هل من وطن للحرية؟تمثالها في نيويورك غريب
مبارك المتوكل/المغرب
على تمثال الحرية الذي انتصب ليخلد ذكري أبراهام لنكولن الرئيس الموحد لما سيصبح بعده وربما معه أعتى امبريالية دمرت نصف العالم الذي سبقها إلى الحضارة وسبقها إلى الوجود كبنيات اجتماعية بل كدول لها قوانين ومباديء وقيم نورت الطريق للبشرية بوضعها أسس العمران واستحداث الشرائع والقوانين ففتحت بنور إبداعها الطريق لكل الحضارات التي تلتها واستلهمت تجربتها فاهتدى الإنسان بفضلها إلى عوالم لم يعق الإحاطة بأسرارها إلا الحكم الاستبدادي ومن سخرهم وشجعهم أو أقنعهم بتبني قيم ومباديء لا هم قادرون على فهمها فأحرى أن يشرحوها للناس أو يقنعوههم بها فلجئوا إلى محاربة كل تصور أو تفكير لا يتلاءم وما تصوروه الحقيقة والصواب مما أعاق التطور وحارب التقدم الفكري بقمع المفكرين واضطهاد الفلسفة وكل إبداع فكري أو فني بإستثناء العمران ومظاهر البدخ والزينه للحياة في القصور .
وجاءت مرحلة التنوير لتواجه الأستبداد في الغرب الكافر الذي سيحدث ثورة نادت بالحرية بل وضعت لها ضوابطا وشعارات ورموزا وكان منها تمثال الحرية ذلك الذي يطل على خليج نيوورك ليبشر العالمين بنهاية عصر القهر والاستعباد؛ على هذا التمثال أن كان يمثل الحرية حقا أن يلتفت ولو بنظرات خاطفة نحو العديد من المتعطشين لما يدعي التمثال تشخيصه. عوض أن تبقى نظراته ونوره مرتكزين على شط نيوورك. لماذا لا يوجه نوره صوب الزنازن المظلمة التي يقبع فيها حماة الكلمة الحرة من أمثال عمر الراضي وسليمان الريسوني ولماذا لا يتحول مشعله إلى نافورة ماء تروي غلة عطاش غزة وتطفئ النيران التي تأتي على الأخضر واليابس وعلى الحجر والشجر والبشر أو على الأقل إن اختار أن يبقى مصباحا فليضيء طريق التائهين وليفضح العتاة الغاصبين الذين أصابت أبصارهم غشاوة فلم يروا جرائم إسرائيل لأنهم اختاروا التحالف والتطبيع ولو مع الشيطان لإرضاء التحالف الأمبريالي الصهيوني ولإخماد أصوات لم يعد القهر والإرهاب يستطيع إخراسها . إن الأرض لم تعد تطيق أن يستمر جبروت من استولى عليها في غفلة من التاريخ مشردا أهلها ومندفعا بكبرياء معتقدا أن التاريخ به ابتدأ وعلى يده سينتهي .
إن تحالف أمبريالية الولايات المتحدة وصهيونية إسرائيل يؤكد تطابق قيام الدولتين على ادعاء أن تلك الأراضي التي استولوا عليها بقوة الحديد والنار كانت خلاء عندما وطئتها أقدامهم ووظفوا كل الوسائل لإقناع العالم بأن كذبتهم تلك حقيقة يجب التسليم بها. ولإضفاء بعض المصداقية على ادعائهم غيروا معالم الأرض وشردوا أو أبادوا أهلها وحاولوا محو آثار حضارات منها استقوا أصول العلم والمعرفة ومع ذلك ما تزال الأرض تتكلم لغة أهلها الحقيقيين ولم يزل العلم يدعون تملكه مفاتيحه رغم ما بلغوا فيه من تقدم يحتفظ بسمات الإبداع الشرقي لأن الحضارة البشرية نبعت من تلك الأرض وانتشرت لتشع على العالم . تلك الأرض وذلك الشرق الغامض الذي به ظهرت أول الأساطير المؤطرة للعلاقات البشرية وأولى الأدوات لمحاربة مخاطر الطبيعة والدفاع ضد الوحوش .
هناك اكتشفت وسائل العيش وتم الانتقال من العناية بالجسم إلى العناية بالروح فتكرس كبير الجهد لفهم الكون وضبط ملكوته . بدئوا بعبادة الظواهر أولا ثم حاولوا فهم هذه الظواهر للتحكم فيها بدل الخضوع لها أو على الأقل الاستفادة منها واتقاء شرورها . وعندما تصوروا قوة أعلى مفارقة تقمص الطغاة من غلغامش إلى فرعون شخص الإلاه الواحد المتحكم الجبار الذي سيسعى للخلود عبر ما شيد من معالم آثارها ما تزال خالدة بما رسم عليها من هيروغرفيات مصر إلى الحرف الفنيقي إلى الخط المسماري لتخليد أسماء وذكرى كبار المستبدين وكبار المبدعين والمفكرين . في هذا الشرق ظهوت الديانات السماوية لتنقل الروحي من الأرض إلى السماء . وإذا كانت الديانات في معظمها قد ظهرت في الشرق الأوسط وخاصة في الهلال الخصيب من أرض الشام والعراق فإن الإسلام قد ظهر في جزيرة العرب كما ظهرت قبله اليهودية والمسيحية في فلسطين التي عرفت مولد وصلب المسيح كما عرفت مسرى رسول الإسلام . وكانت طريق الحرير وسيلة تلاقح الثقافات وتبادل العلم والمعرفة بين شعوب الشرق .
شاء مكر التاريخ أن تظهر دولة الأفاقين لتدمر ما بنته آشور وبابل وصيدا وقرطاجة وبغداد…. منذ قرون خلت . فلم ينج بلد من شرورها قريبا كان أو بعيدا من الصين إلى اليابان إلى فيتنام إلى كوريا إلى الصومال إلى العراق إلى سوريا…..تطول اللائحة ولا يجدي الإحصاء ما دامت قائمة الشرور مفتوحة بيد من نصب نفسه دركيا على العالمين رغم شعاراته الكاذبة . إن الليبرالية المتوحشة وما تمثله من هيمنة الفردانية في الفكر والقوة الغاشمة على العلاقات الدولية تكشف بوضوح مدى كذب شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان لدى من يسمون أنفسهم بالعالم الحر الذي يحمى صنيعته دولة التمييز العنصري التي في بدايات القرن الواحد والعشرين تحاول أن تتوسع على طريقة الفارويست عن طريق إبادة شعب ذنبه أنه تمسك بحقه في الأرض في عصر الذكاء الصطناعي وسيادة وسائل الماس-ميديا الذي يفضح كل الممارسات المشينة . وضع يختلف عن مرحلة وعد بلفور وما تلاها من محاولة التخلص من عار مرحلة مظلمة ظالمة من تطور الراسمال الغربي مرحلة لم يكن ضحاياها من اليهود ففط بل نالت قارات وشعوبا لكن نصيب الشعب الفلسطيني كان أدهى لأن من وظف لاجنثاته لم يكن يطمح في خيرات الأرض بل كانت رغبته الأرض نفسها لأنهاء أسطورة اليهودي التائه على حساب شعب بأكمله هو الشعب الفلسطيني
كانت الاخبار تصل للقارئ عبر الصحف وفي أحسن الأحوال عبر الأثير مسموعة ولكن بعد فارق زمني بين وقوع الحدث والأخبار عنه إذا ما سمحت أدوات الرقابة واجهتها المتعددة للإذاعة والنشر . أما اليوم وما عرفه العالم من تطور وسائل التواصل الاجتماعي وما فرضه نضال الشعوب من تراجع وتنازل فرض على المستعمر وعلى المستبد ما أعطى للشعوبمن حقوق كما وفرض علاقات جديدة على الدول في حالات السلم وفي حالات الحرب أيضا. وإذا كانت المنظمات الدولية قد خصصت أجهزة لحسم النزاعات واتخاذ القرارات حقنا للدماء فإن ذلك لم يمنع من تسخير تلك المنظمات لتغليب الظالم على المظلوم أو على الأقل عرقلة إنصاف المظلوم ودعم الظالم إذا كانت نظرته تخدم مصلحة المتحكم الغالب في المنظمة الدولية.
الهاربون من وجه العدالة أو من بطش الحكام وحتى من جحيم الحروب عندما يتحولون إلى عصابات ويحلون بأرض وإن لم تكن خلاء فإنهم يتصرفون وكأنها كذلك خاصة إذا كان أهل تلك الأرض غير قادرين على مواجهة من استفادوا من حضارات أمم قوض الزمن والفتن والاستبداد قوتها مما سهل إخضاعها للاستعمار وسخر أبنائها خداما ورقيقا لدى السادة الجدد المستعدين لاستغلال كل مختلف عنهم لونا عرقا فسخروا إناث الملونين خدم بيوت وأدوات إشباع النزوات وبعد أن انتزعوا الأرض من أهلها وحشروهم في محميات سخروا الملونين رقيقا لخدمة تلك الأرض المغتصبة . كان ذلك العالم الجديد أرضا شاسعة ينعم أهلها بحياة بدائية ربما ولكن هادئة وسعيدة حتى جاء من البحر ذلك التسلط ليغتال البراءة والسكينة . لقد حمل معه نقيضه وككل اللصوص كانا متفقين على إبادة أهل الأرض ومالكيها . وعندما استتب لهما الأمر انتقلا إلى التناحر بينهما ليدخلا في حربين أهليتين متتاليتين توجت باغتيال قائد ثانيتهما وموحد الولايات المتحدة الأمريكية. انطلى شعار العالم الحر على براءة أهل الفن” في فرنسا فتسابقوا لمواساة الشعب الأمريكي وتعزيته في رئيسه المغتال بتخليد ذكراه بتمثال يطل من أعلى 96 مترا على مدينة نيويورك وعلى خليجها .
مرحلة كانت فرنسا فيها تقود التحولات السياسية والاجتماعية وتساهم في التحديث على المستوى الأوروبي من أجل محاربة الجهل ونشر المعرفة كشعار يخفي وراءه استعمار الشعوب وإخضاعها لاستغلال ما تخفي أرضها من ثروات .وهكذا تحول تمثال الحرية المنتصب في عباءة شابة تحمل في اليمنى المرفوعة إلى أعلى مشعلا ينير الطريق للتائهين ويساعد المجتهدين على سلوك طريق التحرير والانعتاق وفي اليسرى كتاب قد يكون معاهدة أو مرشدا لمعرفة الطريق . لكن المصباح تحول إلى قنابل نووية دمرت مدنا كاملة على رؤوس ساكنيها وتحول النور إلى قدائف مزودة بالأورانيوم المخصب تغتال البعيد قبل القريب . واقع يطرح عدة أسئلة أهمها لماذا يبقى هذا التمثال منتصبا باسم الحرية في دولة عمت شرورها العالمين ؟…إنها أرض لا مكان فيها للحرية ولا لتماثيلها !