برلمان أم وكر أنذال
مبارك المتوكل/المغرب
هل من الضروري أن نكرر مطلب الملكية البرلمانية في وقت يطرح بعضهم مطالب يعتبرها أكثر جذرية كمطلب تقرير المصير لأكثر من شعب داخل شعب واحد أو مطلب ولاية الفقيه أو إحياء الخلافة الإسلامية ؟ إن طموحات من هذا القبيل لا تراعي الحاجيات والمطالب المستعجلة لجماهير شعبنا ولا التطورات التي شهدها عالم اليوم . قديما قال فقهاؤنا “سلطان جائرخير من بلد سائب” ونقول نحن أن الاستبداد لم يمنع الفساد بل غلفه بغطاء زائف واجهته ديمقراطية وباطنه استمرارالفساد في أحط أنواعه وأشكاله . إننا انطلاقا من ضرورة إعادة النظر في كل ما دونه الأجداد وما نسبوه من فضائل لمن سبقوهم في نوع مبالغ فيه من تمجيد الماضي وإضفاء القدسية على أشخاص مهما تكن مصداقيتهم ومهما تبلغ درجة استقامتهم فإنهم لم يكونوا إلا بشرا كسائر البشر لهم نزواتهم وأطماعهم ولو استطاعوا أو استطعنا أن نخفيها بهالة من التبجيل والتقديس .
قد يوجد جزء مما يسوغ بعض أو أغلب ما يسجل من مبالغات في هذا الباب ولكن الظروف التاريخية تكشف بأن من أحطناهم بتلك الهالة من التعظيم والتبجيل لم يكونوا إلا بشرا مثلنا لهم أهواء وميولات ونزوات قد يستطيعون الانتصار على بعضها أو قد يوفقون في ستر ما يمكن أن يجره عليهم بعضها من فضائح .لكن تطور المعرفة وانتشار أدوات ووسائل التواصل الاجتماعي خول نشر الفضائح بأسرع من انتشار النار في الهشيم . الواقع أن هيمنة العقلية البالية باعتمادها تمجيد الماضي جعلت فضائح الامس تستر أو تنسى خاصة وأن ضررها كان محدودا لا يمس إلا جزءا يسيرا من المجتمع ولا حجة لضحاياه على الظالمين . على أن حكم المجتمع على من تبثت عليه التهمة كان صارما وغير قابل للنقض إلا عند مالك يوم الدين . صحيح أن من كان يملك الجاه والسلطة لم يكن يعدم متملقين يتمسحون بأعتابه ويقسمون بأغلظ الأيمان على استقامته وحسن سلوكه حتى إذا عزل أو هلك تبرئوا منه وغيروا شهادتهم وتنكروا لما كان باستمرار يصدر عنهم من تقريظ ومديح كاذب مأجور للظالم الافاك . ولكن الضرر الذي حصل يبقى حاصلا يعاني نتائجه الوطن والمواطن
أما اليوم فلا يجد بعضهم حرجا في الحديث وبكل بجاحة وسفالة عن الديمقراطية المغربية التي يبدو أنها تختلف عن ما تعارف عليه رجال السياسة وقادة الفكر وعلماء القانون الدستوري متذرعين بالدين الإسلامي ثارة والخصوصية المغربية ثارة أخرى وكأن المغربي مختلف عن بقية البشر . أما الدين فإن أكثرهم يوظفه لقضاء حاجة أو نيل مكانةوهكذا أوصلوا فارغين من المروءة والأمانة العلمية إلى أعلى المراتب بل وإلى كراسي الجامعات ليبرروا بعض المواقف بنظريات تحرف الواقع ولا تمت للعلم بصلة . وبنفس الأداة وصل إلى المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي من لا صلة بالمعرفة أو العلم أما عن البحث فلا صلة له إلا بالبحث عن رمال البحر ليكسحها مخربا بذلك البيئة والشواطيء على حد سواء . السلوك في كل الديقراطيات هو أن تتقدم الأحزاب ببرامج للناخبين من أجل نيل أصواتهم . وعندما يحصل أحد الأحزاب على الأغلبية المطلقة أو النسبية فإنه يكون الحكومة أو يتحالف مع غيره من الأحزاب لتكوينها بناء على توافق حول برنامج مشترك تحاسب الحكومة على إنجازه من طرف البرلمان ثم من طرف الناخبين في الانخابات الموالية .
الحزب أو الأحزاب التي تكون الحكومة عندنا تنفذ برامج حضرت وطبخت قبل الانتخابات التي تفرزها والتي تجري في دورة انتخابية واحدة كل مراحلها من الإعداد إلى الإشراف إلى إعلان النتائج خاضعة لإرادة وزارة الداخلية التي تعتبر عمليا فوق السلطات توصل كل أفاق أفاك إلى مراكز القرار ليصبح البرلمان ملجأ للأنذال وتجار المخدرات والسفلة فلا غرابة في مثل هذه الحالة أن ينتهي المطاف بالعديد منهم لدى قضاء التحقيق ثم في السجن بتهم شائنة . هذا بالنسبة لمن اتهم بجرائم تمس عرض وصحة وسلامة المواطنين . ولكن هنالك جرائم أخرى ترتكب عبر مواقع أخرى تتخذ طريقا إلى الغرفة الثانية للبرلمان . وبذلك يسهل نهب المال العام عبر الاوراش الفعلية أو الوهمية والمشاريع الموصوفة بالثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية يباشرها ويستفيد منها من يستضل بحصانة ينالها عبر انتخابات مزورة ساهمت فيها أحزاب أساءت بممارساتها المشينة تلك إلى أسماء مثل الزعيم علال الفاسي والشهيدين المهدي بنبركة وعمر بنجلون الذين أخلصوا في قيادتهم لحركة التحرير صامدين في وجه عواصف الاستبداد رافضين في إباء وتحد كل انواع الإغراء إلى آخر رمق في حياتهم .
ثم خلف بعدهم خلف غيروا وجتهم ووجهات التنظيمات التي عانى الرواد من أجل بنائها في مواجهة عنث الاستبداد ومؤامرات الاستعمار بشكليه القديم والجديد . وبوجه جديد وشعارات كاذبة التقت في خليط هجين حثالة دافع عنها أحد المسئولين من موقعه كأمين عام لحزبه وكمسئؤل حكومي مبررا موقفه بأن اتهام النواب والمستشارين أمام القضاء قد يصرفهم عن الترشح للانتخابات إذا استمرت الجمعيات إو الأفراد في دفاعهم عن المال العام وفضح الذين يتخذون المسئوليات الجماعية وسيلة لاختلاس المال العام ويتخذون الحصانة البرلمانية أداة للتقرب من مراكز القرار والبعد عن المساءلة ناسين أن العمل الجماعي في أصله عمل تطوعي وأن المسئولية البرلمانية محصنة عن المتابعة في ما يتعلق بما يصدر عن البرلماني من مواقف يعبر عنها في ظروف ومواقع محددة ولا تحميه الحصانة عن المساءلة فيما يخص ما يرتكبه من مخالفات أو جرائم جنائية كانت أم أخلاقية .