إقليم قلعة السراغنة و التضاريس السياسية و الثقافية
البدالي صافي الدين/المغرب
يعتبر إقليم قلعة السراغنة من الأقاليم التي تم إحداثها في 13 غشت 1973 وذلك في إطار تقريب الإدارة من المواطنين. وينتمي إلى جهة مراكش آسفي. و تم تقسيمه إلى إقليمين، إقليم قلعة السراغنة و إقليم الرحامنة في بداية سنة 2009. يتكون من عدة قبائل مصنفة حسب مناطق جغرافية وتاريخية جعلتها تنفرد بأساليب فلاحتها و تجارتها و اقتصادها و علاقاتها الاجتماعية و الثقافية، كما تنفرد بامتداداتها نحو القبائل بالأقاليم المجاورة، و تنفرد بموروتها الثقافي والعمراني. هذه القبائل حسب الوثائق التاريخية أو الإدارية و حسب الخرائط التي خلفها الاستعمار تنقسم إلى عدة قبائل منها: قبائل زمران و قبائل صنهاجة و قبائل أهل الغابة و قبائل بني عامر و أولاد يعكوب. مما جعل إقليم قلعة السراغنة يعرف تضاريس ثقافية و سياسية و اقتصادية و اجتماعية. و كانت تستفيد من مياه الأنهار التي تخترق أغلب هذه القبائل من خلال مجموعة من السواقي رئيسية، منها ساقية الغابية و ساقية العكوبية و الونسدية بالإضافة إلى العيون التي جفت بعد بناء سد مولاي يوسف ( أيت عادل) و سد سيدي ادريس، و هي سواقي و منابع مياه و عيون جارية جعلت من الإقليم إقليميا فلاحيا بامتياز.
إلا أنه بعد تعرضه إلى الجفاف الذي أصابه منذ عقدين من الزمان و الجفاف الممنهج من لدن السلطات الحكومية بتحويل مياهه إلى وجهات أخرى خارج الإقليم دون اعتبار الانعكاسات السلبية التي سيخلفها هذا الإجراء و بالرغم من شبكة السقي التي استفادت منها بعض المناطق، فان الجفاف كان متسرعا فأصاب جل المناطق و القبائل. إن الحكومة المغربية ظلت تعمل على تهميش هذا الإقليم من حيث الاستثمارات الفلاحية و حماية الفرشة المائية و الغطاء النباتي الذي كانت تزخر بها أرض الإقليم ، مما جعله إقليما منكوبا بكل المقاييس بالرغم من المساحيق التي تضعها الحكومة على أرضه التي تكذب الادعاءات الحكومية والمسؤولين الجهويين و المحليين و الإقليميين من منتخبين وسلطات محلية و إقليمية و جهوية ببرمجة مشاريع ذات أهداف اقتصادية واستراتيجية وهي مشاريع أصبحت كالمعلقات السبع، كلما حان موعد سوق الانتخابات أو المواسم الوطنية إلا و تتم تلاوتها. إنها المشاريع التي سوف لن ترى النور ما لم تتحمل الحكومة مسؤوليتها في الأمر.أو لن تراه ابدا، لأن اقتراح هذه المشاريع إنما تم في إطار المزايدات الانتخابوية و السياسوية ليس إلا، و اقتراحها جاء بشكل اعتباطي، لم يأت بناءا على دراسات علمية تنطلق من واقع الحال و من حاجيات الإقليم و عاصمته،مدينة قلعة السراغنة، وليس من واقع الاحتمال.
منذ زمن بعيد و الناس ينتظرون الجامعة وسوق الجملة الجديد للخضر والفواكه، السوق الأسبوعي البديل، الطريق السريع بين مراكش و قلعة السراغنة و معالجة المياه العادمة من أجل سقي مغروسات و أشجار المدينة و تنظيف الشوارع وتأهيل شارع الجيش الملكي … إنه بفعل السياسة الحكومية المتبعة بالنسبة لهذا الإقليم و ضعف أداء المؤسسات المنتخبة والسلطات الإقليمية و الجهوية و بفعل الفساد و تنامي مظاهره و نهب وتبديد المال العام و مظاهر الريع و استنزاف الفرشة المائية من طرف أرباب المقالع الرملية المترامية على وادي تساوت و الواد الأخضر و جفاف السواقي والآبار، أصبح يعيش هذا الإقليم واقعا بئيسا بكل المقاييس و أصبحت تنشط فيه عصابات التهريب وعصابات الهجرة السرية التي تسببت في غرق مئات الشباب في عرض البحار و عصابات ترويج عقد للشغل بإسبانيا أو بإيطاليا، وهي عصابات تقوم بالنصب على الشباب وعلى أسرهم لسرقة أموالهم في غياب أية ضمانة تذكر. هذا الر جانب عصابات البناء العشوائي الذي أصبح ظاهرة مسكوتا عنها.
إن المسؤولين الإقليميين الذين يتم تعيينهم لتدبير المرحلة و تنمية الإقليم في إطار السياسة العامة للبلاد لا يبالون بالمخاطر التي تتربص بالإقليم و بساكنته، لأنهم لا يقومون بدراسة ما وراء تضاريسه الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، فلا يقومون بدراسة ميدانية/ تشاركية، مع المجتمع ، عبر مؤسساته المدنية والسياسية من أجل الأوراش ذات الأولوية و من أجل مكافحة مظاهر الفساد و الريع و التصدي لسلب أراضي ذوي الحقوق و أراضي الدولة و احتلال الملك العمومي في البوادي و في القرى، والمراكز الحضرية وفي عاصمة الإقليم، و الحد من مظاهر الفوضى العارمة التي يعرفها النقل العمومي في غياب أي نقل حضاري وفي غياب مراقبة مسؤولة.
لولا تماسك هذا الإقليم وتماسك قبائله الدائم والمستمر منذ فجر التاريخ و صبر فلاحيه الصغار و المتوسطين، لرحل منه الجميع بحثا عن إقليم له حظ حكومي في التنمية. فعلى أي مسؤول تم تعيينه على رأس هذا الإقليم أن يتحلى بالجرأة الكافية و الشجاعة اللازمة من أجل ممارسة الحق ودحض الباطل الذي أصبح السائد في الحياة السياسية العامة، و من أجل محاسبة الجماعات الترابية و التدقيق في ميزانيتها التي تكتفي باعتمادات التنقل و اقتناء السيارات الفارهة، و ميزانية المحروقات و تضارب المصالح، وذلك من أجل تنمية هذا الإقليم الضحية، ضحية السياسات الحكومية المتعاقبة على هذه البلاد.