أهم التحديات المستقبلية، تحدي البحث والتطوير
بقلم : محمد أمين سامي
خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير
يعتبر البحث و التطوير أحد الدعامات الأساسية لبناء دولة قوية و متقدمة، ناهيك أن الاستثمار في البحث و التطوير يساهم في تجويد الخدمات و الصناعات و يضمن استدامة الميزة التنافسية في مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية و غيرها…
فالبحث و التطوير ليس فقط محصور على الدول الغنية أو المنظمات القوية التي تمتلك اقتصادات قوية و رؤوس أموال و إنما هو ثقافة يجب تبنيها و اعتمادها و تنظيمها كي تحقق القصدية من البحث و التطوير، و لعل أبرز مثال على حاجتنا الملحة للبحث و التطوير هو ما عشناه خلال الفترة السابقة من أزمة كورونا فيروس و التي جعلتنا ندرك أهمية البحث و التطوير و الاستثمار فيه و زيادة حجم الإنفاق عليه بل الأساس هو جعل التعليم أولوية و تكوين باحثين من مختلف التخصصات للدفع بالبحث و التطوير للإمام،
فحسب الإحصائيات الصادرة عن الاسكوا في تقريرها الصادر حول موضوع التنمية المستدامة للمنطقة العربية لسنة 2020 يتبين من خلال الهدف الثامن المتعلق بالعمل اللائق و نمو الاقتصاد أن المنطقة العربية تعاني بشكل كبير في البحث و التطوير حيث يتضح أن عدد الباحثين على مستوى المنطقة العربية يصل إلى 722 باحثا بالنسبة لكل مليون نسمة بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي يمثل حوالي 1267 باحثا لكل مليون نسمة، أما على مستوى أوروبا فعدد الباحثين لكل مليون نسمة يتجاوز 3000 باحث لكل مليون نسمة،
فضعف عدد الباحثين في المنطقة العربية في مختلف المجالات يساهم في صعوبة تجاوز و مواجهة تحدي البحث و التطوير خاصة أن التعليم يلعب دورا محوري و مصيري في تقدم المجتمعات، كما أن ضعف الميزانيات المخصصة للبحث العلمي و التطوير و التي لا تتجاوز 1% فالانفاق في هذا المجال لا يتجاوز 0,64% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية برمتها في المقابل فالمتوسط العالمي في هذا القطاع يبلغ 1,73% من الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي يتضح أننا في المنطقة العربية أدنى بكثير من المتوسط العالمي،
في حين فاجأت إسرائيل الدول العربية و جاءت في المركز الخامس عالمياً من حيث الإنفاق على التعليم بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي بإنفاق يبلغ 8.3% على التعليم من ناتجها المحلي، وإذا علمنا أن الناتج المحلي الإجمالي لها يصل 110 مليارات دولار، فإن نصيب البحث العلمي يصل في بعض الأحيان 5.3 مليارات دولار، كذلك يتضح من خلال مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2022 أن أغلب الدول العربية جاءت في مراتب متأخرة بإستثناء الإمارات و قطر اللتين احتلتا مراتب جد متقدمة عربيا و عالميا.
فالمتتبع للنموذج التنموي العالمي المتجه نحو الاقتصاد الرقمي و المعرفي يدرك مدى أهمية الاستثمار في مجال البحث العلمي و التطوير و الابتكار و لعل أفضل محرك التغيير و التنمية و مواكبة التطور التكنولوجي الحاصل هم الشركات العالمية و الشركات العابرة للقارات التي تخصص ميزانيات ضخمة أن لم نقل مهولة لضمان استمراريتها و استدامتها و سيطرتها على القطاعات المستثمر فيها فمن خلال الرسم البياني أسفله (١)، يتبين أن أغلب الشركات العالمية المتوحشة ذات جنسيات أمريكية و صينية و ألمانية و سويسرية و يابانية، و كورية. هذه الشركات العالمية تخصص ميزانيات ضخمة كما يوضح الرسم البياني اسفله(٢)
ان المستقبل مفيد للأشخاص و الشركات اللواتي تقوم بصناعته وفق أهدافها الخاصة و الغير المعلنة و بالتالي من يستثمر في البحث والتطوير يتحكم مستقبلا في السوق و مدخلاته و مخرجاته فالصراع المستقبلي صراع الشركات الكبرى و ليس صراع ايديولوجيات الدول.