ورش إصلاح مدونة الأسرة
قراءات وتساؤلات خارج السياق
عبد المولى المروري – كندا
أولا: المرجعية القانونية للمبادرة
بعيدا عن القراءة السيميائية للصورة، وخارج النسق والسياق المجتمعي الذي أطر أعمال ورش إصلاح مدونة الأسرة، وبعيدا عن التكهنات والمفاجآت التي يمكن أن تحملها مقترحات الإصلاح، لم أجد أحدًا من الفاعلين أو المشاركين في ورش الإصلاح الكبير والواسع طرح سؤالا مهما، يتعلق بالإطار القانوني الذي يجب أن يؤطر هذه المبادرة التي أعلن عنها الملك..
لقد دعا ملك المغرب إلى إصلاح مدونة الأسرة الحالية بعد مرور عشرين سنة من الممارسة والتطبيق بصفته أمير المؤمنين، وهي صلاحية دينية حصرية نص عليها دستور 2011 في فصله 41 الذي جاء في فقرته الأخيرة : «.. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر».
وخلال تتبعي لهذا الورش الوطني الكبير، منذ أن أعلنه الملك في خطاب العرش لسنة 2022، إلى حين توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة خلال شهر شتنبر 2023 تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، لم أجد ما يشير إلى تفعيل مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 41، ولا أدري هل مارس الملك هذه الصلاحية بظهير كما يشير إلى ذلك المفصل المذكور، أم بدون ظهير؟
في الحقيقة لا علم لي بذلك، هل صدر ظهير في الموضوع، أم صدر الأمر بدون ظهير؟
وبما أن هذه قضية تهم على الخصوص أساتذة القانون الدستوري وفقهائه، فإن أطرح السؤال عليهم، هل يمكن أن يمارس الملك بصفته أمير المؤمنين صلاحيات دينية بدون إصدار ظهائر في الموضوع؟ أم لا يجب عليه ذلك؟ وما هي الآثار المترتبة على كل حالة من الحالتين؟
ثانيا: علاقة المدونة بالبيعة الشرعية
«يقدمون بيعتهم الشرعية لخلفه ووارث سره صاحب الجلالة والمهابة أمير المؤمنين سيدنا محمد بن الحسن، بن محمد بن يوسف بن الحسن، جعل الله أيامه أيام يمن وخير وبركة، وسعادة على شعبه وبلده، وحقق على يديه الكريمتين آمال هذه الأمة الوفية المتمسكة بعرشه، والمتفائلة بعهده، ملتزمين بما تقتضيه البيعة من الطاعة والولاء، والإخلاص والوفاء، في السر والعلانية، والمنشط والمكره، طاعة لله- عز وجل- واقتداء بسنة رسوله (ص). سائلين الله لأمير المؤمنين طول العمر، ودوام النصر والعز والتمكين. و حرر بالرباط في يوم الجمعة 9 شهر ربيع الثاني 1420 هـ الموافق ل 23 من يوليوز 1999 م».
هذا مقتطف من عقد البيعة الذي وقعه الأمراء والوزراء وممثلو الأمة وكبار رجال الدولة والعديد من الشخصيات الرسمية والدينية.. سيرا على نهج المغاربة في تقديم البيعة الشرعية إلى الملوك العلويين..
استند عقد البيعة الذي بموجبه أصبح محمد السادس ملكا وأمير المؤمنين على العديد من الآيات القرآنية لتأكيد مرجعيتها الإسلامية، مع ما تحمله هذه المرجعية من قيم وأحكام شرعية واضحة، كما استند إلى الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه مولانا رسول الله (ص): «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية»، الأمر الذي يحث المغاربة على تقديم البيعة تبرئة لأنفسهم من شبهة ميتة الجاهلية.. وهذا ما يؤكد أن البيعة الشرعية مقيدة بالدين الإسلامي، راجعة إليه ومؤسسة على قواعده الفقهية والشرعية، حتى وإن لم تنص على ذلك بصريح النص، فقد رسخت ذلك بمضمونه والإحالات على نصوص القرآن والسنة وعمل الصحابة.. وهذا ما تؤكده عبارة: «طاعة لله- عز وجل- واقتداء بسنة رسوله (ص)».
في مقال منشور بموقع وزارة الأوقاف بتاريخ الجمعة 03 فبراير 2012 تحت عنوان: البيعة في عرف أهل المغرب، صورها وخصائصها جاء فيه:
«وأهل المغرب يأخذون بقاعدة البيعة الشرعية في تمليك ملوكهم. اقتداء، بما فعله الصحابة الكرام غداة وفاة رسول الله صلى الله علبه وسلم واختيارهم أبي بكر رضي الله عنه أول خليفة له».
ومما جاء في المقال أيضا: «بعض خصائصها:
فمما تتميز به بيعة أهل المغرب، أنها تتم عن طريق ممثلي الأمة، علماء، وأشرافا، وأعيانا، وتكون الكلمة العليا فيها للعلماء باعتبارهم حملة الشريعة المطلعين على أسرارها، والمسؤولين أمام الله أكثر من غيرهم عن نصح المسلمين و إرشادهم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم، ودرء كل مفسدة عنهم، ووقايتهم من كل زيغ وانحراف عن جادة الدين وصراطه المستقيم»، وهنا تشديد واضح وصريح إلى ضرورة الوقاية من كل زيغ وانحراف عن جادة الدين وصراطه المستقيم، وهي مسؤولية ملقاة – كما يوضح مقال وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية – على أمير المؤمنين بصفته تلك.
وهنا يتأكد الارتباط الشرعي والقانوني بين البيعة كعقد ملزم للطرفين (الراعي والرعية) وبين الدين الإسلامي باعتباره المرجعية التي استند إليها هذا العقد وما يستلزم ذلك من حفظ الأمانة، وهي أمانة الدين، تأسيا بما فعله الصحابة رضي الله عنهم في اجتماع السقيفة عندما عُهد الأمر إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. ومن أهم ما أسفر عنه اجتماع السقيفة هو التزام أبي بكر بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..
وفي مقال للشيخ محمد يسف، منشور بموقع الوزارة تحت عنوان : بيعة أهل المغرب لأئمتهم، جاء في خاتمته: الخلاصة
«والخلاصة أن نظام البيعة في تقاليد أهل المغرب وأعرافهم يرتكز أساسا على مبدأ توثيق الحقوق والواجبات المتبادلة بين الراعي والرعية، وكأنه في روحه وجوهره يبتغيـى الأبعاد السامية في العدل والإنصاف، والتي جاءت واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض فـي أول خطـاب لأول الخلفـاء الراشدين أبي بكر الصديق بعد مبايعته خليفة لرسول الله “ صلى الله عليه وسلم“ حين قال رضي الله عنه شارحا سياسته في التسيير والتدبير:” أيها الناس، إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”». وهنا يشير محمد يسف إلى التشبه بمنهج البيعة التي عهدت إلى أبي بكر الصديق، تشبه في الشكل والمضمون.. وأهمها الاحتكام إلى إحكام الله، والطاعة المقيدة بطاعة الله ورسوله..
من المؤكد أن للبيعة الشرعية ومدونة الأسرة مرجع واحد وأصل واحد، و بعد كل هذا هل ستكون الإصلاحات التي ستعرفها مدونة الأسرة موافقة في شكلها ومضمونها لعقد البيعة الشرعية التي جمعت الملك بصفته راعيا وأمير المؤمنين بالشعب بصفته رعية؟ وهل ستحتفظ هذه المدونة بالمرجعية نفسها التي تأسست عليها البيعة الشرعية؟ أم ستكون هناك مستجدات أخرى قد تخالف مقصد البيعة وروحها وقيمها ومبادئها والتزاماتها؟