الشعب المغربي يدبر أمره بدون حكومته
البدالي صافي الدين/المغرب
الزلزال الذي أصاب المغرب ليلة الجمعة 9 شتنبر من السنة الجارية و الذي ضرب بقوة منطقة الحوز ، وجد المغاربة على أهبة التضامن المطلق و الفعلي و العملي بتقديم المساعدات الأولية و بالتواصل و القيام بعملية تحسيس الرأي العام الوطني والدولي بهول الحدث و تحديد المناطق المنكوبة عبر قنوات التواصل الاجتماعي.
المغاربة يد واحدة:
لم ينتظر المغاربة إذنا حكوميا كي يسارعوا الى إنقاذ إخوانهم من تحت الأنقاض ،ولم يبالوا بالألوان السياسية و لا بالانتماءات الجهوية أو الإقليمية أو القبلية أو اللغوية. إنها طبيعية ينفرد بها الشعب المغربي في الأزمات الإنسانية و في الكوارث الطبيعية منذ التاريخ ، إنه سلوك يسري في دم المغاربة المخلصين لأرضهم و لأصولهم العريقة في التاريخ . لقد هبوا في حينها بالتبرع بالدم و جمع التبرعات العينية و عملية مواساة الأسر المنكوبة.لم يكن الشعب المغربي ينتظر حكومة حتى تقوم من سباتها العميق و لم ينتظرونها كي توفر شروط الإنقاذ، لأن عوامل التضامن و التآزر والتآخي كانوا سباقين إلى ساحات الأحداث ، ولأن ماضي المغاربة التضامني هو الحاضر في اللحظة و هو المستقبل . إنه موقف المغاربة التضامني الذي نال تقدير الرأي العام العالمي و المنتظم الدولي . إن زلزال الحوز استنهض القيم التضامنية التي هي من شيم المغاربة و جاء ليظهر للعالم عن المعدن النفيس للمغاربة في وقت الأزمات و عن اعتزازهم وفخرهم بمغربيتهم و عن غيرتهم على وطنهم وعلى بعضهم البعض، رغم ما يتربص بهم من مفسدين ومن وصوليين و انتهازيين وتجار المآسي والكوارث. و في هذا السياق يذكر ذ بنزاكور احد الأخصائيين في علم النفس الاجتماعي حيث قال ” إن القيم التضامنية التي انتعشت بعد “زلزال الحوز” ليست شيئا غريبا على المغاربة؛ بل هي قيم قديمة متأصلة فينا وفي ثقافتنا أنثروبولوجيا”.
التلقائية التضامنية للشعب المغربي و تقاعس حكومي :
في الوقت الذي هب فيه المغاربة بكل أطيافهم السياسية و النقابية و الجمعوية إلى جمع التبرعات من مواد غذائية وألبسة و أفرشة وخيام وتنظيم قوافل الانقاذ في اتجاه المناطق المنكوبة رغم المخاطر الممكنة ، لم يكن للحكومة حضور وكأن الأمر لا يهمها و كأنها تخاف من غضب شعبي لأنها تقاعست في تنفيذ المشروع التنموي الذي كان من أولوياته المفترضة تأهيل العالم القروي بما فيها المناطق الجبلية على مستوى البنية التحتية من طرق و جسور و من تغطية اجتماعية من خلال إحداث مراكز صحية عن قرب و مستوصفات و وسائل الاتصال والتواصل . لقد كان من الواجب الوطني والإنساني أن يكون رئيس الحكومة من الاوائل في المنطقة المنكوبة ، لأنه رئيس الحكومة ومسؤول عن الشأن العام للبلاد حسب الدستور .أم كان ينتظر منبهات لوبيات الفساد وناهبي المال العام وتجار الأزمات كي يتحرك ؟ أو أنه كان ينتظر أن تعم الفوضى والارتباك في المبادرة الشعبية ؟ أم أنه أصبح يخاف من أهله و ذويه الذين صوتوا عليه ؟ . فاين هي الخيام و الآلاف من الموائد الغنية بكل أشكال المأكولات التي كان ينصبها في حملاته الانتخابية ؟ «و يمكرون و يمكر الله والله خير الماكرين» ، بل حتى الوزراء لم يظهر لهم أثر في هذه النكبة ، لأنهم بكل بساطة يتوارون عن الشعب المغربي و لا يظهرون إلا عندما تكون عملية توزيع كعكة المناصب على الأهل و الأحباب أو مصالح خاصة ،تلك هي الحكومة الشبح التي لا طعم ولا لون ،حكومة التفاهات ، “الفم ماض و الذراع مقاضي” كما يقول المثل الشعبي .
تضامن الشعب المغربي و التعاطف الدولي :
لم يكن التعاطف الدولي مع الشعب المغربي من صنع الحكومة بل هو من صنع المغاربة الذين أظهروا للعالم أنهم أخوة مكتسبة و محبة لا تخفيها مساحيق النفاق و الرياء السياسي للظهور بمظهر غير واقعي . المغاربة من طبعهم ينفقون مما عندهم في الشدة و في المحن التي تحل بأسرة أو بدوار أو بحي أو بمدينة أو قرية والأمثلة كثيرة لا يستطيع أحد طمسها . و نضرب مثلا بالطفل ريان الذي سقط في البئر المهجورة حيث كان تعاطف المغاربة و تضامنهم معه و مع أهله عارما. التعاطف الشعبي المغربي ليس له حدود ، إذ يمتد إلى الشعوب المجاورة في الزمن الحاضر و الماضي ،لأنه يعتبر التضامن قضية إنسانية تتطلب التعاون لتجاوز الأزمات الناتجة عن الكوارث.