المصطفى الرميد
الطائر الذي يغرد داخل قفص صاحبه (1)
عبد المولى المروري – كندا
تمهيد:
القضايا والأحداث التي تناولها الأستاذ المصطفى الرميد من وجهة نظره في حواره بتاريخ 28 يونيو 2024 قضايا مهمة، خطيرة ومعقدة جدا في الوقت نفسه، بسطها وحللها من خلال تصوراته ورؤيته الخاصة وتجربته الذاتية، طبيعتها المعقدة جعلت الخلاف بشأنها يحمل الأهمية والخطورة والتعقيد ذاته وبالقدر نفسه، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحتمل رأيا أو رأيين فقط، بل تحتمل آراء وقراءات مختلفة ومتباينة وعديدة بعدد أعضاء الحزب والمتعاطفين والمختلفين معه، وكذا الخصوم والمنافسين له، وهذا أمر طبيعي ومحمود، بل وضروري.
ويبقى طرح هذه القضايا مناسبة جيدة من أجل فتح نقاش عمومي رصين، ناضج ومنتج حول كل القضايا الشائكة التي تهم المغرب، ومن خلالها أيضا، وهذا هو المهم، يمكن كسر بعض الطابوهات التي لطالما كانت عائقا في وجه أعضاء حزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص من أجل إثارتها ومناقشتها وإبداء الرأي بشأنها بكل مسؤولية وشجاعة.
إلا أن فتح هذه النافذة الحوارية على بعد شهر فقط من عيد العرش، واقتراب موعد مؤتمر حزب العدالة والتنمية، ودخول التجربة الحكومية الحالية في مرحلة العد العكسي، وتسرب معطيات أمنية عن وجود احتقان اجتماعي وغضب شعبي غير مسبوق، وارتفاع منسوب الرفض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وربما قرب نهاية عدوانه على غزة وغير ذلك.. كلها معطيات تجعل التساؤل مشروعا عن أسباب إجراء هذا الحوار المهم مع الأستاذ المصطفى الرميد ، واختيار هذا التوقيت بالذات تزامنا مع المعطيات والأحداث التي ذكرت.
فأغلب الظن أن هناك رسائل مهمة، بعضها مشفرة، وبعضها في غاية الوضوح، يجب أن تصل إلى عموم الشعب عن طريق شخصية حكومية استثنائية لها وزنها وثقلها الكبير، ورسائل أخرى لابد أن تصل إلى حزب العدالة والتنمية، ولا سيما قادته الكبار عن طريق قيادي غير عادي، له تاريخ نضالي حافل، ومواقف سياسية سابقة اتسمت بالجرأة والشجاعة في حينها.. وهنا عنصر التاريخ والمصداقية لهما دور وتأثير كبيران.
وربما هناك بعض الأمور الشكلية والدقيقة في ذلك الحوار لم ينتبه إليها الكثير ممن تابعوه، فلقد تم التصرف في بعض لحظاته وتفاصيله بحذف بعض ما جاء فيه، والراجح أيضا أن بعض الأسئلة التي قد تبدو مزعجة كانت موضوع اتفاق من قبل، مع طرحها بصيغة مقبولة، وأن بعض القضايا الشائكة لا يجب التركيز عليها أو التدقيق فيها تفاديا للحرج، كل ذلك كان واضحا وملموسا خلال بعض فترات الحوار وطريقة النقاش.
ورغم كل ما قد يقال على هذا الحوار، سواء في شكلياته أو مضمونه، سيبقى مناسبة جيدة للنقاش العمومي، وتبادل وجهات النظر حول كل القضايا المطروحة، على أن يتم ذلك بما يستدعي من موضوعية وجرأة واحترام ونقد بناء، بعيدا عن التسفيه والتخوين والوقاحة التي توقع أصحابها في الإسفاف والابتذال وقلة الأدب..
فالقضايا التي تناولها الحوار، من قبيل الموقف من النظام السياسي، وشروط الممارسة السياسية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وواقع حقوق الإنسان، وبعض المحاكمات المتعلقة بالصحافيين والنشطاء السياسيين وغيرهم، وقضية البلوكاج السياسي خلال الولاية الثانية للأستاذ عبد الإله ابن كيران، وتداعيات ذلك على المشهد السياسي، وإشكالية التصويت على القنب الهندي، وتورط الدكتور سعد الدين العثماني في التوقيع على الاتفاق الثلاثي، والأزمات البينية والتنظيمية والعلائقية داخل حزب العدالة والتنمية، خاصة الخرجات المتعلقة بعبد الإله ابن كيران إبان حكومة العثماني… كلها قضايا مهمة وشائكة، تستدعي مناقشتها بصوت مسموع ومنسوب مرتفع من الجرأة والموضوعية، وهو ما ستسعى إليه هذه المقالات، بعيدا ـ ما أمكنني ذلك ـ عن الذاتية، على أمل أن تلقى تجاوبا وتفاعلا إيجابيا من أجل إغناء النقاش والرفع من مستوى الوعي السياسي.
فكل الملاحظات والانتقادات التي ستكون موضوع هذه المقالات لا ولن تستهدف الأستاذ المصطفى الرميد كشخص، بل إنها ستتعرض لمجموع الأفكار والرؤى والطروحات التي ملأت الحوار، والتي تستدعي النقاش الجاد والتوضيح الضروري من خلال وجهات نظر أخرى، قد تحقق التوافق أو التكامل أو الاختلاف..
وإذا لقبت الأستاذ المصطفى الرميد بالطائر الذي يغرد داخل قفص صاحبه، فلأن الرميد شخص يحب الحرية مثل الطائر الذي يكره الأسر في القفص، وله صوت مسموع ومقبول عند العديد من الجهات سواء داخل الحزب، أو لدى الدولة، أو لدى التنظيمات السياسية والإسلامية الأخرى، إلا أنه وعلى غير عادته لاحظ العديد من المتتبعين أنه أضحى يتكلم من داخل منظومة الدولة، الأمر الذي فجر العديد من الأسئلة والتساؤلات لدى معارفه ومؤيديه وخصومه على حد سواء، وهذا ما سنحاول مناقشته وفهمه وتبيانه من خلال المقالات القادمة إن شاء الله…