبقى الإيمان هنا هو ذاك النور المشع الساكن في قلوبنا ، والمستمد من اقتناعنا الراسخ بمختلف القيم الكونية الصائنة لكرامة الفرد والمشبعة بشعائر الايمان والطهر الدائمين .
و حينما تتعبنا التراكمات، وتجثوا جبال الهم فوق صدورنا بكلكلها ، فاننا نتألم حتى يُظن أننا انتهينا ، او انا سائرون في ذاك المنحى ، وقد نلجأ الى البكاء في الكثير من أوقات عجزنا وضعفنا، ثم نعود بعدها لرداء الابتسامة ومطية التناسي ، رغم كل الانكسارات والضربات ، باحثين عن الأمان والصفاء الذي قد لا نجده في الكثير من الأحيان، فتمطرنا الأسئلة المتنوعة والمستمدة من لازمة ماالأمر؟ و عندها تكون كلمة” لاشيء” أو”والو ” هي البلسم الشافي و الأجدى من كل أشكال التعبير .
و هكذا تبقى الكثير من خطاباتنا مثقلة بالعديد من الأسئلة التي لايجاب عنها الا بالكلمة القن الملخصة في لاشيء ، او يعوض عن كل ذلك بالمثل المغربي: نركبوا الهبال . أو نختيار امتطاء قاطرة الصمت والسكوت في العديد من الحالات . وقد تدفعنا الظروف للاختباء وراء هذا اللاشيء حتى لانتحول نحن وألامنا الى قصص للترفيه اوالى أحاديث السمر والنميمة ، اوكما يقول المثل الشعبي المغربي يشربو بنا اتاي. و يتراقصون على أنغام جراحنا خاصة عندما نكتشف أننا تعاملنا مع أشباه الأقارب وأشباه الأصدقاء .
وأحيانا نكون ملزمين باخفاء اوجاعنا عن طريق الابتسامة الزائفة والتمظهر بما لا نحن فيه أو عليه ، بحثا عن راحتنا وهروبا من أي احراج لنا او للاخرين ، والحالة هذه فان اكثر الابتسامات وجعا ، تلك التي تأتي من بعد حديث طوعي وصادق عن أحلامنا ، مع ذاك الآخر أو البوح أمامها وأمامه بسر من الأسرار ذات الصلة بصبرنا، او بأحزاننا أو بما له علاقة بنا من قريب او حتى من بعيد . وحتى نرتاح ونكون في مأمن من الطوارىء ، ينبغي ان نحرص على دفن كل الأمور التي اخفيناها ولم نبح بها الا للمقربين جدا والحرصين على التزام الصمت وكف الأذى ، لان التعبير بالسكوت أحسن من قول كلمة لا شيء خاصة عندما نكون في حضرة بعض العقليات المحلقة خارج السرب ، او مع بعض الأفواه والألسن الطويلة التي تتفنن في الاساءة وادماء الجروح . ويبقى اختيار الصمت أفضل حالة حمائية لنا من شرور أولئك اللامبالون ، ونكون والحالة هذه مجبرين على عدم الخلط بين لا شيء والسكوت ، لان اللاشيء هو وضع نقطة والرجوع الى السطر واعلان الانتهاء من اختيار أي جواب في حين أن السكوت هو اختيار الصمت.
وأحيانا نكون ملزمين بان نتعامل مع معطيات الحياة بوسطية، بعدها الأول ينطلق من ضرورة أن نواجه بأدب أو نتصرف بذكاء ملوحين بالأصابع والحال يقول لاشيء ، أما بعدها الثاني فيؤكد على اختيار الإبتعاد بدون نقاش او عناء ، ودون عتاب لأننا في المكان الخطأ ، ندير ظهرنا ونترك ذاك الآخر يفهمها كما يشاء ،فلا شيء عاد مهما .
وعطفا على كل ماتقدم ، وتأسيسا عليه فلا مناص لنا في أن نكون صامتين وكل شيء بداخلنا يتكلم ، وعندئد فلا أحد يفهم معنى أن دواخلنا تغلي وتفور ، ونحن في قمة الثبات ، وحرصا على تشبتنا بكرامتنا وقيمنا واخلاقنا ونظافة سرائرنا فانا نختصر احاسيسنا ومشاعرنا ونجمعها تحت قناع زائف وتنكري وابتسامة هادئة ، تخدم الرياء العاطفي عندنا ، فانا نستجمعها تلكم الكلمة السحرية، المحددة في القول بلاشيء .
ومهما يكن من أمر وحتى وإن لم يحدث أي شيء ، نكون قد أحسنا الظن بالله ، عسى أن يجبر قلوبنا ، فلا أحد سواه قادر على فعل ذلك بنا .
طنجة في 21 ديسمبر 2022