هل الفساد قدر على المغاربة؟؟؟
مبارك المتوكل/المغرب
يقول المثل المغربي أن التلوث يبدأ من المنبع ويقول المعاصرون أن تنظيف السلم يبدأ من الدرج الأعلى !
عرف التاريخ المغربي مثل تاريخ دول ساد أو يسود فيها الرأي الوحيد الغير قابل للنقض وحتى للنقاش لأن صاحب الرأي السائد يعرف وحده مصلحة البلاد والعباد ويعرف ما ومن يصلح للزمان المناسب والمكان الأنسب. وبما أن المسؤول مطلع على كل شيء لأن له عيونا على كل ما يروج ويدور فإنه يعرف ما تخفيه الكلمات وما تكنه الصدور . حتى إذا ما تجاوز الأتباع الحدود المرسومة فإن المحاسبة تتخذ أشكالا عدة .
هنالك طريقة إشعار التابع بعدم الرضا عل فعل ما وهنالك تغيير موقعه في سلم المسؤوليات وصولا إلى أحط المهام وأحقرها كالتعيين في الاسطبل (الروا).
ولكن ما تنقله العيون يخفي أحيانا أثر أطماع شخصية يحاول صاحبها أن يزيح خصما لمصلحة قريب أو لمصلحة ذاتية وقد يكون مجرد وشاية لتصفية حساب أو للتخلص من منافس على موقع يقرب من ولي الأمر . ولعل ما وقع لآل المنبهي في بداية القرن الماضي مجرد نوع من التنبيه لمن يظن أن الموقع الأقرب إلى السلطة هو الموقع الأكثر أمنا . يقول صاحب رسالة الصحابة أن الحاكم المعتمد على القوة الغاشمة مثل من يتجول على صهوة أسد يخاف الجميع سطوته ولكنه هو الأكثر خوفا وقد عرض طاليران بلجوء نابليون بونابارت إلى اعتماد القوة والاطمئنان إليها لحل مشاكل السلطة “يمكنك أن تفعل بالأسنة كل شيء إلا الجلوس عليها”وقديما قال أحد سلاطين المغرب “من أحببناه عذبناه ومن كرهناه قتلناه والسعيد من لا يرانا ولا نراه”؟ قد ينقلب الأحبة والمقربون إلى أعداء ألداء وحينها يتغير السلوك وتتغير طريقة التعامل .
ذنب البرامكة أن قربهم من الخليفة هارون الرشيد تجاوز حدود علاقة السيد بالتابع . قد لا تختلف طريقة تصفية البرامكة عن طريقة تصفية عدد من الضباط والحنرالات الذين كان بعضهم من أقرب المقربين مثل أوفقير والدليمي . صحيح أن تطلعات العسكريين كانت كبيرة لأن من أدرك الجاه والقوة يتطلع إلى المزيد ولم لا يصل إلى السلطة ؟ لنتصور لو أن التحرك العسكري في يوليوز 71 أو غشت72 نجح كيف كان يمكن أن يكون واقع المغرب اليوم ؟ قد يقول البعض أن السلطة هي السلطة وأن بعض الشر أهون من بعض . لكن واقع العديد من الدول القريبة أو البعيدة تعطينا نموذجا لما تعرفه بعضها من أنواع الديمقراطيات المزعومة . هذا لا يمنع من أن تكون ديمقراطيتنا مجرد واجهة تخفي كثيرا من الفضائح حتى أن أحد الظرفاء أخبر منكتا أن البرلمان المغربي سيعقد دورته المقبلةفي سجن عكاشة نظرا لعدد البرلمانيين الذين يقبعون في السجون بتهم مختلفة تؤكد غياب المروءة والخضوع للنزوات والشهوات المعبرة عن موت الضمير وغياب الروح الوطنية.
صحيح أن أحزابهم تبرأت من بعضهم أو على الأقل جمدت عضويتهم في انتظار أن تقول العدالة كلمتها . و لكننا نستغرب من موقف قيادة حزب يهدد بأنه سيلجأ إلى القضاء إذا ما تجرأ أحد وعرض بالحزب أو ربط بينه وبين المتابعين . ونحن لا يمكن أن ننسى أن رئيس الحزب المعني بهؤلاء المتابعين أو الذين صدرت في حقهم أحكام حاول بصفته وزيرا للعدل أن يمرر قانونا يمنع لجوء الأفراد أو الجمعيات المدافعة عن حماية المال العام إلى القضاء لأن حضرته رأى بأن هذا النوع من الشكايات سيثني بعضهم عن الترشح لمهام يمكن أن تعرضهم للمساءلة دون أن يحاسب نفسه وهو أمين عام للحزب لماذا زكى مرشحين لمقاعد البرلمان أو عضوية المجالس الجماعية بناء على قدراتهم على تحقيق النجاح في الانتخابات ولو بشراء الأصوات دون أن يكلف نفسه السؤال من أين جاءت تلك الأموال التي ستساهم في إفساد التجارب الانتخابية وتوصل قليلي بل عديمي المروءة إلى مواقع تجعلهم يسيئون إلى سمعة الوطن ويضرون بمصالح الوطن والمواطنين بلجوئهم إلى اختلاس المال العام عن طريق الغش في الأوراش والصفقات العمومية وابتزاز المواطنين بدل تسهيل الاستجابة لمطالبهم القانونية والمستحقة على بساطتها .
في بداية الستينيات عرف المغرب أول دستور ممنوح ساهمت في تحريره وفرضه بالقوة أدوات الدولة إلى جانب أول حزب مؤطر بوسائل الدولة وحمايتها مسخرا أدوات الداخلية وأجهزتها ومقراتها لجلد الممواطنين وطبخ ملفات للمناضلين ونظمت بمقتضى هذا الدستور أول انتخابات برلمانية تصدر الترشح والفوز بأغلبية المقاعد فيها حزب كان قد نشأ للتو باسم”جبهة الدفاع عن المؤسساتالدستورية”بقيادة الهالك أحمد رضا كديرة الذي فاجئه المرحوم الدكتور عبد اللطيف بنجلون رئيس الفريق الاتحادي خلال مناقشات ملمس الرقابة المقدم من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والمساند من طرف حزب الاستقلال ضد حكومة باحنيني . قدم الدكتور بنجلون في رده على تدخل لكديرة نسخة من جريدة لافيجي ماروكين كانت قد نشرت بأن محاميا مغربيا كان ضمن هيأت الدفاع عن مفجري قنبلة السوق المركزي ليلة عيد الميلاد بالدار البيضاء .رالسل السيد كديرة جريدة ماس موضحا بأن جنسيته فرنسية . عاث حزبه فسادا في البلاد والعباد ولكن هذا الحزب لم يعمر طويلا لأنه كان نقيض كل القيم والمبادئ التي عاش المغاربة عليها منذ قرون وناضلوا باستمرار من أجل احترامها وحمايتها.
وأعلنت حالة الاستثناء التي ألجمت الأفواه وحاصرت الأقلام . خلالها كانت أسوأ سنوات الرصاص وأشدها قمعا وبطشا بكل رأي أو تعبير يختلف عن الرأي السائد . كان من الطبيعي أن ينتفض الشعب المغربي وانطلقت الشرارة كالعادة من التعليم . رفض التلاميذ قرارات يوسف بلعباس وزير التربية الوطنية آنذاك فخرجوا يوم23 مارس 1965 في تظاهر سلمية . فكانت مجزرة حقيقية نزل الجيش فيها بكل إمكانياته بلغ عدد الضحايا في البيضاء المئات من التلاميذ وأوليائهم وكل من وجد في الشارع من العاطلين والمشردين والعابرين من المكان الغير مناسب في اللحظة الغير مناسبة وبالطبع اتهمت الشغيلة التعليمية بالتحريض ووصف أعضاؤها بالشبهاء بالمثقفين . لم تتحمل النقابة الموجودة حينئذ مسئولية الدفاع عن الذين طالهم القمع وضلت عدد من ملفاتهم عالقة إلى أن تأسست النقابة الوطنية للتعليم سنة1966 ……
في السبعينيات اقتضى نظر المخزن أن يسند مسئولية التسيير إلى حكومة كان على رأسهاصهر الملك ومؤسس حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تكون من نتائج انتخابات عرفت أسوأ أنواع التزوير وقد وصف الحزب الناتج والمستفيد منها بالحزب الإداري . لكن الأيام ستكشف تناسل تلك الأحزاب التي تظهر بسرعة وتصل إلى مواقع عليا في سلم المسئوليات تم تنطفيء بنفس السرعة التي ظهرت بها . وقد سماها ظرفاؤنا أحزاب طنجرة الضغط (كوكو مينيت) . تبين أن الأوضاع لا يمكن أن تستمر لكن المخزن لن يتلقى ضربته من الجهة التي كان يخشاها ويحذرها . أضعف الحركة الوطنية يمينا ويسارا فلم تعد تمثل أي خطر عليه لكن الضربة ستتاتي تباعا في يونيو1971 وغشت 1972ومن طرف ذلك الجهاز أو ذلك الأسد الذي تحدث عنه ابن المقفع منذ أزيد من ثلاثة عشر قرنا .
الأحزاب التي كان في إمكانها المساهمة في التغيير وإضفاء المصداقية على الشأن العام تعرضت لشتى أنواع القمع وشراء الذمم وتشجيع الانشقاقات من أعلى أو من أسفل كما شجع الباحثين عن الغنائم على تكوين الأحزاب أو الانضمام إليها. وهكذا تناسل الفساد ولم يبق مأمون الطاهري ومن معه من الوزراء والمسئولين والاتباع استثناء . فها هي سجون المغرب من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه قد عرفت نوعا جديدا من النزلاء لا يشبهون من أعتادت عليهم الزنازن من بسطاء مظلومين أو من صغار المجرمين واللصوص . تستطيع زنازن سجون المغرب اليوم أن تفتخر من جديد بأنها عوضت القصور والإقامات الفاخرة وساوت بين كبار المفسدين وصغارهم . يبقى سؤال واحد هو لما ذا يبقى في الزنازن نزلاء من صنف عمر الراضي أو الزفزافي الذين كان ذنبهم الوحيد هو الفضح أو التنديد بالفساد والمفسدين ؟