هل أوصلوا الدولة إلى الإفلاس ؟
مبارك المتوكل/المغرب
تسابقت وزارتا الخدمات الأساسية من تعليم وصحة إلى خوصصة القطاعين مع الاحتفاظ بأجهزة الوزارتين والوزيرين وخصصت لهما من مالية الدولة ميزايتين من المؤكد أنها لا تنفق على المهام والخدمات الموكول لهما القيام بها . يبدو أن الدولة المغربية رغم كل مظاهر الثراء والجود والكرم المتجلي في توزيع كثير من الأراضي الفلاحية والعقارات بأبخس الأثمان إن لم تكن بالمجان على من لا علاقة لهم بفلاحة ولا عمران. وباسم الإعفاء الضريبي للفلاحين الذين يعيشون على الكفاف أعفيت الفلاحة الموجهة للتصنيع والتصدير لكثير من الخيرات حلالها وحرامها كما تملص كثير من أصحاب المشاريع الضخمة من أداء الضرائب إما بالتصرف في الحسابات أو عن طريق استغلال النفوذ . عدم تضريب المقاولات والمشاريع المنتجة أثر عل ميزانية الدولة التي عجزت عن إبداع طريقة جديدة لتمويل ميزانيتها . جربت رفع الأسعار حتى لم يعد في الإمكان المزيد وجربت تجميد الأجور حتى شارف المجتمع على الفتنة وقضمت من صناديق التقاعد حتي جعلتها تشرف على الإفلاس.
للتعليم دور أساسي في إصلاح وطن اليوم وإعداد وطن الغد. لذلك فإن الحركة الوطنية منذ الاستقلال الشكلي رفعت شعار المباديء الأربعة والتي كانت هي: العميم، التوحيد، المغربة، و التعريب ولم تستطع الحركة الوطنية رغم مشاركة أحزابها في العديد من الحكومات أن تحقق هذه المكاسب ولا حتى أن تبقى متمسكة بها. ومن غير أن ندخل في مناقشة هذه المبادىء سنقف عند أول مبدأ لعل الحركة الوطنية كانت تهدف من خلاله إلى تربية الناشئة المغربية على مباديء وأخلاق موحدة أداتها المدرسة العمومية كمؤطر وموجه وباني مغرب الأجيال موحدا ومتاضمنا مومن بنفس القيم والأخلاق. لكن الدولة بانفرادها بتدبير التعليم فرطت في العلاقة التي كان يجب أن تسود بين وزارة التربية الوطنية و بين الشركاء التربويين وتجلى ذلك بوضوح في تخلي الدولة عن مهامها في الأهتمام بالمدرسة العمومية ورفضها التفاوض والاستجابة لمطالب الشركاء النقابيين وجمعيات الآباء، مما جعل الأسر تلجأ إلى التضحية من أجل أبنائها فأصبحت صيدا سهلا وطيعا لأطماع المستثمرين اللاتربويين في ما سمي بالتعليم الخصوصي وبدأت الوزارة تبيع أو تهدي المدارس التي غادرها التلاميذ الذين حولهم الجشع إلى زبناء تقدم لهم سلعة يسمونها تربية وتعليما في غياب شبه تام للرقابة التربوية .
أما بالنسبة للصحة فإن الذين ساهموا في قرار تعميم التغطية الصحية وإجبارية الانخراط في صناديقها هم الذين ارتكبوا جرم العارف” délit d’initié” فاقتنوا أو بنوا مصحات وجهزوها مع أن الشائع أنهم لا يلجون لا مستشفيات الوطن ولا مصحاته لأن علاجاتهم لا تتم إلا وراء البحار. لقد أحسنوا صنعا عندما أدركوا أن البحر أعمق مما كانوا يتصورون فتخلصوا مما اقتنوا أو بنوا لمن هو أعلم وأجرأ منهم بتوفير ربح مناسب طبعا. لكن ما أصاب المدرسة العمومية لم يلبث أن انتقل إلى المستشفى العمومي لكن مع فارق. ذلك أن عددا من المستشفيات والمراكز الصحية عرضت للبيع لأصحاب الأرصدة الضخمة على أن الوزارة ستبقى تستعملها مقابل سومة كرائية تدفع للمالك الجديد من أموال دافعي الضرائب. والمبرر أن الدولة اليوم في ضائقة مالية عابرة تفرض عليها الاستجابة لمطالب فرضتها نضالات النقابات في قطاعات لم يعد القمع والإرهاب يجدي معها خاصة وقد فشلت كل محاولات التضليل التي تواثرت على المواطن الذي استغلت الحكومات المتوالية على البلاد ثقته بشعاراتها الكاذبة وأساليبها التضليلية .
تفاحش الغلاء وانتشار الوعي واتساع الفوارق الاجتماعية وأجتماع الثروة والسلطة في يد واحدة مع انتشارالاستفادة من الريع والتهرب الضريبي وغياب محاسبة على الإثراء الغير المشروع كل ذلك ساهم في خطر ما سمي بالسكتة القلبية . كان في إمكان الدولة عند ظهور بوادر الضائقة المالية أن ترجع إلى الذين استفادوا وطيلة العقود الماضية من الأعفاءات الضريبية أو الذين استغلوا ضيعات وممتلكات الدولة واغتنوا من المغرب الأخضر ومن كل تلك المشاريع التي تفوق أسماؤها وأوصافها ألوان قوس قزح عددا . وحتى إذا لم يكونوا من هولاء ولا أولائك فأن للدولة حقا على كبار الأغنياء مقابل حماية ثرواتهم التي فاقت التصور مما يفرض الحذر من أن يطمعوا في المزيد فيرددوا مع من انتصروا على كمونة باريس في فرنسا سنة 1872 “الآن يبدأ حكم أرباب البنوك ”
أن مطلب فرض ضريبة على الثروة لم يبق مجرد سلوك أخلاقي تضامنا مع الفقراء بل ضرورة للمساهمة في تمويل الخدمات التي توفرها الدولة لحماية الرأسمال الخاص الذي ما كان له أن يتكون ويستثمر ويتوسع لولا حماية الدولة للملكية الخاصة والإنفاق على تلك الحماية بتمويل وتأجير مختلف المؤسسات والأجهزة من الحرس إلى الشرطة إلى الجيش إلى القضاء… وكل هذه الوظائف تتطلب نفقات تستخلص من مساهمات دافعي الضرائب وخاصة تلك التي تقتطع من المنبع . فلماذا لا يساهم الجميع وخاصة أولائك الذين استفادوا من كل الفرص بما فيها ما لا يخوله القانون ولا تسمح به الأخلاق والتي تفرض أن لا يتولى تدبير الشأن العام من يحصل على أية استفادة من ذلك التدبير كي لا يقع في تضارب المصالح ؛ مصالحه هو كصاحب ثروة يسعى لتنميتها من جهة وحاجة الأمة دولة وجماعات وأفرادا إلى حماية السلطة لمصالحهم من هيمنة أصحاب الثروات وجبروتهم من جهة أخرى . إن ما نلاحظه لدى حكوماتنا من رفض بل وحتى إصغاء للحديث عن قانوني محاربة الإثراء اللامشروع وفرض الضريبة على الثروة لا مسبب له إلا أن الذين تربعوا على أعلى المناصب في مؤسسات الدولة استغلوا ويستغلون النفوذ فيهضمون حقوق الأمة دولة وجماعات وأفرادا فلا ضرائب تؤدى ولا قوانين تنفذ إلا على الأغيار . إنهم يتصرفون كما لو أن الشأن العام خاص بهم يتصرفون فيه وبه حسب رأيهم ونظرهم لئلا أقول حسب مصالحهم دون أن يكون لأحد حق في أن يحتج أو يدلي برأي وإلا تحول جهاز الأمن إلى أداة قمع لكل من تجرأ ورفع صوته بكلمة احتجاج .