الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

المصطفى الرميد

طائر يغرد داخل قفص صاحبه (2)

الرميد وحقوق الإنسان

 

 

 

 

عبد المولى المروري

 

 

إن المواضيع التي تناولها الأستاذ المصطفى الرميد من التعقيد والدقة ما يفرض على كل من حاول التفاعل معها، تأييدا أو انتقادا، أن يكون حذرا ودقيقا، حتى لا يسقط في مزايدات لا تفيد في شيء، أو في تصفية حسابات تافهة تزيد الوضع التنظيمي للحزب تعقيدا وتأزما..

 

ومن جهة أخرى، فإن ما تقدم به الأستاذ المصطفى الرميد هو عبارة عن مفاهيم ورؤى وتصورات تحمل وجهات نظر عديدة ومتباينة، أكثر منها معلومات وأخبار تقتضي التبين والتحري، الأمر الذي يجعل البحث عن الحقيقة والصواب في حواره أمرا متعذرا وشبهة مستحيل.. لذلك فإن محاولتي التفاعل مع جل ما تطرق إليه الأستاذ الرميد هي عبارة عن وجهة نظر أخرى قد تتفق أو تختلف معه، سعيا وراء إغناء النقاش والرفع من مستواه ونضجه بالشكل الذي يفتح آفاق واسعة للحوار، والوصول إلى أقصى نقطة من الشجاعة والجرأة في تناول كل المواضيع الحارقة بعيدا عن الخوف الذي يمنع المبادرة وحرية الرأي، والتحفظ المخل والمعرقل للوصول إلى الحقيقة..

 

1/ المصطفى الرميد وحقوق الإنسان:

 

وهذا أول ملف سأتناوله في مناقشتي هاته، لما يكتسي من أهمية خاصة وخطيرة بالنظر للواقع الحقوقي، خاصة في الفترة التي تحمل فيها وزارة حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان..

 

وقبل ذلك، ما زلت أتذكر قولة جميلة قالها الأستاذ المصطفى الرميد عندما تولى حقيبة وزارة العدل في حكومة عبد الإله ابن كيران واضطر إلى التخلي عن رئاسة منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، قال فيها: أنا هوايا في حقوق الإنسان أكثر من السياسة، تعبيرا منه على اهتمامه وحبه للنضال في مجال حقوق الإنسان أكثر من نضاله في العمل السياسي. وما زلت أتذكر كل نضالاته الحقوقية القوية خلال قيادته للمنتدى، وتفاعله المتميز ما كل التجاوزات والانتهاكات التي كان يذهب ضحيتها الكثير من المتابعين في العديد من القضايا، وفي ملفات المتابعين بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب على وجه الخصوص.. وكان خلالها شديدا وحريصا على التدقيق والتأكد من صحة ادعاءات الضحية قبل التعاطي مع ملفه وتبني قضيته الحقوقية، تفاديا للوقوع في مزايدات أو تجاوزات قد تسيء لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، أو تؤثر على مصداقيته ونزاهة نضالاته أمام المؤسسات الرسمية والرأي العام..

 

أ – حقوق الإنسان خلال مرحلة 1012/2016

 

من جملة ما قاله الأستاذ المصطفى الرميد في حواره:

 

أصبح هناك في المرحلة التي نعيشها انضباطا حقوقيا وقانونيا في أداء الأجهزة الأمنية”..

 

“من 1012 إلى 2017 لم تقع حالة اختطاف واحدة فضلا عن التعذيب الممنهج”..

 

ولعل – هنا – الأستاذ الرميد يقصد الأجهزة الأمنية المكلفة بالبحث والتحري والتفتيش وجمع الأدلة ومنع الجريمة، وكل أعمال رجال الأمن والضابطة القضائية.. وبالتالي هو – والله أعلم – يبرؤ كل هذه الأجهزة من الوقوع في تجاوزات قانونية أو انتهاكات لحقوق المشتبه فيه قبل توجيه الاتهام إليه رسميا..

 

هذا الكلام يفرض علينا قراءته وتحليله في سياق التحولات التي عرفها بعض دول الوطن العربي الذي زارته رياح الربيع العربي، خلال مرحلتين، المرحلة الأولى من 1012 إلى 1016، والمرحلة الثانية من 2016 إلى 2017، ثم ما الذي وقع بعد سنة 2017؟

 

المغرب شأنه شأن تلك الدول التي تأثرت مؤقتا بالتغيير الذي جاء به الربيع العربي، الذي ساهم في إحداث بعض التغييرات السطحية في المشهد السياسي والحقوقي، بعد أن تزعم هذا المشهد خلال تلك المرحلة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وبذلك حصل نوع من الانفراج كما هو ملاحظ ومعروف لدى الجميع..

 

وبعد الردة الحقوقية والسياسية التي أدخلت دول الربيع العربي القصير إلى أجواء الخريف الذي طالت مدته، ومن ضمنها المغرب، لابد أن نطرح الأسئلة التالية:

 

ــ هل الانفراج الحقوقي الذي شهده المغرب خلال الفترة المذكورة كان بسبب تحول ما في العقيدة الأمنية للدولة، وانتقلت بذلك من دولة كانت تنتهك حقوق الإنسان إلى دولة تحترمها؟ أم ذلك مجرد تحول تكتيكي أملته ظروف الربيع العربي وحساسية المرحلة؟

 

ــ وهل الانضباط الحقوقي والقانوني الذي يتحدث عنه الأستاذ الرميد والذي تولد فجأة في مخافر الشرطة وأقبيتها ناتج عن قناعة بضرورة وأهمية هذا التحول؟ وهل هو ناجم عن وعي بضرورة القطع مع ممارسات الماضي وانتهاكاته، وتطبيقا للقانون واحتراما للمواثيق الدولية في هذا الشأن؟ أم هناك أسباب أخرى هي أعمق مما صرح به الأستاذ الرميد، مرتبطة بحقيقة الدولة، والظرفية التي تمر منها بالنظر إلى غموض المرحلة وترقب وتربص من جهتها لما ستسفر عنه الأيام القادمة؟

 

ــ وهل مرت المرحلة الأولى (1012 – 1016) دون وقوع أحداث خطيرة تسفر عن حقيقة الوجه الذي حاولت الدولة إخفاءه خلال تلك المرحلة؟

 

وهنا لابد من التذكير ببعض الحوادث التي أغضبت الرأي العام والحركة الحقوقية بالمغرب، الأولى: اعتقال الصحفي علي أنوزلا على خلفية نشره لشريط فيديو في موقعه “لكم” مأخوذ من اليوتيوب منسوب إلى تنظيم القاعدة، خلال شهر شتنبر 2013، الأمر الذي اعتبره العديد من الصحفيين والحقوقيين مصادرة خطير لحرية النشر والتعبير، وانتهاكا كبيرا لحقوق الإنسان، خاصة مع طريقة تعامل الفرقة الوطنية مع الملف.. وترتب عن ذلك ردود فعل وضغوط دولية ووطنية حقوقية وإعلامية قوية، انتهت بإطلاق سراحه ومتابعته في حالة سراح، خاصة مع تزامن ذلك مع العفو المستهجن عن البيدوفيل دانييل.. وللتاريخ فإن الصحفي توفيق بوعشرين لعب دورا مهما حينها في الدفاع والتضامن مع الصحفي علي أنوزلا وفي الحل الإيجابي الذي انتهى إليه الملف.

 

والحادثة الثانية هي اعتقال خمسة أعضاء من شبيبة العدالة والتنمية خلال شهر دجنبر 2016 بتهمة الإشادة بالإرهاب بعد مقتل السفير الروسي بتركيا، الأمر الذي خلف انزعاجا واحتجاجات في صفوف حزب العدالة والتنمية وشبيبته، وانتهى هذا الملف هو الآخر بالإفراج عن كل معتقلي هذه القضية بعد ممارسة ضغط كبير..

 

وخلال هذه المرحلة وقعت مجموعة من الأحداث التي تعكس رغبة الدولة في الحفاظ على منهجها، واختبار مناعة الشارع والأحزاب، ولا سيما اختبار طريقة تفاعل حكومة عبد الإله ابن كيران مع ما تتخذه من إجراءات ذات بعد أمني، ويمكن أن نذكر منها منع نشاط فني كان سيحضره رئيس الحكومة نفسه بمدينة طنجة، كانت ستنظمه شبيبة العدالة والتنمية، وقد عللت السلطة حينها هذا المنع بدواعي أمنية، الأمر الذي خضع له الحزب وأمينه العام..

ومنها أيضا قيام رجال الأمن بقمع مظاهرة احتجاجية بأوامر مباشرة من وزير الداخلية دون استئذان أو إعلام لرئيس حكومته آنذاك عبد الإله ابن كيران، الأمر الذي فتح المجال للعديد من التساؤلات حول علاقة وزارة الداخلية بالحكومة، وهل يدخل الملف الأمني ضمن مجال عملها واهتماماتها، أم هو شأن خاص خارج اختصاص الحكومة ورئيسها؟

 

وخلال المرحلة نفسها لم تتوقف المحاكمات على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، بل استمرت وتكاثرت بطريقة غريبة، ويبدو أن الدولة ظلت مسكونة بهاجس 16 ماي، بعد القرار الاستراتيجي الذي اتخذته الدولة المغربية بالانضمام إلى الحلف الأمريكي لمكافحة الإرهاب حسب الرؤية والمفهوم الأمريكي، مع ما يستتبع ذلك من الاستفادة من حصة معتبرة من ميزانية ذلك الحلف وعطاياه السخية على كل الحملات والمحاكمات التي تلاحق المتهمين على خلفية ملفات الإرهاب، ولا أعتقد أن ذلك كان خافيا على حكومة عبد الإله ابن كيران ووزيره في العدل والحريات.

 

وحتى وإن اختفت مظاهر الاختطاف والتعذيب الممنهج كما صرح بذلك الأستاذ الرميد.. فإن المحاكمات كانت موضوع تساؤلات حول قانونيتها وعدالتها ونزاهتها، وهذا ما تضمنته العديد من التقارير الحقوقية الوطنية والدولية.. الأمر الذي يفرض إعادة تعريف الاختطاف والتعذيب الممنهج، هل هو بالضرورة ذلك المفهوم والتعريف التقليدي القديم الذي يعني اختطاف الضحية في سيارة سوداء واقتياده إلى جهة مجهولة مكبل اليدين ومعصوب العينين؟ وهل التعذيب هو وضع الضحية مكبلا على كرسي تحت الضربات بالعصي والصعق بالكهرباء؟ أم إن الظاهرتين أخذتا مفهوما وتعريفا آخر ينسجم مع التطورات الحاصلة في هذا المجال اتقاء للتقارير السيئة التي تدين الأنظمة الأمنية، وهذا ما سيأتي بيانه في الحلقات القادمة..

 

لا أدري هل كان من الصواب القول إن تلك المرحلة التي عرفت انتهاكات خطيرة للغاية – بإقرار الملك نفسه – “ذهبت بما لها وما عليها”، حسب تعبير الرميد من أجل التوقف هناك دون البحث عن الحقيقة؟ وهل من الضروري تأجيل البحث وإظهار الحقيقة في انتظار جيل آخر قد يأتي وقد لا يأتي، والأكيد ألا علاق لهذا الجيل بهذه الأحداث، تحت ذريعة “إذا لم نستطع إظهار الحقيقة اليوم ستظهر غدا مع جيل آخر”، حسب تعبير الرميد مرة أخرى؟ فما فائدة ذلك حينها؟ أليس من باب العدل والإنصاف، إذا كنا حقا في دولة الحق والقانون، أن يعاد النظر في كل تلك المحاكمات التي عرفتها تلك المرحلة المظلمة، سواء قبل 2012 أو بعدها إحقاقا للحق وإنصافا للمظلوم وجبرا لضرر ومآسي ضحايا تلك المرحلة؟ وهل يقبل العدل التأجيل؟ ولماذا هذا التأجيل أصلا؟

 

وقبل إغلاق هذه الفقرة، وفي رأيي المتواضع لابد من فتح ملفات تلك الحقبة بما لها وما عليها، بحضور جميع أطرافها الذين عايشوها خلال هذا الجيل نفسه، سواء تعلق الأمر بضحايا المحاكمات، أو المسؤولين الأمنيين أو السياسيين الذين عاصروا وعايشوا هذه الفترة، مع ترتيب ما يجب حقوقيا وقانونيا..

 

وفي الحقيقة لم أكن قط مطمئنا لسنوات العسل التي انغمس فيها وزراء العدالة والتنمية، حيث كانت الدولة تظهر بين الفينة والأخرى عن حقيقتها المتأصلة المتمثلة في ضبط إيقاع عمل الوزراء على أوزانها ونغماتها ووفق رؤيتها، وهذا ما سأعود إليه لاحقا..

 

وقد تأكد لي ذلك من خلال تجربة شخصية عشتها خلال شتاء 2015، عندما عرفت المناطق الجنوبية المغربية فيضانات استثنائية تسببت في تشريد العديد من الأسر وتدمير العديد من القرى النائية في نواحي تيزنيت وسيدي إفني.. فقمت إلى جانب بعض الجمعيات الاجتماعية المحلية من مختلف التوجهات بجمع تبرعات مهمة عبارة عن ملابس وأغطية ومواد غذائية وصلت إلى 28 طن محملة في شاحنتين كبيرتين.. وبعد اتخاذ جميع التدابير القانونية، وإعلام السلطات المحلية، ولحظة انطلاق الشاحنتين تدخلت السلطة من أجل منع انطلاق الشاحنتين في اتجاه المناطق المنكوبة بدعوى عدم توفر الجمعيات على صفة المصلحة العامة..

 

ورغم القيام بالعديد من الاتصالات، خاصة على مستوى بعض وزراء العدالة والتنمية قصد التدخل وإقناع وزارة الداخلية من أجل السماح للشاحنتين بالانطلاق لإيصال المساعدات إلى المحتاجين، ولو كان ذلك تحت إشراف ووصاية وزارة الداخلية أو أي جمعية تختارها تحمل تلك الصفة الاستثنائية، علما أنه مرت أمامنا حالات لجمعيات أخرى قامت بالعمل نفسه دون توفرها على صفة المنفعة العامة..

 

لقد فشلت جميع المساعي التي قمنا بها حتى يستفيد سكان تلك القرى المنكوبة بسبب الفيضانات، وظهر خلالها عجز وزراء العدالة التنمية – الذين طلبنا منهم التدخل – أمام نفوذ وقوة وزارة الداخلية، مع حرمان تلك المناطق من تلك المساعدات ومصادرة الجزء الأكبر منها من غير وجه حق، ونقلها إلى وجهة مجهولة دون محضر يثبت ذلك.. مما يؤكد استمرار نهج الدولة في التضييق على كل مبادرات المجتمع المدني ولو كان الهدف إنساني محض، أو في اتجاه مساعدة الدولة على تحمل بعض الأعباء الخيرية، خاصة تلك التي لها علاقة بالتواصل المباشر مع المواطنين، الأمر الذي أصابني وباقي الفاعلين المدنيين بإحباط شديد، وليتأكد معه بدايات عودة الدولة إلى سابق عهدها بعد فترة سبات مؤقت..

 

هذه حالة من حالات عديدة ظهرت فيها قوة الدولة من خلال وزارة الداخلية التي تهيمن على كل ما له علاقة مباشرة بالمواطنين، ولا تترك أي فرصة لأي جهة قصد منافستها أو ملئ جزءا من الفراغ، وقد ظهر ذلك جليا خلال جائحة كورونا، وهي الفترة التي سيكون لها نصيب في هذا الموضوع.. حيث ظهرت وزارة الداخلية أكبر بكثير من الحكومة كلها بجميع وزراءها، وعلى رأسهم رئيسها عبد الإله ابن كيران.

 

قد تبدو هذه الأحداث وغيرها – التي لا يتسع المقام لذكرها – بسيطة أو معزولة ولا أهمية لها، ولكن المحلل السياسي والحقوقي لن تفوته هذه التفاصيل الدقيقة، والبحث في دلالاتها وأبعادها، خاصة مع الدستور الجديد الذي ارتقى بمكانة حرية التعبير وحقوق الإنسان، ودور المجتمع المدني، وتطبيق القانون وفصل السلط واحترام اختصاصات الحكومة.. وغيرها من شعارات المرحلة التي ظهر زيفها مع توالي الأحداث والسنوات.

 

ولا أدري إلى أي حد تعامل حزب العدالة والتنمية من خلال وزراءه مع هذه التفاصيل الصغيرة ذات دلالات عميقة، وهل وضعوا لها قراءة موضوعية ومتأنية وذلك حرصا من عدم الانسياق وراء الأجواء الوردية التي كان يتغنى بها الحزب ووزراءه، والانغماس في مستنقع الثقة المفرطة الذي أعدته الدولة وغرق فيه معظم وزراء العدالة والتنمية، الأمر الذي ظهر أثره جليا خلال حكومة سعد الدين العثماني..

 

(يتبع)

ب – حقوق الإنسان خلال 2017 وما بعدها:

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات