انتهاكات الحق في الاعلام وممارسة الرقابة في المغرب
علال بنور
لا شك ان الصحافة تمثل سلطة رابعة، لدورها في ارتباطها بقضايا المجتمع في الدفاع عن المواطن، وتكشف عن مظاهر الفساد بكل انواعه واحجامه، غير انه بات من المؤكد، ان الصحافة بالمغرب تفتقد او افقدوها وظيفتها كسلطة رابعة، بقيت محدودة التأثير في الحياة السياسية والاجتماعية أكثر مما مضى، نظرا للحصار المضروب عليها من عدة جهات.
تعد مواد الإعلان العالمي لحقوق الانسان ،والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولات التابعة لها ،بالإضافة الى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان، والمؤتمرات التي تناولت حرية الصحافة والتعبير، هي اساسيات حرية الصحافة، خاصة ان المغرب من المصادقين على هذه المواثيق ،وتنص المادة 19 من الإعلان الدولي لحقوق الانسان على انه ،”لكل شخص حق التمتع بحرية الراي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الانباء والأفكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”. ومع ذلك لا زالت المضايقات تطارد الاعلام الحر، في مشهد هيستيري.
عرف المغرب سنة 2011 تحولات في اطار الربيع العربي ،منها مجيء الحكومة الإسلامية الى سدة الحكم، وصياغة الدولة لدستور2011 ،مما جاء فيه ،تعديلات شملت حرية الاعلام والصحافة ،باعتبارهما المحرك الرئيسي لحركة الربيع العربي ، وتجمع شباب مغربي من تنظيمات سياسية واحرار عبر منصات التواصل الاجتماعي ،فاطلقوا حركة سميت ب” حركة 20 فبراير ” ،انظمت الى هذه الحركة قوى سياسية وحقوقية ذات التوجه اليساري ،كما أعاد هذا الحراك للصحافة الحرة بروزها من جديد ،فكان لها اثر على الراي العام الوطني والدولي في رفع شعار” لا للفساد” ،مما جعل السلطة تعطل مشاريع اصلاح الاعلام في انتظار ما سيفرزه حراك 20 فبراير في ظل الحكومة الإسلامية ، فتحملت تلك الحكومة طرح وثائق اصلاح قانون الصحافة ومدونة الصحافة الالكترونية ،ثم تلاها مشروع قانون الصحافة المهنية مع مدونة أخلاقية المهنة ،وانشاء المجلس الوطني للصحافة. ومع ذلك خيبت الحكومة الإسلامية امال الاعلام الحر.
قدمت الحكومة المغربية في صيف 2019 تقريرا خاصا، بمتابعة تنفيذ توصيات الى مجلس حقوق الانسان التابع لهياة الأمم المتحدة، جاء في تقرير الحكومة إجراءات اتخذتها في مجال حقوق الانسان، من بينها حماية حرية الصحافة في إطار تنفيذ الحكومة المغربية لتوصيات هياة الأمم المتحدة، وهي 8 توصيات لها صلة بتعزيز حرية الراي.
فالعديد من الصحافيين والمدونين ،تعرضوا لمضايقات ،منهم من غادر المغرب نحو وجهات خارجية للبحت عن نسيم الحرية ،مثل بوبكر الجامعي وعلي لمرابط واخرون ،كما شملت الاعتقالات بتهم مزدوجة الجنس والمس بأمن الدولة ، كتوفيق بوعشرين حكم ب 15 سنة نافذة منذ شهر ماي 2018 ،وسليمان الريسوني السجن ب5 أعوام نافذة مع غرامة مالية قدرها 100 الف درهم ،وعمر الراضي 6 سنوات سجنا نافذا منذ شهر يوليوز 2021، و المدونة سعيدة العلمي اصدر في حقها حكما بسنتين نافذة مع غرامة مالية 5 الاف درهم .بالإضافة الى العديد من النشطاء الحقوقيين والسياسيين ،منهم نورالدين العواج متابعته بتهم مرتبطة بالراي والتعبير، قضت المحكمة الزجرية بالبيضاء بسجنه سنتين نافذة.
وهكذا، جاء الجمع بين المال والسلطة في مراقبة الممارسة الصحافية، لا شك ان هذا الجمع يقوض اركان مقومات الديمقراطية، كما يساهم الى جانب هذا الحصار لوبيات ضاغطة من بعض مالكي الصحف، تتحكم في احتكار المعلومة والاشهار، كما يقول المثل المغربي (خوك في الحرفة عدوك). وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت أصوات الصحافة الحرة مدافعة عن الحق في الحصول على المعلومة، وكعادتها الحكومة تلعب دور السبق، فأصدرت قانون 13.31 الحق في الحصول على المعلومة، غيرانه يمنح باليد اليمنى ويسحب باليد اليسرى، وردت فيه بنود تلجم الصحافة، والمستهدف هنا هو الصحافة الحرة. كما ارتفعت أصوات للدفاع عن حرية الراي، والدعوة لحماية الصحافيين من التعسفات التي يتعرضون لها بتهم جنسية وسياسية.
فساهم المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، منها منظمة حريات الاعلام والتعبير “حاتم”، التي دعت الى تفعيل ما ينص عليه الدستور المغربي من ضمانات لحرية التعبير، وتقوية الجسم الصحافي، مع توفير مناخ ملائم لاشتغال الاعلام بحرية ومهنية. كما تأسست جمعيات تضامنية على إثر الاعتقالات التي طالت الصحافيين والمدونين والفايسبوكيين، تدعو الى حرية الصحافيين في الراي، وإطلاق صراحهم وحمايتهم من الموت البطيء، من جراء الاضراب عن الطعام في زنازينهم بسبب آرائهم، ولم تقف تعسفات السلطة عند الاعتقالات بل طالت الصحف في منعها عن الصدور، مع التغريمات الخيالية في حق مدرائها، بل تعدى الامر الى تدخل السلطة في صياغة الاخبار والخط التحريري، او مصادرة الصحف اثناء الطبع.
ولتلجيم الاعلام الحر، تقوم السلطة باختيار القانون الأكثر تشددا ليطبق عليه، ويتعرض الصحافيون للتوقيف والاعتقال مددا قد تصل الى أكثر من 10 سنوات مع غرامات باهظة، فالصحافي قد يمنع من النشر كما انه يمنع من الوصول الى المعلومة، بالرغم من صدور قانون 13.31 للحصول على المعلومة، والذي يكفل للصحافي الحق في الحصول عليها.
فالرقابة حاضرة بقوة ،تتتبع يوميا الإصدارات الصحفية، بل تلك الموجودة اثناء الطبع. فلضرب وحصار الصحافة الحرة، أقدمت الدولة ولمدة سنوات على خلق وتمويل صحافة تابعة لها، للحد من حرية التعبير الحر، كما تمنع نشر المحاكمات بل أحيانا تمنع الصحافة الحرة من حضور جلسات المحاكمات الا نادرا.
سامت المضايقات التي تمارسها سلطة الرقابة على الصحافي والصحف في المزيد من تراجع الثقة في الاعلام، الشيء الذي دفع بالمغاربة الى البحث عن مصادر الخبر في وسائط التواصل الاجتماعي، بالرغم من ان هذه الأخيرة، هي الأخرى، تتعرض لمحاسبة سلطة الرقابة. فالرقابة على الاعلام الحر تمارسها كذلك وزارة الشباب والثقافة والتواصل عبر قنواتها، لها سلطة في طرد الصحافيين وحرمانهم من البطاقة المهنية. وهكذا، فان تداعيات الرقابة الذاتية، شملت كذلك الصحافيين والمدونين ومستعملي الهواتف الذكية في نقل الخبر، فطالهم العقاب.
ما نلاحظه في السنوات الأخيرة، تراجع اعداد الصحف في اكشاك البيع، الذي يفسر بتراجع قراء الصحف الورقية التي عوضوها بتتبع الاخبار عبر المواقع الإلكترونية والهواتف الذكية، وفي نفس السياق، نلاحظ ان الدولة تدعم ماليا بعض الصحف الورقية والمواقع الالكترونية، وأخرى محرومة من دعم الدولة، مما ادى على عدم التكافؤ بين المواقع الالكترونية.
انتظر الاعلاميون والصحافيون والمدونون منذ سنوات، القوانين الخاصة بحرية الصحافة، فجاء قانون 13.88 المتعلق بالصحافة والنشر، واحداث المجلس الوطني للصحافة، وقانون رقم 21 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، فأصدر المجلس الوطني للصحافة ميثاق أخلاقية مهنة الصحافة، الذي جاء بناء على القانون 13.90القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة، كما فجاء حوار الاعلام والمجتمع الذي خرج بتوصيات، غير انه للأسف تم اهمال تلك التوصيات من طرف وزارة الاتصال.
وقبل نهاية فترة الحكومة الإسلامية بأشهر قليلة، مررت قوانين اصلاح الاعلام، منها قانون الملاءمة المتعلقة بالصحافة الالكترونية، الشيء الذي قسم مهني الصحافة بكل أنواعها الى قسمين، قسم موالي لوزارة الاتصال مشجعا على قبول تلك القوانين، وقسم رافض لها، متوقعا انها جاءت لتلجيم الصحافة الحرة، فهذه القوانين اليوم، افرزت تراجعات في حق الراي والتعبير.
كانت الحكومة الإسلامية قد وعدت، ان تلك القوانين ستعزز من ضمانات حرية وممارسة مهنة الاعلام، لا غية العقوبات السالبة للحرية والتي ستعوض بالغرامات المالية، مع انشاء مجلس وطني للصحافة واصدار مدونة اخلاقيات المهنة.
اليوم، نجد الاعلام بكل انواعه يخضع لمرقبة القانون الجنائي، الذي تصل عقوبته الى 10 سنوات سجنا، إضافة الى عقوبات من قبيل المنع من الحقوق المدنية والسياسية، والمنع من ممارسة الصحافة قد تفوق 10 سنوات، مع الحرمان من البطاقة المهنية. وبالتالي هي عقوبات تحد من حرية الراي، الشيء الذي يتعارض مع قانون الصحافة والنشر.
أصبح من الواضح جدا، ان الرقابة على الاعلام الحر تفتك بالعمل الإعلامي كما تعيق تطوره، الشيء الذي يسيء لسمعة المغرب دوليا، بل تعيق التطور السياسي والاجتماعي. فأصبح من المؤكد، ان حرية الاعلام هي بالضرورة حرية المجتمع في مكوناته الثقافية والسياسية والمدنية والمهنية.