رحلة العشاق الى مدينة اللقلاق.
علال بنور – المغرب
دفعتني رعشة حب و عشق بمعية زملاء، وهم أساتذة اشرف على تدريبهم لمهنة التدريس ، للقيام بزيارة للصديق إلياس بمدينة القنيطرة وهو فرد من المجموعة المتدربة، فاستقر الرأي على السفر ، ركبت و الزملاء زنوبة ( اسم سيارتي)، فخرجت كالبرق نحو الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء و مدينة اللقلاق/ القنيطرة ، فعند وصولنا إلى غابة البلوط ، بعاصمة الغرب كما يحلو لبعض المتعاطين للسياسة أن ينعتونها ، اختلطت في ذهني المتعب بدروس التاريخ و الجغرافية ، صور الماضي بالحاضر لهذه المدينة ، فعندما وصولنا إلى مدارس تكوين رجالات السلطة والتي كانت لي حكاية معها سنة 1996 ، تبعثرت الصور القديمة في ذهني من جديد ، أحسست باضطراب نفسي ، لم اعد اعرف أين نحن من هذه المدينة التي لم أزرها منذ 25 سنة خلت ، وجدت نفسي أمام مدينة غريبة برونقها المتجدد والمتجسد في شوارعها و متاجرها و عماراتها ، مدينة فاق معمارها جمالا معمار مرحلة الاستعمار.
تاهت زنوبة في شوارعها ثم توقفت بجانب الرصيف ، فأمددت برأسي من نافذتها ، سألت حسناء لقلاقية ، عن اسم هذا الشارع ، فبجبلتيها أجابتني بابتسامة تشد الناظر بهستيرية البصر.، إنه شارع محمد الخامس ،هكذا قالت، واصابعها تتخلل شعرها المسترسل ، سرت فيه طولا ، حيث يقطع المدينة إلى جزأين ، فهو يمثل مدخلها و مخرجها .فلم يسعفني سوى الهاتف النقال ، حيث اتصل الأخ ابا جلول بالأخ إلياس ليخرجنا من هذه الورطة ، سأله من أين سنأتيه؟.
اجتمعنا عند الأخ الياس ببيته نمثل الوحدة الوطنية ، الياس له جذور من قبيلة الخلط التي تستقر بالقصر الصغير ، الحسين ايت عدى له اسم جميل ،ينتمي لقبائل ايت عطا التي كان لها شأن عظيم أيام الاستعمار ، تغلب عليه النبرات الامازيغية عند كلامه ، الأخ مجيد من قبائل شتوكة القريبة من مدينة ازمور له ملامح امازيغية ، لاشك ،ان قبيلته هاجرت في ظروف غامضة من منطقة سوس العالمة ، اما ابا جلول فله قامة عملاقية و ملامح عربية على ما يبدو ، و صوت جهوري ، يلازم في هندامه الأنيق ربطة عنق ذات ألوان ناصعة لذلك سميته (مول لكرافاطة الحمراء ) فهو ينتمي لقبائل أولاد زيان /الكارة القريبة من الدار البيضاء ، التي قادت المقاومة بالدار البيضاء سنة 1908.
بعد غذاء لذيذ تفضل به علينا الأخ إلياس ، وللأسف أن ابا جلول – الذي كان كثير الغياب اثناء التداريب عند تحمل مسؤولية الفصل – في ذلك اليوم ،كان مضربا عن الطعام تقربا من الله . فرغم إدلالي له بدلائل سنية /مالكية عن فطم الصيام أمام مائدة الأكل الشهي، واستشهادي له بأحاديث نبوية، بقي متشبثا بحكم الشرع حسب رأيه، كم هو صلب يا إلاهي.
بعد الظهيرة، جال بنا الأخ إلياس، عبر زنوبة، المواقع السياحية لمدينة اللقلاق الذي يعشش في قمة أعمدة الكهرباء يا للعجب؟ مرورا بالقاعدة العسكرية الأمريكية سابقا، إلى المهدية المجال الطبيعي الذى يربط بين مصب نهر سبو والمحيط الأطلسي، ثم عبرنا إلى محمية طبيعية التي تعد الطريق إليها صراطا مستقيما، هذه المحمية تجمع بين الغابة و مستنقع مائي تعيش فيه الطيور المهاجرة من العالم ، وهى الأخرى تمثل الوحدة الدولية .
بعد عودتنا ، تعاملت بمكر مع الأخ إلياس حيث تحايلت عليه لأعرف موقع مكانين مهمين بالمدينة ، هما “بور ليوطي” وهو ميناء بني في عهد المقيم العام ليوطي لذلك سمي باسمه ، ثم السجن المركزي هو الاخر بني في عهد الحماية الفرنسية. أخذنا إلياس إلى مقهى يطل مباشرة على مجرى نهر سبو ، فعندما أخذت مكاني بين الزملاء تأملت خلفي وامامي، أحسست بشعور غريب ينتابني ، اقشعر جسدي ، فقلت مع نفسي ، لابد أن هذا المكان به مجال مغنطيسي ، أو على الأقل به تيار كهربائي قوي .
فسألت الياس ، ماذا تمثل البناية شمال النهر في الضفة الأخرى ، فقال لي : انه ميناء ليوطى ، لم يعد نشيطا ،اليوم ، ثم قلت له ، وذلك السور العالي والطويل ، غرب النهر الذى تعلوه أسلاك وبه برج ، قال لي : انه السجن المركزي .
فقلت مع نفسي ، اذن ،أنا جالس بين مكانين تاريخيين : بور ليوطي الذى بناه الاستعمار الفرنسي على اكتاف المغاربة ، لسرقة خيرات بلادنا ، وخلفي السجن المركزي الذى شهد على اعتقال رجال المقاومة الأشداء و رجال السياسة الأقوياء، المناضلين الحقيقيين .
في تلك اللحظة حضرتني ذكرى لا زالت امي ، أطال الله في عمرها ، تبكيها ، حكت لي عند عودة جدي من الجندية ، من مدينة “بوردو” أثناء الحرب العالمية الثانية ، التحق ابنه البكر محمد وهو احد فقهاء دكالة في الأمور الدينية ، بالمقاومة بين مدينة الجديدة و الدار البيضاء، فتم اعتقاله ليسجن بسجن القنيطرة ، كان جدي من حين لآخر ،يزوره بالسجن ، بحكم النياشين التي كان يحملها على صدره ، وهى من هدايا الحرب العالمية الثانية ،التي جندته فيها فرنسا لمحاربة المانيا، والتي قتل فيها مغاربة مجانا .في إحدى الليالي المظلمة و المطيرة ، أتاه غريب ليخبره أن ابنه محمد قتل بالسجن المركزي ، فعليه الالتحاق بإدارة السجن لسحب ملابسه ، طبعا رفض ، لأنه في حاجة لابنه وليس ملابسه .
منذ ذلك اليوم إلى ألان ، نجهل قبر محمد ومن قتله ، لذلك ،كان لهذه الزيارة لمدينة اللقلاق أثرا أليما و ذكرى قاسية ، ولو انني لم أعشها . فهذا السجن عمر فيه مناضلون نعتبرهم امتدادا لأبناء الحركة الوطنية الحقيقية، الذين دافعوا عن حرية وكرامة هذا الوطن الذي ننتمي إليه ويتسع للجميع لنا فيه حقوق.
بدأت الرحلة بعشق وانتهت بألم.