انقلابات افريقيا
فاضل الحليبي/البحرين
ما جرى في أفريقيا، أطلق عليه عدة تسميات منها “الربيع الأفريقي” على غرار “الربيع العربي 2011” الذي تحوّل إلى خريف، فهل هي صحوة أفريقية للخلاص من المستعمر القديم وتحديداً المستعمر الفرنسي الذي نهب خيرات وثروات البلدان الأفريقية التي احتلها في السابق وبعد حقبة الاستقلال الوطني في ستينيات القرن الماضي ونيل العديد من تلك البلدان استقلالها الوطني، الأ أنه بقي في بعضها ومن ضمنها الغابون عودة الاستعمار الفرنسي في السنوات اللاحقة على الاستقلال، لهذا يشعر الأفارقة بأن استقلالهم الوطني منقوص، طالما بقي هناك الفرنسيون أو من يتعاطف معهم لمصالحه الخاصة وإنْ كانت على حساب السيادة الوطنية وحريتهم، ومن هنا يصرُّ قادة الانقلاب العسكري في النيجر والمدعوم شعبياً على خروج القوات الفرنسية ومعها سفير فرنسا نفسه، وهناك تجمعات أمام السفارة الفرنسية في نيامي العاصمة تدعم مطالب العسكر وتؤكد على مغادرة السفير الفرنسي للبلاد.
مايجري في النيجر يختلف عن الانقلابات العسكرية السابقة في البلدان الأفريقية بسبب الالتفاف الجماهيري حول العسكر ودعم مطالبهم ومواقفهم، وسبقت النيجر بوركينا فاسو و مالي بانقلابات عسكرية مماثلة سقطت فيها الحكومات الموالية للفرنسيين، والتي يفترض بأنها وصلت للحكم من خلال انتخابات تزعم بأنها حرة ونزيهة، ولكن قرارها السياسي مرهون بفرنسا وما تمليه على تلك الحكومات، وطالما مصالحها لا تُمس، فإن فرنسا لن تطلب منها بأن تصون الديمقراطية والحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، فتلك مجرد شعارات تُرفع، والواقع على الأرض غير ذلك: فساد مستشرٍ في الحكومات، ولنا خير دليل في ما حدث مع وزيرٍ من الغابون أراد الهروب وتم القبض عليه وفي حوزته الآلاف وربما ملايين الدولارات، وما هذا إلا نموذج واحد من الفساد والرشاوى في بلدان تعاني شعوبها من الفقر والجوع والأمراض، وبالمقابل تُسرق ثرواتها وخيراتها في وضح النهار من قبل المستعمرين السابقين الذين يرفضون مغادرة تلك البلدان حتى لو استخدموا القوة العسكرية سواء كانت مباشرة أو عن طريق وكلائهم المحليين وبعض حلفائهم الاقليميين.
هل تمضي سيناريوهات الانقلابات العسكرية في أفريقيا لتحقق لشعوبها ما عجزت عن تحقيقه العديد من الحكومات التي حكمت لعقود من السنين منذ فترة ما عُرف بالاستقلال الوطني في بداية ستينيات القرن الماضي، حين خرج المستعمر الأجنب، وبالاخص الفرنسي، بفضل نضالات وتضحيات الشعوب الأفريقية، ودخل من جديد من خلال شركاته المتعددة وأصبح يتحكم في ثروات العديد من البلدان الأفريقية.
يريد الضباط الأفارقة الشباب اليوم كنس آثار المستعمرين السابقين، ويعيدون إلى أفريقيا وهج الحرية، فهل تنجح هذه الخيارات الجديدة القديمة؟