الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

انتفاضة 20 حزيران 1981 و الأمل الديمقراطي المفقود

والتاريخ لا يرحم .

 

 

 

البدالي صافي الدين

 

 

بمناسبة مرور أزيد من 40 سنة على انتفاضة  1981 ، حاولت إعادة الذاكرة الى ذلك اليوم من خلال مساهمة سابقة (  2021 )   بالنسبة لهذا اليوم حيث جاءت كالتالي :

 

إثر الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، انطلقت   انتفاضة بالصدور العارية أمام  رصاص النظام الثاقب ، ويشهد التاريخ بأن عنوانها هو  من أجل التغيير و غد أفضل ، عنوان  مرسوم  بدماء الشهداء الذين سقطوا في ذلك اليوم الذي حجب  سماء الدار البيضاء ، دخان  رصاص الرشاش، ليصبح أسودا ،  و تحولت أرضها إلى بقع  دماء اختلطت بدموع  الأمهات و الأهالي و الرفاق و الأصدقاء. انتهت هذه الانتفاضة عند غروب شمس ذلك اليوم، لكن لم ينته معها الأمل الديمقراطي  و لا الإسرار على الاستمرار نحو التغيير المنشود. راحت  شمس ذلك اليوم لتبدأ الملاحقات و الاعتقالات والاختطافات و المحاكمات ليتحول صيف 1981 من القرن الماضي إلى جحيم،  فاعتقد النظام السياسي أنه كسب الرهان. و اعتقد أننا فقدنا الأمل، أمل بناء الدولة الحديثة تكون فيها السيادة للشعب منه و إليه. فهل خسرنا المعركة  لأننا دخلناها  دون تقدير لميزان القوى ؟  أم أن قرار الإضراب العام فرضته اللحظة التي لا تقبل الانتظار ؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب منا اولا ، استحضار السياق العام الذي جاءت فيه الانتفاضة ، وضع المعارضة  التنظيمي و السياسي  و مهام المرحلة د.

 

ـ  إن السياق العام الدولي الذي اندلعت فيه انتفاضة 20 حزيران سنة 1981 ، كانت تطغى عليه تجاذبات قوية بين المعسكرين ، المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي و  المعسكر الغربي بقيادة أمريكا  و أيضا الاصطفافات الجديدة حسب المصالح الاقتصادية و الاستراتيجية . و تنامي    بؤر التوتر التي بلغت  أوجها في أفغانستان و في لنبان و في جنوب السودان و توالي الانقلابات العسكرية في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية و انتصار الثورة الإيرانية  وخروج إيران من  الكتلة الأمريكية و سعيها إلى خلق تكتل خارج المعسكرين من دول إسلامية و عربية التي ساندتها شعوبها  .  في هذا السياق فقد النظام السياسي في المغرب  حليفا استراتيجيا  الذي هو  إيران الشاه ، بل أصبح منشغلا بشبح الثورة التي لقيت تعاطف أغلب المغاربة  .  كما فقد مكانته السياسية على المستوى الإفريقي بفعل ملف الصحراء الذي جعلت منه الجزائر قضية مركزية مستغلة  ضعف المغرب الدبلوماسي و الاستراتيجي و الذي لم ينفعه الرهان على أصدقائه الأوروبيين و لا أمريكا لربح ملف الصحراء و  القضاء على جبهة البوليساريو . في حين هناك  تفوق هذه الأخيرة  في فرض وجودها عسكريا و ديبلوماسيا معتمدة على مساعدات الدول الشرقية التي اعتبرت المغرب بلدا مستعمرا للشعب الصحراوي و ينتمي إلى زمرة الدول الرأسمالية ، و هو موقف تقاسمته  ما كان يعرف بدول الرفض،  مثل سوريا و ليبيا قبل 1983   .كما أن استمرار ألة القمع  في صفوف المعارضة  و فضيحة المعتقلات السرية  زادت من عزلة المغرب  سياسيا و دبلوماسيا . أما على المستوى الداخلي فهناك استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية  بفعل توالي سنوات الجفاف و ارتفاع الديون الخارجية و الداخلية،  مما أدى إلى ارتفاع الهجرة القروية إلى المدن و تفشي  البطالة و الهجرة إلى الخارج  و بداية هجرة الأدمغة و تهريب الأموال التي بلغت أزيد من 45 مليار دولار . وازداد الوضع  تأزما  بفعل السياسة اللاشعبية و اللاديمقراطية  و سياسة التعاطي مع  حرب الاستنزاف في الصحراء في غياب استراتيجية لمواجهة عواقب  الكارثة الحربية  . و لم يجد النظام حلا لأزممته الاقتصادية و المالية إلا بفرض زيادات مهولة في كل المواد الأساسية: الدقيق 40%، السكر 50%، الزيت 28%، الحليب 14%، الزبدة 76%، وذلك مباشرة بعد زيادات أخرى كانت على التوالي في سنتي 1979 و1980. وبالمقابل ظل الفساد يسود بمختلف دواليب الدولة وبالجماعات الترابية وتنامي اقتصاد الريع، وتقوية عود الأعيان و الإقطاعيين الجدد   و استنزاف الثروات الوطنية على حساب الشعب و قدرته الشرائية.

 

ـ أمام هذا الوضع الذي يوجد فيه النظام السياسي كانت الجماهير الشعبية التي تعيش الفقر والبطالة والأمية تراهن على قيادة تقود الصراع من أجل التغيير وبناء دولة الحق والقانون. و كان الاتحاد الاشتراكي كحزب يساري معارض و ذرعه النقابي، الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، في واجهة الصراع مع النظام السياسي في المغرب و لكنهما كانا يعيشان وضعا تنظيميا غير مستقيم، أي أزمة تنظيمية مردها إلى انقسامات داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حول بعض شعارات المرحلة و منها   الانسحاب من التجربة الديمقراطية التي وصفها المؤتمر الوطني الثالث للجزب 1978  ” بأبشع صورها” بالانسحاب من البرلمان. وأما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فهي لا زالت لم تتعافى بعد من أحدث 9، 10، 11 أربيل 1979 التي عرفت اعتقالات و توقيفات عن العمل في التعليم و في الصحة و تشريد عمال شركات بالدار البيضاء شاركوا في الإضراب العام لأبريل 79. في ظل هذا الوضع التنظيمي و في ظل رفض الحكومة لأي حوار مسؤول  و القرارات المجحفة في حق الشعب المغربي بالزيادة في اسعار المواد الأساسية   تم اتخاذ القرار على هذه الأرضية التنظيمية النقابية و السياسية،  لأن الواقع فرض  ذلك ،  فدعا المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية  للشغل إلى إضراب عام احتجاجا على الزيادة في أسعار عدد من المواد الغذائية،   فاختارت الحكومة  المواجهة بالقمع الشرس عوض سلك الحوار للاستجابة للمطالب العادلة والمعقولة، فردت بقمع كان  أعنف مما سبق في  إضراب 1979، كما شنت حملة من الاعتقالات في صفوف المناضلين النقابيين، و مناضلي و مناضلات الاتحاد الاشتراكي وزجت بهم في مخافر الشرطة، الأمر الذي زاد البلاد توترا وأدى إلى انفجار شعبي، فاق التوقعات ولزم إنزال كل القوى القمعية ومختلف الفرق الأمنية والعسكرية، كان أبرزها ” فرقة زيان الراسخة في الذاكرة البيضاوية “،  فنتج عن ذلك استخدام الرصاص الحي وسقوط الكثير من الموتى والجرحى في صفوف المتظاهرين. وقد قامت قوات الجيش بتطويق جل الأحياء بمدينة الدار البيضاء بالدبابات والسيارات العسكرية. فعاشت    بعض أزقتها وشوارعها    حماما من الدم. وقد بينت التحريات التي قام بها صحافيون أجانب ومتتبعون للشأن الحقوقي بأن الرصاص كان يستهدف الرأس والصدر والقلب. كما أكدت التقارير الحقوقية بإقدام القوات العمومية على   رمي جزء من الضحايا في حفر بشكل جماعي، في مقابر جماعية سرية   من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ المحاذية للحي المحمدي بالدار البيضاء، و أن بعض القتلى تم دفنهم أحياء وهم يتألمون من جراحهم. وهي المقبرة الجماعية التي كشفت عنها التحريات التي أشرفت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة، بالاعتماد على محاضر الشرطة وتقارير المنظمات الحقوقية وسجلات وزارة الصحة.  لقد كانت المجزرة رهيبة وكان عدد الشهداء كبيرا، حيث قدرت الجمعيات الحقوقية أن عدد القتلى يفوق    1000 قتيل يومي 20 و 21 حزيران.

 

ووصل عدد المعتقلين إلى حوالي 26 ألف معتقلا بدون محاكمة وفي شروط لا إنسانية مثل ما حدث في المقاطعة 46، (مقر عمالة سيدي البرنوصي زناتة حاليا).  من اكتظاظ وتعذيب، أما المحاكم فقد وزعت   قرونا من السجن على الأبرياء، حيث أن غرفة جنائية واحدة وزعت ما مجموعه 1400 سنة سجنا.

 

فبما عدت إلينا يا حزيران بأمل ديمقراطي مفقود وبانتشار وباء الفساد ونهب المال العام و خطر فيروس كورونا و حكومة لا ترى إلا رعاية مصالحها و مصالح الباطرونا.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات