عن أي دولة اجتماعية نتحدث؟
مبارك المتوكل /المغرب
منذ أكثر من سنة والطبول تدق عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية سواء أرسمية كانت أو ممولة من طرف الدولة أو ناطقة باسم أحزاب في الحكومة أو طامحة في الوصول إلى موقع حكومي كل هذا الخليط الغير المنسجم تلاقى ليبشرنا بقرار الحكومة ابتداء من هذه السنة تنفيذ مشروع الدولة الاجتماعية على غرار ما هو شائع لدى كثير من الدول المتقدمة خاصة في العالم الغربي الرأسمالي الذي لا زال يبحث عن الطريقة التي ترضيه وتساعده على معالجة ما خلقه ويخلقه من مصائب وكوارث تعاني منها شعوبا وشعوب الجنوب التي ذاقت مرارة الاستعمار وتعاني اليوم ويلات التخلف والتبعية .
التحول الذي عرفه المجتمع الغربي مع بداية القرن التاسع عشر أي منذ انتقال مجتمعات أوروبا الغربية من نمط إنتاج فيودالي إلى بداية ظهور نمط إنتاج جديد أفضي إلى ظهور الرأسمالية التي حاول روادها الكبار من بسمارك إلى بونابارت أن يضمنوا الحفاظ على الوضع القائم للحد من خطر الشعارات التي بدأت في الظهور مع مفكرين إنسانيين ومبدعين كبار كشفوا عيوب نمط الإنتاج الجديد . كما أن الواقع الاقتصادي الجديد وما رافقه من تحولات في البنية الاجتماعية وانتقال الإنتاج من يد الحرفي المعزول إلى المصانع أنتج وواكب علاقات إنتاج جديدة طارئة على البشر مما فرض نوعا جديدا من العلاقات اخترقت المجتمع وامتدت إلى أصغر خلاياه . فانفرطت علاقات الجوار والتضامن الذي كان سائدا في ظل العائلات البطريرقية التي كانت تهتم بوضع أفرادها في كل حالاتهم من مرحلة الطفولة إلى الشيخوخة والعجز كما كانت هذه العلاقة تمتد إلى التضامن مع العاجزين من الأقرباء والجيران وذوي الحاجة .
الانتقال من العائلة الجدعية (souche) إلى الأسرة النووية وسيادة اقتصاد السوق جعلا الأفراد يبحثون عن توفير شروط العيش الخاصة كل حسب إمكانياته الذاتية مما كرس نوعا جديدا من العلاقات أساسها الصراع الطبقي عوض التضامن الطبقي وإذا كانت الديانات قد سطرت نوعا من التوافق الطبقي فإن الرأسمالية قد رفعت شعار دولة الرفاه(état providence) لتخفيف حدة الصراع الطبقي وبالتالي للحفاظ على العلاقات الجديدة التي طرأت مع النهضة الحديثة وسيادة الإنتاج الصناعي . وقد كرس السكن المسمى اجتماعيا والذي يبنى عموديا ويقتصد في المساحة إلى حد يحول المساكن إلى أقفاص لضيق مساحتها ومحدودية المرافق الصحية فيها مما يفرض تحديد الأسرة في أدنى عدد من الأفراد .
يبدو أن دولتنا تسعى للسير في نفس النهج لكننا منذ شهور ننتظر هذا الحدث الذي سيغني فقراءنا ومعاقينا وعجزتنا ويتمانا وأراملنا عن الحاجة إلى الجيران أو الأقرباء أو المحسنين . وظل هذا الجيش من الكائنات التي استبشرت خيرا تنتظر ما سيجود به الكرم الحاتمي لدولة لم تعودنا إلا على مزيد من الغرامات واستفحالا في غلاء بلغ درجة دفعت الطبقة الوسطى إلى الاكتفاء بضروريات العيش والاقتصاد في أشياء لا يمكن للإنسان أن يتخلى عنها إلا مرغما لأن نتائج عدم توفير الدواء لمريض لم تعد وزارة الصحة المسماة عمومية توفره له حتي في حالات الاستعجال رغم خطورة النتائج الوخيمة آنية كانت أو عاجلة إذا تأخر العلاج من بعض الأمراض . أما توفير شروط تعليم وتربية لأطفال في سن التمدرس فمسئولية لا تفرط فيها الأسرة إلا مرغمة عندما ينحدر مستوى الأسرة من الفقر إلى الفقر المذقع أو تنزلق أسرة من الطبقة الوسطى إلى ما دونها نتيجة حدثان الأيام .
تذكرت أراملنا إن تجربتهن مع حكومة بنكيران علمتهن أن لا يفرحن بالوعود قبل التوصل بعربون تنفيذها لأن كذب الحكام وخاصة إذا تظاهروا بالتقوى والورع يوظفون الين كأداة لتأجيل غضب الفقراء . وبدأت عملية السجل الاجتماعي للإحاطة بأوضاع العديد من المواطنين الذين لم تكن أدوات المخزن رغم تعددها ودقة ملاحظتها قادرة على الإحاطة بهم وضبط أحوالهم مخافة أن تتحول أوضاعهم إلى ما سمي بخطر القنبلة الموقوتة التي تهدد الوطن بكل مكوناته . وأخيرا بعد أن ضبط السجل الاجتماعي أو كاد وأصبح في الإمكان تمييز ذوي الحاجة من مسحوقين ومعدمين وفقراء فقد تقرر أن يلد الجبل بعد تمخضه فكان المولود فأرا . لقد وقع ترتيب الفقراء حسب تحملاتهم وعدد أفراد أسرهم رتبوا بين من يستحق 1750 دراما للشهر ومن لا يتجاوز تعويضه 500درهم للشهر .
الذين لا يتوفرون على صفة الأسرة أي الأفراد المعزولون بلا ذرية ولا زوج ولا قرين وهم الأكثر احتياجا وبؤسا فلا حق لهم إلا في بطاقة علاج في المستشفيات العمومية التي يعرف الجميع أوضاعها ولعل رفاقنا العاملين في هذا القطاع أدرى من غيرهم بهذه الأوضاع لأنهم هم من يقاسي المعاناة من الطرفين فلا أدوية ولا إمكانيات علاج رغم احتياج الحالات الواردة على المراكز الصحية للعلاج مما يجعلهم يعانون من اتهامات بالتمييز بين المرضى . في ظل هذا الوضع وبعد تردد عدد من العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة كانت السلطات تختار بين طالبي الدعم بين الفقراء والأكثر فقرا وبين العاجزين والأكثر عجزا لتبعد من صعدت مؤشرات وضعه ويظهر أنهم أولائك البؤساء الذين لا يملكون سكنا لائقا أو غير لائق وليس لهم معين ولا قريب ولكن كبرياءهم تصدهم عن التسول .
فهلا تراجعت السلطات عن هذا التشدد وهذه المقاييس المجحفة أو هلا فرضت عدالة ضريبية على الأغنياء قبل الفقراء وعلى المشغلين قبل الأجراء ؟ وهلا قلصت أو تخلت عما تقدمه من هبات لخدام الدولة الذين يتقضون أجورا عن خدماتهم نظيفة كانت أو ملوثة بالمال الحرام من رشوة أو اختلاس أو منهما معا . وهلا أوقفت توزيع المأذونيات ومنح رخص استغلال الملك العام أو إقامة مشاريع يستفيد أصحابها من ريعها مع أن الأرصدة التي صرفت على إقامتها كفيلة بتخفيف أزمة البطالة وما ينتج عنها من جرائم وتجارة في الأعراض والمخدرات وكوارث الهجرة السرية التي حولت بحرنا إلى مقابر من غير شواهد ولا قبور .