المراوحة بين الاحتجاج الفعلي والاحتجاج الافتراضي
محمد السميري – المغرب
في ظل موجة الغلاء المستعرة كثر الحديث و اللغط على مواقع التواصل الاجتماعي ،فترى المواطنون ينددون ،والسياسيون ينتقدون، والصحافيون يستنكرون، لكن حين تذهب للتسوق ترى الناس يتبضعون ويشترون، ثم يعودون الى ديارهم ، فيعتكفون على هواتفهم المحمولة وينشغلون مرة ثانية بما تقدمه هذه المواقع من احتجاجات وانتقادات لغلاء الأسعار.
تتم هذه الدورة السيزيفية مع ما يرافقها من توزيع اللايكات واقتسام الفيديوهات كانتصار افتراضي على عدو وهمي لا يتخطى الشاشة الضيقة الى الواقع الفعلي، ليحس المواطن بنشوة الانتصار كنوع من التنفيس الافراغي الذي يوهم بالقيام بفعل جماعي ملموس، مع ان الحقيقة الصادمة تقول عكس ذلك، فالاحتجاج الفيسبوكي يمتد افقيا عبر فضاء افتراضي بين افراد معزولين مشتتين لا تربط بينهم أي صلة تذكر.
لقد غدت أدوات الاحتجاج على الاوضاع المعيشية في زمن العولمة محصورة بين الرموز والصور والفيديوهات ، حيث تعمل هذه الأدوات كمسكنات لامتصاص الغضب الشعبي ،فتتحول الى جانب الادوات القمعية المادية الى الة خفية للرقابة الذاتية .
قبل ظهور الفيسبوك كانت العلاقات الاجتماعية يطبعها التآزر والتكافل ،فكان الشارع فضاء للاحتجاجات العلنية وكان اليسار كمساند لهذه الاحتجاجات يستمد قوته من نبض الجماهير كمؤطر ومدافع عن قضاياها. في زمن العولمة اصبح المواطن اعزلا يواجه مصيره المجهول بمفرده حيث انسحب المثقفون والأحزاب بل ان هذه الأخيرة أضحت أداة طيعة في يدي المستبد ،لم يعد للمواطن ظهرا يحميه ولا حزبا يأويه ،فوجد عزاءه في شاشة ضيقه تسكن الامه وجراحه .في مواجهة غول الغلاء اصبح المواطن يتفرج بنوع من السخرية السوداءعلى ماساته ،فآضحى الواقع عبثا والعبث واقعا !!!