الزلزال عرى المستور والمسكوت عنه وتدبير الشأن العام
مبارك المتوكل/المغرب
زلزال الحوز يعري المستور، الزلزال الذي أصاب المغرب أحدث هزة نفسية خطيرة لدى عموم المواطنين إذ ظهر للعيان ما كان يصل متقطعا عبر بعض وسائل الإعلام. كنا نشاهد أو نسمع عن أوضاع مواطنين يقومون برحلة الشتاء من أجل الخبز وحطب التدفئة للوقاية من الجوع والصقيع ويقومون برحلة الصيف من أجل الماء والخبز وكنا نعتقد أن الأمر يعني قرية أو قرى من الأطلسي الكبير.
الزلزال عرى المستور والمسكوت عنه فتناسلت الأسئلة؛ كيف تفنى قرى بأكملها، تسوى مساكن وساكنوها بالأرض، وتقطع المسالك والطرق على قلتها في بلد يتباهى بخطوط القطار السريع وبالمحطات والمطارات البهية، ويسكن أغنياؤه القصور ويركبون السيارات الفارهة وتزين شوارعها بالورود، في حين يحمل مواطنوه في المناطق المعزولة مرضاهم وجرحاهم على ظهر الدواب ليصلوا إلى طريق معبدة إن لم تقطعها الأنواء قبل أن يمحوها الزلزال.
كان الجريح أو الملدوغ أو الحامل عند وصولهم، إن وصلوا إلى الحاضرة أحياء، يبدئون امتحانا أخر لعلهم يجدون طبيبا يصف لهم دواء أو سريرا يمكن من تتبع تطور مرضهم. إن انسحاب الدولة من قطاع الخدمات العمومية وترك فقراء الشعب يواجهون غيلان المرض والجهل والجوع والعطش ولا ينظر إليهم إلا كقوة ناخبة تشترى أصواتهم بالهبات الضئيلة وبالوعود الكاذبة ثم تخلف الوعود وتنسى الدواوير والقرى إلى موعد انتخابي آخر. ليستمر نهب خيرات الوطن من طرف عديمي الضمير الذين يتربعون على كراسي “تدبير” الشأن العام رغم تورط العديد منهم بل أغلبهم في ملفات عرضت على المحاكم وصدرت فيها أحكام لم تنفد بل استطاع عدد من هؤلاء المحكومين أن يستفيدوا من الحصانة البرلمانية ويتحملوا أكبر المسئوليات في الدولة بينما كان يجب أن ترفض ترشيحاتهم كي لا يصبح المشرعون أول من يخرق القانون.
لقد فضحنا الزلزال وكشف عورتنا بنكبته للمنكوبين أصلا فأصبح الأحياء منهم وقد دكت منازلهم على ذويهم يفتقرون لأي شيء لأنهم فقدوا كل شيء إلا تلك الأشياء الصغيرة التي تربطهم بأرض فيها نشئوا وبها دفنوا أحبابهم وآمالهم وأحلامهم. كانوا يعيشون على الكفاف وموتاهم لم يخلفوا إلا الذكريات لأن ما ملكوه طمره معهم الزلزال المدمر. وهم الباقون اليوم على قيد الحياة يسعون لأن يواصلوا المسير لأن الحي أبقى من الميت.
الشعب المغربي شعب أصيل لا ينتظر توجيها ليقوم بما يمليه عليه الواجب. أذكر أنني في سن الشباب رأيت كيف تسابق الطلبة للتبرع بالدم كما اقتطعوا من منحهم الشهرية جزءا ساهموا به في اكتتاب نظموه لدعم ضحايا زلزال أغادير. وجاءت كارثة زلزال الحوز فرأيت نفس التصرف عند شبابنا: نفس التسابق على مراكز تحاقن الدم ونفس الحماس للبذل ولو من القليل. وطرح السؤال المحير وأين الذين وضعنا فيهم ثقتنا يوما ووهبناهم أصواتنا وأوهمونا أننا سنجدهم عند الشدائد. يتحدث المسئولون اليوم عن إعادة البناء متناسين أن المنطقة توجد على خط النار وأنها ستكون باستمرار معرضة للتحولات الجيوفيزيائية. يضاف إلى هذا أن الزلزال لم يقض فقط على الزرع والضرع بل إن السؤال الذي يحق طرحه هو وأين هي الأرض الصالحة للرعي أو للزراعة لقد أخرجت الأرض أثقالها وليس في مقدور ضحايا الزلزال استصلاحها ويبقى السؤال مطروحا؛ ما العمل؟ الجواب عند الدولة التي قررت يوما التخلي عن ملكيتها الزراعية فوزعتها على من لا علاقة لهم بالفلاحة ليستفيدوا من المغرب الأخضر ويعفوا من الضرائب وفوائد تأخير السداد هذا إن فكروا يوما في السداد.
لا تزال الدولة التي أهدت لخدامها أجود الأراضي عندما قررت تصفية صوديا وسوجيطا لكنها لا تزال تتوفر في إطار الملك الخاص على أراضي بورية صالحة للزراعة والرعي فلماذا لا توزع هذه الهكتارات على من يحتاج إلى قطعة أرض يمارس فيها مهنته فتكون الدولة بذلك قد حلت مشكلتين: توفير شغل وسكن لضحايا الزلزال والحد من معاناة ساكنة المناطق الوعرة مع الجوع والعطش والصقيع.