سجالات مؤسسات الدولة..
الدلالات والمآلات
عبد المولى المروري – المغرب
السجالات الكبرى التي تدور حاليا بين المؤسسات الكبرى للدولة تشي بالعديد من المفاجآت غير السارة بالنسبة للمواطن المغربي .. فلأول مرة يشاهد المغاربة سجالات علنيا وتضاربا في الكلام والمعطيات والتحليل بين والي بنك المغرب والمندوب للمندوبية السامية للتخطيط!!
بطبيعة الحال هذه المواضيع موضوع السجال والتضارب هي أكبر من أن يفهمها أو يستوعبها العقل المغربي البسيط الذي يكافح من أجل قوت يومه المرهق، ورغيف عيشة المبلل بمرق الذل والهوان.. ولكنه يجد نفسه مضطرا لمتابعة نقاش “فوقي” بلغة هي أقرب للطلاسيم منها إلى لغة المواطن البسيط.. لعله يجد بين ثنايا السجال ما يفك به أزمته وينفس كربته .. ولكن يبدو له – أمام شبه الخصومة الرسمية – أن ذلك بعيد المنال ..
والواضح أن أهم غائب في هذا السجال هي الحكومة التي يرأسها عزيز أخنوش، وهذا يدل على أن الأزمة الحالية هي أكبر من حجمها وأثقل منها على حملها .. فهذه الحكومة عبارة عن شركة مناولة في نظام دستوري لا يقيم وزنا للحكومة ولا لبرنامجها الحكومي ، فهي أصلا جاءت بلا مشروع ولا برنامج إلا ما أسند لها من مهام ذات طابع بروتوكولي فقط.. لأنها تعمل وفق ما تتلقاه من تعليمات وأوامر .. فالحكومة الحالية هي دون أن تخوض في نقاش الكبار !
ماذا يعني أن مؤسستين استراتيجيتين كبيرتين ليسا على وفاق واتفاق فيما يخص أزمة البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وأسبابها وسبل الخروج منها؟
إلى من يتبع بنك المغرب؟ وما هي الجهة الإدارية الوصية عليه؟
إلى من تتبع المندوبية السامية للتخطيط؟ وما هي الجهة الإدارية الوصية عليها؟
ألا يوجد خيط ناظم يجمعهما وجهة واحدة توحدهما ومؤسسة تنسق بينهما؟
هل بنك المغرب في نظام مستقل عن نظام المندوبية السامية للتخطيط؟
إن هذا السجال الفريد من نوعه في تاريخ المغرب مؤشر واضح عن وجود أزمة عميقة تجاوزت كل التوقعات.. وتخطت كل التكهنات .. وأصبحت أكبر بكثير من الحكومة الحالية، وأضحت أزمة دولة وليست أزمة حكومة، لذلك فهي أزمة لا تبشر بخير .. تؤكد نفاد ما بجعبة الدولة من حلول، ولو كانت حلولا ترقيعية.. فانفلت الموضوع من يد المسؤولين والمؤسسات الرسمية.. وأضحى الفضاء العام هو المكان المناسب لهذا السجال وتبادل الاتهامات عن أسباب هذه الأزمة وتداعياتها، وكل فريق يلقي باللائمة على الآخر .. وكل فريق يدافع عن رأيه وأطروحته .. أمام ذهول المواطن المغربي الذي لا يفهم شيئا من لغة الأرقام الغريبة التي لا سبيل لها ولا قدرة لها على خفض الأسعار ومعالجة قدرته الشرائية ..
ما الغاية من إخراج هذا الخلاف والسجال إلى الرأي العام التائه؟
هل يهيؤون الشعب لانتكاسة اقتصادية واجتماعية عظمى؟
هل المغرب قريب من السكتة الدماغية بعد أن نجى بأعجوبة (التناوب) من سكتة قلبية في عهد الحسن الثاني؟
لقد دخل المغرب إلى النفق المظلم منذ بضع سنين، وأخشى أن يكون هذا النفق بلا مخرج .. فالمغرب لا يحتمل تراكم الأزمات .. بعضها فوق بعض.. فإذا انضافت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية إلى أزمة الحرية وحقوق الإنسان، فماذا ننتظر ؟
على العقلاء أن يفتحوا أبواب الانفراج الحقوقي لأنه باب من السهل فتحه، ومفاتيحه بيد أصحاب القرار، من أجل امتصاص جزء كبير من الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي .. بعدها يمكن للشعب أن يتعاون من أجل حل الأزمة الاقتصادية وتقاسم أضرارها مع تحقيق العدالة الاجتماعية .. قبل فوات الأوان .. فهل من رجل رشيد ؟