العبث التربوي
البدالي صافي الدين/المغرب
أثارت انتباهي تدوينة أحد الأصدقاء، حيث أعرب عن حسرته لما لاحظه من سلوكات بعض التلاميذ وهم يمزقون دفاترهم وكتبهم الدراسية و يلقون بها في الشارع العام، إعلانا عن نهاية الموسم الدراسي. و في الحقيقة ربطت هذا السلوك بسلوكيات أخرى أصبحت تنتجها المدرسة العمومية و منها “النقلة” و أيضا تنامي ظاهرة الدروس الإضافية حتى على مستوى التعليم الأولي أو ما قبل التمدرس، إذ تعرف شوارع المدينة ليلا حركة دؤوبة للتلاميذ و التلميذات و الأباء و الأمهات، و هم يترددون على مقرات المدارس الخصوصية أو بعض المقاهي أو بعض مقرات مدارس الحلاقة … حيث تعطى الساعات الإضافية المؤدى عنها طبعا. بناءا عليه يطرح السؤال التالي: لماذا هذه المظاهر التي أصبحت تنتجها المدرسة العمومية ؟ و من هم الذين وراء هذه السلوكيات؟.
إن ما يجب أن نعرفه هو أن المدرسة العمومية عبر التاريخ كانت عنوان الجد و الأخلاق و المنافسة الشريفة و البحث و تطوير المفاهيم و المعارف. وقد تخرج منها مهندسون متخصصون و علماء في البحث العلمي والاكتشافات وعلماء في الآداب و في التاريخ و في علم الاجتماع و علم الأنثروبولوجيا. لم يكن التلاميذ و لا التلميذات يعتمدون في الاختبارات أو الامتحانات الإشهادية على النقل أو “النقلة” أو على الساعات الإضافية، خارج الحقل المدرسي و خارج الزمن المدرسي، و لا يرضى التلميذ لنفسه أو التلميذة لنفسها الجهل و التخلف عن الركب القرائي و لا على الاكتشاف العلمي، ذلك لأن المدرسة العمومية كانت تغرس في أبنائها و بناتها قيم المنافسة و الأخلاق الحميدة و قيم التضامن والتسامح عبر برامج مساعدة على ذلك و بمجهود الأساتذة والأستاذات. لقد كان رجل التعليم هو الموجه و المربي و المكون و المثل الأعلى والقدوة في تخليق الحياة العامة. كان المبادر في خلق الأنشطة القرائية المتنوعة و المتعددة و في تكوين مكتبة الفصل ثم مكتبة المدرسة و التحفيز على تكوين مكتبة منزل المتعلم والمتعلمة، إلى جانب ذلك كانت تتم مسابقات في القراءة و في الشعر وفي الغناء و الموسيقى و الرقص و الرياضة حتى أن الطفل يجد في مدرسته “المدرسة الحلوة” حقا، و ليس شعارا للاستهلاك ليس إلا.
كان هناك تلاميذ و تلميذات يحتفظون بمقراراتهم الدراسية لأنفسهم، لإغناء خزاناتهم المنزلية أو للاستعارة، تلبية لحاجيات أصدقائهم وصديقاتهم لهذه المقررات للسنة الدراسية القادمة. و هو سلوك تضامني،تربوي و ثقافي وإنساني علمته لهم المدرسة العمومية. فلما تخلت الدولة عن التعليم و ألقت به في عالم الريع و تركت المدرسة العمومية بدون روح تربوية تعليمية/تعلمية هادفة و بدون قيم إنسانية واجتماعية، وجد المتعلم والمتعلمة أنفسهم في معتقل يومي يعمل على شحن عقولهم بالمتلاشيات المعرفية والتربوية غير قابلة للاستعمال و لا لفهم الواقع المعيش و لا للتواصل مع المحيط الخارجي، مما يجعلهم في وضعية نفسية واجتماعية ذات ردود فعل سلبية تجاه المدرسة وما يخرج منها وما يأتي منها، فيقدمون على ما أقدموا عليه من التخلص من مراجع و دروس لا تنفع و لا جدوى منها. هي ردود فعل منتظرة في ظل مجتمع تسود فيه مظاهر الفساد والبحث عن المنفعة الخاصة و مظاهر التزوير و المحسوبية و الفقر و الأمية و الجهل و التفاوت الطبقي و تهميش رجال التعليم و التنكيل بهم وتحويلهم إلى آلات تمرير برامج غير منسجمة مع متطلبات الطفل و المجتمع على الرغم عنهم. إن المدرسة التي كان يتخرج منها أعمدة المجتمع في الحاضر و المستقبل تحولت إلى مدرسة تنتج الكراهية النفاق و التطبيع مع الغش و الانحراف و الهجرة السرية و الجريمة المنظمة والتمرد على القيم الاجتماعية و الثقافية الإنسانية .