في ذكرى 20 غشت
مصير ثورة ملك وشعب !؟
يوسف بوستة/المغرب
كانت ثورة الشعب مع الملك الراحل محمد الخامس، السلطان الذي كان مقتنعا في البداية من حيث المبدأ بتقاسم السلطة مع ممثلي الشعب من أقطاب الحركة الوطنية وقادة جيش التحرير، تتويجا لمعركة التحرير واستكمالا لمعركة الاستقلال، وكان السلطان قد أعلن تأييده لمطالب الحركة الوطنية باجلاء الاحتلال بعد أن كان السلاطين قبله مجرد دمى في يد المستعمر.
وقد التزم ابن يوسف بإقامة نظام ديمقراطي يضع المغرب في مصاف الدول المتحررة، وفاء لتضحيات ونضالات حركة التحرير الشعبية، وعرفانا لدور جيش التحرير في اعادة اللحمة بين العرش والشعب.
وكانت اللبنات الأساسية لترجمة ذلك الوعد على أرض الواقع هي وضع دستور ديمقراطي يعبر عن تلك التطلعات والتفاهمات، وقد شكل لهذا الغرض المجلس الاستشاري الذي عين على رأسه القائد الشهيد المهدي بنبركة، المجلس الذي يعتبر بمثابة السلطة التأسيسية التي كانت ستحل الجدل حول السلطة والحكم، وموازاة مع ذلك تم وضع برنامج وطني شامل لبناء مغرب الاستقلال، بعد تعين حكومة عبد الله ابراهيم اعلانا بميلاد عهد جديد، يؤسس لمغرب الحرية والكرامة والبناء والتشييد لتحقيق الغد الأفضل على منوال الدول الصاعدة الني تخلصت من التركة الاستعمارية.
إلا أن الانقلاب على تلك الحكومة بعد مرور 17 شهرا فقط من تعيينها، شكل منعطفا خطيرا بحيث تم تغيير التوجهات السياسية الكبرى للبلاد لتخدم مصالح الطبقة الحاكمة مما انعكس على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأغلبية الساحقة من الشعب، حيث تم إقبار المخطط الخماسي الذي كان يعبر عن تطلعات الشعب المغربي لما بعد الاستقلال في الحرية والكرامة والعيش الكريم، وتم استبداله بخيارات لا شعبية ولا ديمقراطية ولا وطنية لأنها أعادت السيطرة الاستعمارية عبر عملائها المحليين، وتكريس نظام التبعية الاقتصادية والمالية والادارية على مدى نصف قرن لازلنا نعيش نتائجها الكارثية إلى يومنا هذا.
وأضحت ذكرى” 20 غشت” من الناحية الفعلية هي أقرب الى ثورة الملك على الشعب ولم تعد لا ثورة شعب مع الملك ولا للملك والشعب، فبعد تولى الحسن الثاني للعرش وتمكن القصر تعزيز قدراته وسلطته، دخل المغرب في نفق مظلم واحتد الصراع بشكل مكشوف بين القصر والحركة الوطنية حول من له الشرعية بأن يحكم البلاد.
وهكذا فعوض التوجه نحو تقاسم السلطة في أفق إقرار السيادة الشعبية، واستكمال السيادة الوطنية على كامل الثراب الوطني، والعمل على توفير الشروط السياسية والقانونية والدستورية لفرز مؤسسات ديمقراطية حقيقية تكرس سلطة الشعب حسب روح التوافق بين محمد الخامس وأبطال حركة التحرير، اختار القصر أن ينحو نحو الاستبداد والتسلط، ويضع عنوان مغاير لمرحلة امتدت لعقود سمتها الحكم الفردي المطلق، ومنذ ذلك العهد وهذه الذكرى تجسد في واقع الأمر انقلاب الملك على الشعب، تمت ترجمته بحملة الاعتقالات في صفوف الاتحاد التي تجاوزت الثلاثة الآلاف، وتم تلفيق التهم وحبك السيناريوهات لشرعنة حملة الاختطافات والاغتيالات، ونصبت المحاكمات الصورية للمدنيين والعسكريين، وكانت الفضاعة هي إعدام خيرة أبناء هذا الوطن بعد اصدار أحكام جائرة في حقهم، وفتحت السجون السرية والعلنية لتستقبل أحرار الوطن من مختلف التيارات الفكرية والسياسية ومن كل الأعمار، فيما تم تمكين الخونة واللصوص والعملاء من أهم المناصب لتحصيل المكاسب، واطلاق يد خدام الدولة ورجال السلطة للتحكم في البلاد والعباد عبر افساد الحياة السياسية والحزبية ونهب الخيرات والسطو على الثروات، وتسييد سلطة القهر والظلم والقمع باسم الدفاع عن الوطن.
وبعد مرور أكثر من نصف قرن عن ذلك الوعد، ورغم العديد من التحولات والتطورات، وتسارع الكثير من الأحدات وما عرفته من مزيد من النضالات والتضحيات، وظهور ما يسمى بالعهد الجديد والمفهوم الجديد للسلطة وما شهده من انفراجات، وصولا إلى إقرار دستور جديد نتيجة ضغط هبة الشباب العشريني، فلازال الحكم الفردي المطلق قائما، ولم نصل بعد حتى إلى تقاسم السلطة وبالأحرى إقرار السلطة كلها للشعب .!
انه تاريخ يسجل بمداد من فخر لمسيرة نضالية مريرة وتضحيات جسام لقادة وأطر مناضلة اعتمدت جميع الاشكال النضالية لتحقيق الثورة الحقيقية، ولكن بدون انجازات توازي حجم تلك التضحيات وذلك الكفاح والصمود في وجه الطغيان.
فقد تمكنت الطبقة الحاكمة بجبروتها ومناوراتها من اجهاض الحلم الثوري وتمكنت من استقطاب العديد من القوى الديمقراطية وحتى المسماة يسارية لمشروعها الاستبدادي، وبفضل ذلك استطاع نظام الحكم تدجين القوى الشعبية واخضاعها لبنية الفساد والاستبداد، واحكام سيطرته بالقوة والاكراه تارة وبالهيمنة والاغراء تارة أخرى، ولازال وضع الأزمة في تفاقم مستمر ليشمل جميع مفاصل الدولة والمجتمع، بل تعزز بخلق قوى مخزنية جديدة أصولية وحداثية وتمكينها من احتلال المشهد السياسي، ولكن دون أن يتنازل قيد أنملة عن سلطة الحكم والتحكم والسيطرة، مما يعيد الأسئلة الجوهرية حول طبيعة السلطة والحكم الى بداياتها الأولى، وأصبح من المؤكد أنه بدون معالجتها سيظل الوضع على ما هو عليه ان لم يتجه نحو الأسوأ، وأن ما يعتبر انجازات وتقدم في العهد الجديد لن يصمد أمام هول وعمق الأزمات البنيوية،؟ أم أن إمكانية التقويم والتصحيح لمسار مشرك لازالت قائمة، بالتوجه نحو تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي واقرار عدالة انتقالية تضمد جراح الماضي كلية !؟