سوق الرياضة والمخدرات
مبارك المتوكل/المغرب
يقول المرحوم المهدي المنجرة “كرة القدم مجرد لعبة وليست من بنود التطور أو من مؤشرات التنمية البشرية كما تحددها الأمم المتحدة كالصحة والتعليم والدخل الفردي أو مستوى العيش للسكان .الشعوب المتخلفة ترى في الكرة كل شيء وهي في الواقع لا شيء ” لكن المهدي المنجرة لم يرد أن يقول أن كرة القدم لدى الشعوب المتخلفة ليست مجرد لعبة ورياضة بل إن لها دورا أساسيا في إلهاء الشعوب وخاصة الشباب عن المشاكل الناجمة عن البطالة وما ينتج عنها من فراغ وقلة ذات اليد . وضعية يلتقي فيها شبابنا من حملة الشهادات العليا والذين لفظهم النظام التعليمي باكرا دون شهادات . يعتمدون على ذويهم لتلبية رغباتهم البسيطة والتي قد تتطور نتيجة الفراغ القاتل وضرورة ملء الوقت بما ينفع حينا ويضر أحيانا كثيرة خاصة وأن هناك من يزود اليائسين من ضحايا البطالة التي بلغت نسبا لا تطاق والتي يعاني منها من لم يظفر رغم تقدمه في السن بفرصة عمل دائم أو موقت إما لكونه يفتقر إلى مستوى معرفي أو مهنة تمكنه من الحصول على شغل يوفر له الكفاف والكرامة وكذلك شأن الذي قضى جزئا من عمره على مقاعد التحصيل والدراسة فنال شهادة عليا لكنها غير مطلوبة في سوق الشغل بالمغرب .
يعود الشباب من حملة الشواهد أو الذين لم يتجاوز تحصيلهم الدراسي المستوى الابتدائي إلى لقاءات “رأس الدرب” والانشغال بالتفاهات بعد أن يئس أكثرهم من الأمل في الحصول على شغل يملأ الفراغ ويوفر الضروريات في حدودها الدنيا فلم يعودوا يبحثون إلا على ما يوفر لهم لحظة ارتخاء ينسون بها ما يعانونه من قرف جعلهم ييأسون من الحياة لولا تلك اللحظة التي توفرها لهم جرعة نبيذ أو رشفة من أرخص أنواع الحشيش وأكثرها إضرارا بالجسم والروح غير أنها تمنح ذلك الشعور الزائف بلحظات سعادة عابرة تخلف وراءها ظلمة الفراغ الذي لا تملأه إلا لحظة فرجة في كرة القدم يشارك الشاب فيها لاعبا أو متفرجا في البيت أو في المقهى وفي الملعب إذا توفر ثمن التذكرة فتصبح كرة القدم بدورها ملاذا للإلهاء والالهام فتسمع المدرجات تهتز بأصوات متناغمة بالحان وكلمات تستجيب لمعاناة اللحظة وتعبر عن المعاناة الجماعية لشعب لا يريد المسئولون أن يصيخوا السمع لمعاناته من جراء ما يعتمل بين مجموعات أفراده من مشاعر وهموم وطنية أو قومية وإنسانية لحظات من حرية التعبير تفرضها الجموع لتعبر عن تضامنا مع الشعب الفلسطيني ورفضها التطبيع مع جلاديه .
قد تؤدي نتائج بعض المباريات إلى العنف الذي يمكن أن ينتهي بأصحابه في مخافر الشرطة وزنازن السجون لأن كرة القدم تختلف عن الرياضات الفردية التي تعتبر فرصة لتحقيق الذات وتفجير طاقات العنف الكامنة في أعماق من يشعر بضائقة الفراغ والفشل وضياع العمر بين لهو ومخدر يبعد صاحبه عن التحصيل والرياضة حتى ولو كان لا يزال قادرا جسديا وعقليا على ممارستهما . وأيا كان السبب الذي سيبعده عن الرياضة وعن إعمال العقل للبحث والاطلاع فإن هنالك من يوفر له أكثر من بديل . كرة القدم اقترنت عند بعض المشرفين على فرقها الكبرى بظاهرتين بعضها ليس جديدا ونقصد به فتح باب التدريب والتمكين من المشاركة في الفريق بمقابل لا يكون دائما نقدا . أما اليوم فلم تعد المثلية الجنسية رائجة عند من يجد في كرة القدم إمكانية الربح المضمون من لعبة جماهيرية تستقبل مهارات رياضية ولكن أيضا رساميل يتسابق أصحابها على مهام تسيير الفرق . يقول المثل المغربي “كل شي مخلوف ما عدا الكرة وصيد الحلوف”لأن الخنزير محرم وحوادث كرة القدم لا جابر لها ولا ربح من وراء ممارستها ولا تأمين علىحوادثها . أما اليوم وحتى وإن كان أكثرنا لا يستهلك لحم الخنزير فلا أحد منا رفض أخذ ثمنه . أما ما يحصل عليه مهرة اللاعبين من أموال فقد فاق كل تصور كما أن المتاجرة في هذه المهارات توفر للمشرفين على الفرق أموال طائلة .
أصبحت كرة القدم وسيلة للارتزاق والكسب يتاجر المشرفون على فرقها في كل شيء . القانون المغربي يحرم الاتجار في البشر ودون أن نقصد التعريض برئيس مجلس المستشارين المغربي فإن سوقا لنوع آخر من النخاسة لا زال مفتوحا تتم المتاجرة فيه باللاعبين علنا وبدعم الدولة وإشهار الإعلام . أموال كثيرة تروج في هذا السوق لا تخضع لمحاسبة ولا ضرائب لأن الدولة التي يمكن أن تقرر تضريب تلك الأموال هي أيضا تساهم بالملايير في تمويل هذه الرياضة بمقادير مالية تتجاوز أحيانا ميزانية وزارتي الصحة والتعليم مجتمعتين . إن شبهة قيام أطراف جمعت بين الرياضة وتجارة المخدرات على المستويين الوطني والدولي تجعلنا نتساءل أين كانت أعين الدولة التي لا تنام والتي تحصي علينا أنفاسنا وتعرف عنا الشادة والفادة بما في ذلك لون جواربنا. إن في صمت الأجهزة المختصة في الدولة على هذا الوضع يجعلنا نشك في سلامة نوايا وسلوك بعض الذين أوكل إليهم حماية سمعة الوطن وسلامة المجتمع مما يحول الرياضة كلعبة إلى نوع من المخدر يسهم في امتصاص الغضب الجماهيري على تراكم فشل أجهزة الدولة في حل مشاكل الأمة.
قديما قيل أن “المال السائب يعلم السرقة” وبالفعل فإن إسناد المهام دون فرض التصريح بالممتلكات وإطلاق اليد للتصرف في ممتلكات وأموال الدولة والجماعات دون محاسبة ولا رقابة أو برقابة شكلية لا يترتب عن ضبط الأخلالات عقاب ولا محاسبة مما جعل عددا من مسيري الفرق لا يكتفون بالتصرف في أموال تلك الفرق نهبا وتبديرا وشراء للذمم بل وظفت هذه الأموال في شراء مواقع ومقاعد في مؤسسات محمية من المحاسبة وتضمن لهم حصانة تحولهم إلى أباطرة لايتورعون في ارتكاب كل المحرمان ويتاجرون في كل شيء إلى حد جعل بعضهم يربط الرياضة بالمخدرات أذ لم يعد يكفيهم نهب أموال الفرق الرياضية ولاعبيها وجمهورها ولم يكفهم ما اختلسوا من المال العام بحكم مواقعهم في تدبير مؤسسات مكنتهم من الوصول إلى مراكز التسيير فيها أحزاب كرتونية جوفاء صنيعة الإدارة المخزنية لا ماضي ولا مستقبل لها أو أحزاب كان لها ماض فرطت فيه إرضاء لنزوة عابرة أو طمع في هبة أو رغبة في موقع فضيعت سمعة تنظيم وذاكرة وطن مما جعل الأقزام يتطاولون على أهرام النضال إما بادعاء الارتقاء إلى مصافهم أو بالسعي لانتقاص مكانتهم ودورهم في صناعة تاريخ أمة وذاكرة شعب .
أسماء كثيرة من هؤلاء ما كان لها أن تشتهر إلا بالأحكام الثقيلة التي تكون قد صدرت في حقها نظرا لما مارسته من متاجرة في الممنوعات وما اختلسته من أموال لو أن المجالس المتخصصة في المنافسة ومحاربة الرشوة …الخ ولو أن أجهزتنا المسئولة عن حماية المجتمع من المفسدين كانت تتوفر على الإمكانيات المادية والبشرية وعلى الإرادة الصادقة لمنع مثل هؤلاء الأوغاد من الاستمرار في تخريب المجتمع فأحرى أن يصبحوا في المقدمة كبرلمانيين ورؤساء جماعات توثر سلوكاتهم المشينة على الأحزاب والمؤسسات مدنية كانت أوعسكرية لأن خلائق السفهاء تعدي ولأن حكومتنا لا زالت ترفض قانون محاربة الثراء الغير المشروع وأن رائحة عدد من محدثي النعمة من أثرياء بلادنا أزكمت الأنوف دون أن تتحرك الأجهزة والمؤسسات والمجالس المختصة لمحاسبتهم نظرا لما توفروا عليه هم أيضا من حصانة .