نسق الغايات و فشل المنظمات
بقلم : محمد أمين سامي
خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير.
كثيرا ما نتكلم لماذا تفشل المنظمات بمختلف أشكالها سواء كانت حكومية أم شركات خاصة أم جمعيات ومنظمات خيرية في تحقيق أهدافها واستراتيجياتها، وهل السبب يعود لضعف الموارد البشرية والمالية والتقنية؟ أم للمنافسة الشرسة في ظل عالم يتسم بالتقلبات الكثيرة والسريعة؟ أم لضعف أهدافها وكثرة مجالاتها الاستراتيجية وعدم قدرتها على التوفيق والتنسيق بين الموارد والأهداف؟ أم لغياب احد وأهم المقومات وهي ضعف نسق الغايات. فما المقصود بنسق الغايات؟ وماهي مكوناته؟ وكيف نقوم بتشكيله؟ وكيف نقوم بتنزيله على أرض الواقع وفق سلم الغايات؟
إن المقصود بنسق الغايات هي الصورة المستقبلية التي يقوم وعينا برسمها عن المستقبل الذي نريد الولوج إليه، وهي التي تشكل ما يسمى بالثقافة التنظيمية la culture organisationnel التي تتبناها المنظمة أو المؤسسة في أفعالها ومبادراتها الحاضرة في اتجاه المستقبل المراد الولوج إليه.
ان المستقبل ليس نوعا واحدا بل مستقبلات متعددة ومتنوعة فهناك :
١. المستقبل الرسمي الذي ينبني على تحليل البيانات التاريخية والمعلومات الماضية و الحاضرة واسقاطها على المستقبل الجديد الذي يريد الولوج إليه بحكم ان الظواهر والوقائع التاريخية تتكرر ولكن بتمظهرات مختلفة.
٢. المستقبل المرغوب فيه الذي نسعى الولوج إليه والتخطيط له وفق رؤية معينة وما نطمح الوصول إليه بعد القيام بتحليل البيانات في الماضي والحاضر ومراقبة حركية النسق المجتمعي.
٣. ثم هناك المستقبل الموعود وهذا له ارتباط بالجانب الديني والقيمي بشكل كبير خاصة أن هذا الأخير يعلمه الله وحده سبحانه وهو الذي يحدد توقيته بامتياز ولا قدرة للبشر على استشرافه.
وبالتالي فهناك المستقبل المحتمل والمستقبل المفضل و… إذن فالمستقبل مستقبلات ولكل مستقبل خصائصه ومكوناته.
إن حديثي اليوم عن نسق الغايات وفشل المنظمات لم يأتي من فراغ بل عن دراية وتمعن وتمحيص وتجربة شخصية. فأسباب فشل المنظمات كثيرة ومتعددة منها ماهو مالي، تقني، ضعف الموارد البشرية، ضعف التدبير، ضعف التخطيط، غياب الولاء الوظيفي، المنافسة الشرسة،… كل هذه الأمور مساهمة في الفشل وكما يقول المثل تعددت الأسباب والفشل واحد ولكن يبقى أهم سبب في فشل المنظمات هو عدم الإيمان والوعي الجيد وعدم تبني الثقافة التنظيمية تنظيما وسلوكا لأنها هي المحرك الأساسي لنجاح المنظمة.
فالشروط العميقة لنجاح المنظمات تتطلب ثلاث عناصر أساسية :
١. موارد بشرية قوية وفريق عمل متميز
٢. ثقافة تنظيمية قوية تدفع نحو الأمام من أجل تحقيق الرؤية المرغوبة.
٣. تنظيم وهيكلة قوية ومرنة تساعد على إتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
ان قوة المنظمة في قوة ثقافتها التنظيمية فهذه الأخيرة تعتبر القوة الناعمة وهي مصدر غنى وتربع المنظمات العالمية على القطاع، وتتشكل هذ القوة الناعمة من رؤية ورسالة وقيم هذه العناصر الثلاث المكونة للثقافة التنظيمية في أي مؤسسة هي القوة الناعمة لنجاح المنظمة أو فشلها فغيابها أو ضعفها وعدم فهمها وعدم توضيحها للأعضاء والعاملين في المنظمات بمختلف القطاعات كفيل بخسارة المنظمات وفشلها والخروج من السوق بأقوى تكلفة للخسارة.
فنجاح المنظمات رهين بسلم نضج ثقافتها التنظيمية فكلما ارتقت المنظمات وطورت ثقافتها التنظيمية كلما كان أدائها أفضل وتربعت على عرش القطاع وأصبحت لاعبا أساسيا فيه. وفي هذا الصدد يوجد سلم نضج الغايات المكون من الدرجات التالية :
الدرجة 0 : وجود ثقافة تنظيمية مكتوبة
الدرجة 1 : ثقافة تنظيمية مكتوبة ومفهومة من طرف الجميع.
الدرجة 2 : ثقافة تنظيمية مكتوبة ومفهومة ومتقاسمة مع الجميع.
الدرجة 3 : ثقافة تنظيمية مكتوبة ومفهومة ومتقاسمة ومنزلة على أرض الواقع وفق سلوكيات ومبادئ وقرارات تنظيمية.
إن غياب هذا التدريج في تنزيل نسق الغايات داخل المنظمات يجعلها معرضة للفشل لامحالة رغم توفر الوسائل وأدوات الاشتغال لأن الأهم هو الإيمان بثقافة المنظمة واستدامتها وبالتالي الولاء الوظيفي يجب أن يكون للتنظيم وليس للشخص.
