الوطنجية والوطنجيون
عبد المولى المروري – كندا
أولا: تعريف «الوطنجية» أو «الوطنوية»
«الوطنوية»، تبدو هذه الكلمة غريبة عن كلمات اللغة العربية، وهي الغرابة نفسها التي عرفتها كلمات السياسيوية والإسلاموية، والأخلاقوية وغيرها من الكلمات المحدثة عند ظهورها أول مرة، و المترجمة أغلبها من مصطلحات فرنسية أو أنجليزية..
و «الوطنوية» هو مصدر صناعي مشتق من كلمة الوطن بإضافة (الواو) كما في الأمثلة أعلاه، وهي صفة منسوبة إلى اسم الوطن، وتحمل معنى مشتق منه، غير أنها متميز عنه في المعنى والدلالة..
ويتم استعمال هذا الوزن (فعلوية) بإضافة (الواو) قبل (الياء) و(التاء) لنعت أي تيار بالتطرف والغلو، وبذلك يكون له استعمالات قدحية وسلبية في أغلب الأحيان..
كما يمكن استعمال مفردة «الوطنجية» على غرار القومجية، وهذه الأخيرة كلمة مركبة من كلمتين قومية/همجية، فتم اختزالها في القومجية اختصارا، و عليه فإن الوطنجية قياسا على ذلك يمكن تفكيكها إلى كلمتين هما وطنية/همجية، ونجمعها اختصارا ب«وطنجية» .. وفي جميع الأحوال فأنا أفضل استعمال الكلمة الثانية نظرا لخفتها على اللسان، ولأنها أكثر دلالة لما أعمل على توضيحه وبيانه في هذا المقال..
لم يسبق لي أن صادفت هذه المفردة في مقالة كتاب سابق، و أغلب ظني أنه ستكون هذه أول مرة تُستعمل فيها هذه الكلمة لتعبر عن فئة من الناس يدعون الوطنية ويدافعون عن الوطن بطريقة بعيدة عن الاتزان والموضوعية، وقريبة من الانحياز والهمجية، وغالبا ما يسقط بعضهم فيها..
إذن «الوطنجية» هو مصطلح جديد، ومفهوم مُحدث من خلاله أردت التمييز بين وطنيين حقيقيين وملتزمين وموضوعيين، وآخرين (موضوع هذا المفهوم) يدعون الوطنية كذبا وزورا من أجل التهجم على الوطنيين الحقيقيين والاعتداء عليهم بشتى أشكال العبارات الرديئة والألفاظ النابية، مع سلسلة من الاتهامات الكاذبة تحت مرأى ومسمع أجهزة ومؤسسات الدولة، وربما مع توفير الكثير من الدعم والحماية لهم..
و «الوطنجية» مذهب غريب يعبر فيه أصحابه عن عمق «انتمائهم» للوطن، و«الدفاع» عن مصالحه ورموزه، ومواجهة كل الأشخاص أو الجهات التي تحاول استهدافه أو استهداف مصالحه ورموزه حسب ادعاءهم، باستعمال كل ما يتاح لها من وسائل وفي كل الظروف، وبدافع متغيرات الواقع المحلي و قوة التدخلات الخارجية، أصبحت «الوطنجية» تحيل مؤخرا إلى «تيار» هجين برز في المشهد العربي بقوة، وانتشر بسرعة غير طبيعية، فلا هو بالسياسي الذي عُرف بأفكاره وطروحاته السياسية، أو باستناده إلى رؤية سياسية متقدمة، ولا هو بالتيار الثقافي عُرفت له كتابات ومطارحات و أفكار تقدمية، أو مؤسس على خلفية فكرية واضحة، و لا هو بالتيار الإعلامي تميز بخط تحريري ملتزم، وأعمال صحفية مشهود لها بالمصداقية والنزاهة..
و قد ظهر تيار «الوطنجية» تحديدا بعد الردة الكبيرة على نتائج الربيع العربي وفشل الثورات العربية الأولى، ويتميز بنزعة يمينية متطرفة جدا مغرقة في العنف اللفظي.. بدأ ظهوره بقوة في مصر بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، من أجل الدفاع عن عبد الفتاح السيسي و عن سياساته التي تأخذ مصر إلى الهاوية.. و انتقل بسرعة إلى العديد من الدول العربية، ومن بينها المغرب قبيل إسقاط حزب العدالة والتنمية في انتخابات مشكوك في نزاهتها.. و أصبح له حضور وازن وانتشار سريع ونفوذ قوي بعد ذلك في المشهد المغربي!!
«الوطنجيون» المغاربة كغيرهم، يحتكرون الوطنية لأنفسهم دون غيرهم من أبناء الوطن، فهم وحدهم حماتها و المدافعون عنها، بدعوى أنهم أكثر حبا للوطن، وأشد إخلاصًا له وأقوى حرصا على مصلحته، وبذلك يحتكرون الدفاع عنه وعن مؤسساته ورموزه.. و كل من خالف أو عارض الدولة في أمر اقتصادي أو شأن سياسي إلا اعتبروا ذلك خيانة وتحاملا على الدولة، وكان مسوغا لهم للتهجم عليه وعلى كل من سولت له نفسه انتقادها أو الاعتراض على بعض خياراتها و لو كانت خاطئة وكارثية.. وبذلك يفتحون أبواب جهنم على الضحية ورميه بكل ما يتاح لهم من كلام ساقط، واتهام باطل، مع التعرض للأعراض بالسوء، و استباحة الحياة الشخصية، وكل ما يخطر على بال، وما لا يخطر على بال..
ثانيا: من هم «نخبة» وأعضاء «الوطنجية»؟
1/ صحفيون وإعلاميون ومدونون، من الدرجة الثالثة أو الرابعة، كتاباتهم الصحفية تغلب عليها لغة الشارع بكل حمولاتها العنيفة ومفرداتها الرديئة، من خلالها يتم ترسيخ قيم الشارع المنحرفة في عقل القارئ وأخلاقه، كما يغلب على هذه اللغة استعمال اللهجة الدارجة بهدف قطع علاقة القارئ المغربي بلغته العربية الفصحى، هذا فضلا عن الكم الهائل من الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية التي يقع فيها «كتاب» هذه المنابر.. فقر فظيع في اللغة، و ضعف مهول في المضمون..
و أخطر ما تقوم به فئة «الوطنجيين» من فصيلة الصحافيين هو ما يسمى “مكروفون الرصيف”، أو روبورطاجات الشارع، حيث تتم إثارة مواضيع في منتهى الإسفاف و التفاهة.. أغلبها إيحاءات جنسية، أو إثارة مواضيع العلاقات الشاذة، أو الخلافات الزوجية بخلفية مصادمة للقيم المغربية.. و كل هذا من أجل تحطيم جدار الحياء و الاحترام الذي يحمي المجتمع والأسرة المغربية.. و إفساح المجال للقيم الشاذة و التحررية..
و يبقى أهم ما تشتغل به هذه المواقع والمنابر والصفحات التابعة لتيار «الوطنجية»، إلى درجة التخصص، هو التعرض لأصحاب الآراء المختلفة، التي تمتلك الشجاعة من أجل انتقاد الأوضاع السياسية والحقوقية.. واختيارات الدولة الاقتصادية المضرة بالمواطن المغربي.. فكل من تجرأ برأي أو غامر بمقال غير ما تريده الجهات النافذة داخل أجهزة ومؤسسات الدولة تجد أمامها طابور «الوطنجية» له بالمرصاد، بكل عدته وعتاده، و على أهبة التصدي له بحملات ممنهجة من التشهير والسب والشتم، ونشر الأكاذيب والإشاعات الباطلة على نطاق واسع جدا، أو اتهامه بالخيانة للوطن و العمالة للأجنبي، بل قد يمتد الأمر إلى التعرض بالسوء إلى أسرهم و أبنائهم وأقاربهم، من أجل النيل منه، و تشويه سمعته أمام الرأي العام، وبالتالي اغتياله رمزيا، هذا إذا نجى الضحية من ملاحقات أمنية و متابعات قضائية..
الملاحظ أنه رغم ما يقوم به «الوطنجيون» من اعتداءات تشهيرية وعنف لفظي وقذف و سب في حق أصحاب الرأي المخالف فلا تصلهم يد العدالة، و لا سلطة القانون، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بتمتعهم بقدر واف من الحماية والحصانة تجاه أي شكاية وضعت ضدهم، أو متابعة قضائية توفرت جميع أركانها في هجوماتهم و أكاذيبهم على أصحاب الرأي المخالف.. وهذا في مقابل الدفاع عن بعض الشخصيات الأمنية التي تحوم حولها شبهات انتهاك حقوق الإنسان، أو خرق القانون، أو الاعتداء على الحريات والحياة الشخصية لبعض السياسيين والحقوقيين..
هذه الحصانة والحماية التي يتمتع بها «الوطنجيون» تفتح شهيتهم للمزيد من الاعتداء على الناس، كما تزيد من وقاحتهم وجرأتهم على الأعراض والحياة الشخصية، فلا قانون يوقفهم، ولا ضمير يؤنبهم، ولا أخلاق تزجرهم، ولا ضوابط تضبطهم.. هذا فضلا على المواضيع التافهة التي يتناولونها، و القضايا الهامشية التي يبرعون في ترويجها كأسلوب من أساليب الإلهاء الموكلة إليهم والمعتمدة رسميا..
يتبع في الحلقات القادمة :
2/ أساتذة جامعيين وطنجيون:
3/ حقوقيون وطنجيون:
ثالثا: قراءة سريعة في مذهب «الوطنجية»
1/ الوطنجية كفكر
2/ الوطنجية كأخلاق
3/ الوطنجية كممارسة