الحركة التقدمية الكويتية: مستقبل القضية الفلسطينية على ضوء الرؤية الصينية
لقد توصلنا من الحركة التقدمية الكويتية ببيان شامل و فاصل تعبر فيه عن موقفها تجاه الرؤية الصينية بشأن القضية الفلسطينية التي تطرقت اليها مبادرة الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في ثلاثة نقط أساسية:
أولاً، يكمن المخرج الأساسي لحل القضية الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانياً، من المطلوب ضمان احتياجات فلسطين اقتصاديا ومعيشيا، وينبغي للمجتمع الدولي زيادة المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين.
ثالثاً، من الضروري الالتزام بالاتجاه الصحيح المتمثل في مفاوضات السلام. يجب احترام الوضع التاريخي القائم للمقدسات الدينية في القدس، والتخلي عن الأقوال والأفعال المتشددة والاستفزازية، والدفع بعقد مؤتمر سلام دولي على نطاق أوسع وبمصداقية أكثر وتأثير أكبر، وتهيئة ظروف لاستئناف مفاوضات السلام، وبذل جهود ملموسة لمساعدة فلسطين وإسرائيل على تحقيق التعايش السلمي. إن الجانب الصيني على استعداد للعب دور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية ودفع مفاوضات السلام.
ونحن في الحركة التقدمية الكويتية في الوقت الذي نلحظ فيه بشكل ايجابي تنامي دور جمهورية الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني على الصعيد الدولي كقوة أساسية، خصوصاً في ظل تراجع الهيمنة الأميركية وبداية تشكّل عالم متعدد القطبية، مثلما شهدنا ذلك في المبادرة الصينية بشأن العلاقات السعودية – الإيرانية، كما أننا في الوقت الذي نقدّر فيه بعض النقاط الواردة في الرؤية الصينية المتصلة بالقضية الفلسطينية، وتحديداً ضرورة تقديم الدعم الاقتصادي والمعيشي والمساعدات الإنسانية للشعب العربي الفلسطيني للتخفيف من معاناته، وبما يعزز صموده، وكذلك التأكيد على احترام الوضع التاريخي القائم للمقدسات الدينية في القدس، واستعداد الصين للعب دور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية، إلا أننا في المقابل نرى أن الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث تتجاهل أساس القضية الفلسطينية المتمثل في كونها قضية تحرر وطني في مواجهة كيان صهيوني غاصب زرعته الإمبريالية في منطقتنا العربية ليتولى القيام بدوره الوظيفي في خدمة المصالح والمشروعات الإمبريالية الغربية وتثبيت هيمنتها على منطقتنا وبلداننا وشعوبنا، وذلك بالارتباط مع المشروعات التآمرية الإمبريالية منذ بدايات القرن العشرين ممثلة في وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو، التي استهدفت استعمار وطننا العربي، وتمزيق بلداننا، وتفريق شعوبنا، ونهب ثرواتنا… هذا ناهيك عن دور الكيان الصهيوني في التصدي لحركة التحرر الوطني العربي واستهدافها وإضعافها عبر العدوان الثلاثي على مصر في ١٩٥٦، وعدوان ١٩٦٧، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، ثم احتلال لبنان في ١٩٨٢، وفرض اتفاقيات الاستسلام ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتمرير مشروعات تسيّد الكيان الصهيوني على المنطقة وتثبيت التبعية للإمبريالية تحت اسماء متعددة لما يسمى مشاريع الشرق الأوسط، وما ارتبط بذلك من مذابح وحشية وممارسات عنصرية بغيضة وتهجير تعرض له الشعب العربي الفلسطيني، وما نفذه الكيان الصهيوني من اعتداءات متكررة وجرائم واغتيالات وأعمال تآمرية امتدت إلى عموم منطقتنا العربية.
ونتيجة هذا القصور في الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث تجاه القضية الفلسطينية فإنها تنطلق على خلاف الواقع التاريخي من أنّ الأساس في القضية هو اختلاق الكيان الصهيوني نفسه، وإنما هو مجرد الاحتلال الصهيوني اللاحق للأراضي الفلسطينية في ٥ يونيو/ حزيران ١٩٦٧، وعدم قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة بعد ذلك التاريخ فقط، والتركيز على ما يسمى “حلّ الدولتين” الذي يقوم وفق ما جاء في الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث على “إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية”، وهي بالمناسبة أقل بكثير حتى مما جاء في قرار التقسيم الصادر في ٢٩ نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩٤٧، ما يعني تثبيت شرعية الكيان الصهيوني،وبذلك فإنها مجرد تكرار لما يسمى “المبادرة العربية” الميتة.
كما تخلو الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث من أي إشارة إلى عناصر مهمة في القضية الفلسطينية طالما كررتها ما تسمى بالقرارات الدولية وهي: مسألة اللاجئين والحقّ في العودة والتعويض وحقّ تقرير المصير، وهذا الحق الأخير لا يتطلب فقط الاكتفاء بتقديم “المساعدات الإنمائية والإنسانية”، بل يتطلب أيضا ممارسة حق الدولة الفلسطينية في التسلح ودفع العدوان بالقوة لضمان الاستقلال وعدم التحول إلى مجرد كيان وظيفي متواطئ شبيه بالسلطة الفلسطينية الحالية.
إننا من موقعنا كجزء من حركة التحرر الوطني العربية المقاومة للهيمنة الإمبريالية وللكيان الصهيوني الغاصب، مع تقديرنا العالي للحزب الشيوعي الصيني وجمهورية الصين الشعبية والصداقة بين الشعوب العربية والشعب الصيني، إلا أننا نختلف جذرياً مع الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث، التي نراها قاصرة عن رؤية أساس القضية ولا تستجيب على نحو متناسب مع نضال الشعب العربي الفلسطيني ونضال الشعوب العربية وقواها التحررية في مقاومة الهيمنة الإمبريالية والكيان الصهيوني الغاصب.
١٥ يونيو/ حزيران ٢٠٢٣