رسالة من جورج إلى المهدي
بقلم منعم وحتي-المغرب
آه المهدي،
كنتُ ذاك الطفلَ، جورج إبراهيم عبدالله، ذا الأربعة عشر عاما، حين دبروا جريمة اختطافك في 29 من أكتوبر عام 1965، شاءتِ الأقدارُ أن أحْتَكّ بعد ذلك مع الفكر الاشتراكي، وأن ألتحق بِفِرَقِ المقاومة الفلسطينية، وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وأستنير بكتابات حركات التحرر العالمي، وضمنها منشورك الخالد : “الاختيار الثوري”.
لم أكن يوما أعتقد أنه سيتشابهُ مسارانا، في نفس الديار، ومع نفس تحالف الأجهزة الاستخباراتية لإسقاطِ رأسينا.
آه المهدي،
استَهْوَتْنِي سيرتُكَ، وصوتُكَ الجَهْوَرِي حين كان يصدح نُصرةً لقضية فلسطين، واشتعالها يتجدد تحت أقدام الاحتلال، ولتحرير الأوطان المستعمرة غصباً، وأنتَ على بعد خُطواتٍ من انعقاد مؤتمر القارات الثلاث بهافانا، وقد كنت العقلَ الذي لا ينام، لتوحيد دولِ الجنوبِ المستعمرِ، لتتنفسَ رياحَ الحريةِ، لكن عيونَ الذئابِ لاتنام أيضا، تظلّ تتربصُ الفرصةَ للقضاءِ على ضحيتها، في جُنح الظلامِ، فمخابراتُ الموسادِ لن تغفرَ لعقلٍ يوحِّدُ جهودَ العالمِ لتحريرِ فلسطين، كنا أن مخابرات س.ي.أ لن تغفرَ لدينامو يُوَحِّدُ دولَ فقرِ الجنوبِ ضد جشع رأسمال الشمال، وهو نفس تحالف دولتي الجهازين الآن، كشر مطلق، لتدمير مساكن الفلسطينيين وقتل أهلنا هناك.
أكيد، أن مسرح الجريمة سيكون بعيدا عن تُرْبَتَي هذين الكيانين، لكن أيديهما منغمسة حتى الكوعين في دمائك الزكية، وكانت النكبةُ في باريس، بمدينةِ “الأنوار”، عفواً في زقاقِ الظلامِ بباريس، والخيوط الدموية تمتدُ لأجهزةِ البوليس الفرنسي والمغربي، ودخل في الحِبْكَةِ القاتلةِ حتى أشباهُ الفنانينَ، والمرتزقةُ، فَكَمْ منَ الأعداءِ تجمعوا حول دمكَ الطاهرِ، والذي بكاهُ فقراءُ العالمِ، أيتامُ رجلٍ وهبَ حياتَه للحريةِ.
آه المهدي،
في نفس الشهرِ، وفي نفس الدولةِ، و على يد نفس التحالف الاستخباراتي، وعلى نفس الهدفِ، أجدُ نفسي خلف القضبان منذ اختطافي في 25 أكتوبر 1984 بمدينة ليون الفرنسية، الجريمةُ دفاعُ عن حرية فلسطين، استخبارات فرنسية أنجزتِ الكمينَ، موساد و س.ي.أ، أنجَزُوا الغطاءَ الخلفيّ للجريمةِ، وتبادلوا أدوارَ التمطيطِ واختلاقَ الوقائعِ، لأرزحَ لأكثر من جيل من الزمن خلف القضبان الفرنسية الصَّدِئَةِ، كما حٌكْمُ دولتها الصَدِئَةُ بكل ما تحمل الكلمة من معنى، صَدَأُ إغماضِها العينَ على اختطافِك أمام أنظارِها، صَدِئَة لأنها أخفتْ معالمَ الجريمةِ صوناً لمصالحِ عُملائِها بالمغرب وأمريكا والكيان الصهيوني، صَدِئَةُ لأنها أخفتْ حتى وثائقَ وأرشيفَ الاختطافِ، صَدِئَةٌ لأنها تحمي الآن تدمير الاحتلال لفلسطين، ونفس ذلك كان أيضا معي، إخفاءُ كل شيء، لأن لوبياتِ الضغط تشتغل من بعيد، تشتغل على إقبارِ صوتِك، وصوتِ من يعبرُ عن آمالِ الشعوبِ.
آه المهدي،
فأنا جورج ذو الأصولِ المسيحيةِ، أعلنُ دمي امتداداً لدِمَائِكَ ذات الأصولِ المسلمةِ، فحين التضحية في سبيل القيمِ الإنسانيةِ، فلا مجال لحروبِ التكفيرِ والراياتِ السودِ، فَلِوَاؤُنَا حريةُ وانعتاقُ الشعوبِ.
فهل يا مهدي بن بركة، يمكن لشخصٍ واحدٍ أن يُفْزِعَ قطيعاً من الذئابِ ؟
لم يسمحوا لي بأن أسمعَ رَدَّكَ.
لكن صدى صوتِك من قلبِ جبالِ الأطلسِ يتردَّدُ في زنزانتي الرطبة :
” إنهم يخشون جرأةَ بَوْحِنَا بالحريةِ “.
ملحوظة لها علاقة بما سبق :
لم تترك لنا خِسَّةُ قابضِي أرواحِ الأبطالِ في الليلِ الدامسِ خلفَ الزنازينِ، إلا مِخْيَالَنَا، ذاكرة موشومة بالمجدِ، مقابل ذاكرة المحتل المثقوبةٍ بالخِزْيِ، فكانت الرسالة مُتَخَيَّلاً، يحاكي الواقع كما هو.
منعم وحتي.
العجز أمام الظلم أكبر أنواع الألم …..